كوميديا "الإخوان" في ذكرى الثورة!

كوميديا "الإخوان" في ذكرى الثورة!

كوميديا "الإخوان" في ذكرى الثورة!


04/07/2023

محمد صلاح

اختلطت احتفالات المصريين بعيد الأضحى، مع احتفائهم بمرور عشر سنوات على ثورة 30 حزيران (يونيو) التي أطاحت حكم تنظيم "الإخوان" الإرهابي لبلدهم. مرّت الذكرى من دون مظاهر للاعتراض أو الاحتجاج على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، على رغم ضجيج منصّات تنظيم "الإخوان" ومعها مواقع وصفحات لأشخاص وجهات تمتطيهم الجماعة، للترويج لصورة ذهنية، مفادها أنّ الشعب المصري يعيش أتعس سنواته، لأنّ "الإخوان" غادروا الحكم ونُزعت عنهم السلطة!

اللافت هنا، أنّ المصريين صاروا يتعاطون مع تلك المحاولات بمزيد من السخرية وكثير من الضحك وقليل من الردود، باعتبار أنّ عناصر "الإخوان" وحلفاءهم يعيشون عالماً موازياً غير ذلك الذي يعكسه الواقع الذي لم يشهد تظاهرة واحدة أو اعتصاماً محدوداً أو حتى لافتة تنقل صخب "الإخوان" على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشوارع والحارات والميادين التي ازدحمت بمظاهر البهجة والمحتفلين بالعيد.

أنظر إلى علاقات مصر مع محيطها العربي بعد عشر سنوات من طرد "الإخوان"، وأتذكر كيف تأثرت بشدة بحكم ذلك التنظيم الإرهابي، وخلال فترة تولّي المستشار عدلي منصور حكم البلاد، والتي عُرفت بالفترة الانتقالية. كان على مصر أن تعيد الدفّة الى مسارها الصحيح، لكن الأمر لم يكن سهلاً، ليس فقط نتيجةً للأوضاع الداخلية التي احتاجت أيضاً جهداً كبيراً للتعاطي معها وعلاج أمراضها، وإنما لأنّ فروع التنظيم "الإخواني" في العالم عمدت إلى قطع صلات مصر بالعالم، خصوصاً مع الأشقاء في الدول العربية، ولم تترك المنصّات الإعلامية "الإخوانية" واقعة واحدة أو حادثة عابرة أو موقفاً لمصر في أي مجال، الاّ وحاولت استغلاله للوقيعة بين مصر والدول العربية، كما أنّها سعت أيضاً إلى تحريض المصريين ضدّ الأشقاء العرب عموماً وشعوب الدول التي انحازت إلى خيار الشعب المصري خصوصاً، حتى أنّ لافتات "الإخوان" في اعتصامي رابعة والنهضة لم تخل من عبارات تحريضية، كان الهدف منها ضرب كل تقارب بين مصر والعالم العربي.

إنّ ثورة الشعب المصري ضدّ حكم "الإخوان" لم تكن فقط لأسباب تتعلّق بمحاولاتهم "أخونة" الدولة، والسيطرة على مقدّراتها، وتحقيق أهداف التنظيم الدولي للجماعة، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، وتوقّف خطط ومشروعات التنمية، والاعتداءات التي مارسها عناصر التنظيم ضدّ قوى وأفراد المعارضة وعموم الشعب المصري، وإنما أيضاً اعتراضاً على تحالف "الإخوان" مع جماعات وتنظيمات إرهابية أخرى على حساب فئات الشعب ومستقبل أكبر دولة عربية، علاوة على انهيار منظومة القيم، بعدما عمد التنظيم إلى بث الفتن بين فئات المجتمع وأطيافه، وتغيير الهوية المصرية الراسخة في الوجدان.

صحيحٌ أنّه في علم السياسة لا مجال لتحليل أحداث لم تقع، أو الإجابة عن أسئلة افتراضية، أو تخيّل سيناريوات بديلة لقرارات لم تُتخذ أو سياسات لم تُنفّذ، لكن في التحوّلات الدراماتيكية الكبرى والأحداث المفصلية، تبقى هناك تصوّرات سياسية عن شكل المستقبل وطبيعته، إذا ما لم تصدر قرارات اتُخذت بالفعل، أو جرى تفادي تصرفات خاطئة لم يتمّ تصحيحها.

لو اتخذ الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي مساراً مغايراً للردّ على تحذير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في شأن المخاوف الروسية وعدم الانضمام لحلف الناتو، لكان حال أوكرانيا اليوم مخالفاً لما هي عليه الآن، وتفادى العالم تداعيات ضخمة، وصلت إلى حدّ تغيير خريطة أوروبا. ولو لم يتخّذ صدام حسين قرار غزو الكويت أو تراجع عنه بمجرّد صدور ردود فعل غاضبة من القوى الإقليمية والدولية، لاختفت معضلات وأزمات وتحوّلات سياسية وعسكرية وجغرافية. ولو لم يعتمد أسامة بن لادن خطّة الهجمات على الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لما كان العالم ليشهد مداً وانتشاراً وتسرطناً للجماعات المتأسلمة. ولولا قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات بخروج "الإخوان المسلمين" من السجون، ومنحهم مساحات واسعة من الحرّية لممارسة العمل السياسي والانتشار في المجتمع المصري، ومنه إلى الدول المحيطة، والبعيدة أيضاً، لمجرّد أنّه رأى فيهم معولاً يحارب به خصومه من الناصريين واليساريين، لكان خطر "الإخوان" وضررهم أقل خطراً وتأثيراً. ولو تنبّه الرئيس الراحل حسني مبارك لعواصف الربيع العربي، والمدى الذي يمكن أن يصله غضب الشارع، وتنحّى مبكراً أو لم يخض الانتخابات الرئاسية لفترته الأخيرة، لنجت مصر مبكