"كوب 28"... كيف تحقق الإمارات ريادة دولية في مجال مكافحة الكربون؟

كوب (28)... كيف تحقق الإمارات ريادة دولية في مجال مكافحة الكربون؟

"كوب 28"... كيف تحقق الإمارات ريادة دولية في مجال مكافحة الكربون؟


08/05/2023

على قدم وساق تجري الاستعدادات الإماراتية في الوقت الراهن، تمهيداً لاستضافة مؤتمر المناخ (كوب 28) الذي سينعقد في الفترة من 30 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إلى 12 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، في مدينة إكسبو دبي.

وتحرص الإمارات، بحسب حديث وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، خلال اجتماع للجنة العليا المشرفة على تحضير المؤتمر، نهاية نيسان (أبريل) الماضي، على الالتزام بنهج شمولي يحتوي الجميع خلال تخطيطها لمؤتمر (كوب 28)، بهدف تحقيق نموذج ناجح ومفيد ومتكامل للوفود المشاركة والمعنيين والزائرين.

وقال الشيخ عبد الله بن زايد الذي يترأس اللجنة: إنّ الإمارات تتعامل مع الاستضافة بمسؤولية وإدراك تام لأهمية الموضوعات المطروحة، وتقوم بدور مهم في عملية تعزيز التوافق في الآراء وتحقيق الإجماع الدولي، وتنسيق استجابة عاجلة وشاملة في هذا العقد الحاسم بالنسبة إلى العمل المناخي.

فرصة لتغيير المسار المناخي الدولي

استعرضت دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، للباحث إبراهيم الغيطاني، فرص ريادة الإمارات في المجالات البيئية انطلاقاً من أهداف المؤتمر، خاصة فيما يتعلق بتقنيات احتجاز الكربون، الذي يُعدّ واحداً من أهم التحديات المناخية الدولية.  

 الشيخ عبد الله بن زايد: الإمارات تتعامل مع الاستضافة بمسؤولية وإدراك تام لأهمية الموضوعات المطروحة

 ويرى الباحث المختص بشؤون الطاقة أنّ انعقاد الدورة الـ (28) للمؤتمر في مدينة إكسبو دبي، يُعدّ فرصة سانحة للعالم لتغيير مسار العمل المناخي الدولي، في ظل المساعي الحثيثة لمنع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من (1.5) درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.   

تتبنّى دولة الإمارات، باعتبارها رئيساً للمؤتمر القادم، أجندة متعددة المستويات لمكافحة التغير المناخي، لا تقتصر على الاهتمام بقضية تيسير التمويلات للاقتصادات النامية فقط، وإنّما تشمل أيضاً نشر ما يلزم من تقنيات لخفض الانبعاثات الكربونية

وتتبنّى دولة الإمارات، باعتبارها رئيساً للمؤتمر القادم، أجندة متعددة المستويات لمكافحة التغير المناخي، لا تقتصر على الاهتمام بقضية تيسير التمويلات للاقتصادات النامية فقط، وإنّما تشمل أيضاً نشر ما يلزم من تقنيات لخفض الانبعاثات الكربونية الصادرة عن الأنشطة الكثيفة الاستهلاك للطاقة، وفي مقدمتها احتجاز وتخزين واستخدام الكربون، وفق الدراسة المشار إليها.

 ريادة إماراتية في مجال احتجاز الكربون

 بحسب الدراسة، تتجه الأنظار حالياً أكثر من أيّ وقت مضى إلى أهمية تقنية احتجاز أو "التقاط" وتخزين الكربون واستخدامه، بهدف تقليص البصمة الكربونية لعمليات إنتاج الكهرباء والتكرير والبتروكيماويات، فضلاً عن الأنشطة الصناعية كثيفة الطاقة مثل الإسمنت والألومنيوم وغيرها؛ إذ إنّ نشر تقنية احتجاز الكربون ليس مهمّة سهلة بطبيعة الحال، في ظل التحديات الفنية والاقتصادية لاستخدامها، فضلاً عن التعقيدات السياسية والاقتصادية على الساحة الدولية في الوقت الحاضر.

 نشر تقنية احتجاز الكربون ليس مهمّة سهلة في ظل التحديات الفنية والاقتصادية لاستخدامه

 ومع ذلك، ثمّة كثير من العمل الذي يمكن للعالم، ولدول الشرق الأوسط على وجه خاص، القيام به لنشر تقنيات خفض الكربون، ودعم جهود مكافحة التغير المناخي.

 وبدورها، فإنّ الإمارات كانت من أوائل دول المنطقة التي دعمت استخدام احتجاز الكربون لخفض انبعاثات الكربون من الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة عن طريق مشروع "الريادة" الذي يلتقط نحو (800) ألف طن من ثاني أكسيد الكربون من عمليات شركة "حديد الإمارات أركان".

انعقاد الدورة الـ (28) للمؤتمر بمدينة إكسبو دبي، يُعدّ فرصة سانحة للعالم لتغيير مسار العمل المناخي الدولي، في ظل المساعي الحثيثة لمنع ارتفاع حرارة الأرض بأكثر من (1.5) درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية

 وتسعى دولة الإمارات لزيادة قدرة احتجاز الكربون إلى نحو (5) ملايين طن بحلول عام 2030، أي أكثر من (5) أضعاف الطاقة القائمة حالياً. كما أنّ شركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك" بصدد تنفيذ عدد من المشاريع الأخرى لاحتجاز الكربون في الأعوام القليلة المقبلة، إلى جانب مشروع "الريادة"، التي تأتي ضمن خطة الشركة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام  2050.

 وكانت "أدنوك" قد خصصت مبالغ مالية تُقدر بنحو (15) مليار دولار، قابلة للزيادة، للحدّ من الانبعاثات من عملياتها مستقبلاً.

 كما تستعد "أدنوك" لتنفيذ مشروع لاحتجاز أكثر من (18) ألف طن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون من عمليات شركة "فرتيجلوب" بالسوق الإماراتية. وتتعاون "أدنوك" أيضاً مع مؤسسة الفجيرة للموارد الطبيعية، وشركة أبو ظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، لإطلاق مشروع تجريبي لتعدين ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى صخور بشكل دائم ضمن التكوينات الصخرية الموجودة في الفجيرة.

تسعى دولة الإمارات لزيادة قدرة احتجاز الكربون إلى نحو (5) ملايين طن بحلول عام 2030

 وتدعم هذه المشاريع الحالية أو المستقبلية جهود الإمارات لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

 منافع بالجملة... في مقدمتها الجدوى الاقتصادية

 تشير الدراسة إلى أهمية الجدوى الاقتصادية لتطوير تقنيات احتجاز الكربون، بشكل خاص وجهود الإمارات لتحفييز فرص مواجهة التغيرات المناخية عموماً.

وتذكر الدراسة في هذا الصدد تجربة شركة "أدنوك" بحقن الكربون المحتجز ضمن مشروع "الريادة" في بعض آبار النفط لتحسين قدرتها الإنتاجية، وهذا ما حسّن من معدل استرداد التكاليف الرأسمالية للمشروع.

الطريق ما زالت طويلة أمام دول العالم لنشر تقنية احتجاز الكربون في الصناعات المختلفة، ويتطلب ذلك تضافر الجهود الدولية لتعزيز التبادل المعرفي والتقني بين الشركات والحكومات، مع تقديم الحوافز للمشتغلين في الصناعات المختلفة

 كما تُولي دولة الإمارات اهتماماً خاصاً بتوسيع الشراكات والتعاون مع الشركات الدولية للتبادل التكنولوجي والمعرفي بشأن تقنيات المناخ المختلفة وخفض الكربون. وفي هذا الإطار، وقّعت شركة "أدنوك" وشركة "توتال إنيرجيز" الفرنسية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، اتفاقاً للتعاون الاستراتيجي في تكنولوجيا التقاط واستخدام وتخزين الكربون والمشاريع الهادفة لخفض الانبعاثات.

 الإمارات نحو تأسيس نموذج عالمي

 تشير الدراسة إلى إمكانية أن تؤسس المشاريع الإماراتية في مجال احتجاز الكربون نموذجاً يُحتذى به لكل دول المنطقة؛ نظراً لما تحققه من مكاسب مادية واقتصادية تتمثل في تعزيز القيمة المضافة بقطاع الطاقة، وخلق فرص للعمل في أنشطة جديدة مثل الأمونيا والهيدروجين منخفض الكربون.

ويرى تقييم لشركتي "AFRY" و"GaffneyCline"  في دراسة صادرة عنهما في كانون الثاني (يناير) 2022 أنّ الفرص المتاحة لدول مجلس التعاون الخليجي والمرتبطة بتصدير الهيدروجين واستخدام تقنيات احتجاز واستخدام الكربون ستتراوح بين (15) إلى (44) مليار دولار بحلول عام  2050، وذلك بالتوازي مع خلق فرص عمل تتراوح ما بين (87) ألف إلى (245) ألف وظيفة.   

لا يمكن لمعظم الشركات تحمّل الأعباء المالية لتقنية احتجاز الكربون، لذا تقدم بعض الحكومات الحوافز لفاعلين في السوق لتحفيز تبنّيها

 كما تتوقع الدراسة أن تستحوذ الإمارات على الجزء الأكبر من تلك المكاسب، حيث تنخرط الشركات الإماراتية بكثافة في مشاريع مختلفة لزيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق والأمونيا منخفضة الكربون في المستقبل.

 هل تحذو دول العالم حذو الإمارات؟

 باستثناء حالات قليلة من بينها المشاريع في دول الخليج، تتوقع الدراسة ألّا يكون نشر تقنيات احتجاز الكربون يسيراً في باقي مناطق العالم؛ بالنظر إلى انخفاض معدل استرداد التكاليف الرأسمالية لاستخدامها في بعض الصناعات، الأمر الذي قد يضطر الشركات والمستثمرين للإحجام والتراجع عن تنفيذها. وتبدو تكنولوجيا التقاط الكربون فعالة من حيث التكلفة فقط، إذا ما أُعيد استخدام الكربون مرة أخرى، أو بصياغة أخرى خلق سوق للطلب على الكربون المُحتجز.

وتبدو التكاليف الرأسمالية لاستخدام تقنيات احتجاز الكربون مرتفعة حالياً، وهي تتراوح، وفق تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، من نطاق (15) دولاراً للطن من ثاني أكسيد الكربون بالنسبة إلى معالجة الغاز الطبيعي، إلى (120) دولاراً في صناعة الإسمنت، وإذا ما أضفنا عمليات النقل والتخزين، يزيد إجمالي التكاليف بنسبة تتراوح بين 15و20%.    

ولا يمكن لمعظم الشركات تحمّل الأعباء المالية الناجمة عن تقنية احتجاز الكربون، لذا تقدم بعض الحكومات الحوافز لفاعلين في السوق لتحفيز تبنّيها.

فعلى سبيل المثال، يوفر قانون الحد من التضخم الأمريكي لعام 2022 "Inflation Reduction Act"  ائتماناً ضريبياً لتقنية احتجاز الكربون قدرها (85) دولاراً للطن، ممّا يجعل استخدام التقنية تجارياً في بعض المرافق والصناعات. 

وعلاوة على التكاليف الرأسمالية الكبيرة لنقل الكربون، فإنّ تحديد أفضل المواقع لتخزين الكربون من النواحي التجارية والبيئية يتطلب قدراً هائلاً من البيانات والمعلومات الجيولوجية أمام المستثمرين، والتي لن تتوفر إلّا بمساعدة الهيئات الجيولوجية في كل دولة. ويُعدّ توفير تلك البيانات خطوة أساسية لتدشين مشاريع احتجاز الكربون في مختلف الدول.

 وختاماً تقول الدراسة: إنّ الطريق ما زالت طويلة أمام دول العالم لنشر تقنية احتجاز الكربون في الصناعات المختلفة، ويتطلب ذلك تضافر الجهود الدولية لتعزيز التبادل المعرفي والتقني بين الشركات والحكومات، مع تقديم الحوافز للمشتغلين في الصناعات المختلفة، وهذا ما سيحقق وفورات في التكاليف، ويسمح بتطوير تقنية أكثر كفاءة اقتصادياً، وتقليل مخاطر استخدامها.

ويؤشر المستقبل إلى وجود اتجاه متزايد لاستخدام شركات الطاقة والمصنعين لتقنيات خفض الكربون، بالرغم من أنّ هذا لن يكون سهلاً وسيتطلب فترة زمنية طويلة، لكن مع اتخاذ مزيد من الخطوات نحو تعزيز التبادل المعرفي الدولي، ودعم الاستثمارات وخلق أسواق للطلب؛ ستتحقق عناصر نجاح نشر تقنيات خفض الكربون في العالم، ومنطقة الخليج، ودولة الإمارات على وجه خاص.

مواضيع ذات صلة:

هكذا يعزز الدور الإماراتي العمل المناخي الدولي

مؤتمر المناخ في شرم الشيخ: أفريقيا الأقل انبعاثات والأكثر ضرراً

أوروبا على صفيح ساخن... حيرة بين خطط المناخ وتأمين إمدادات الطاقة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية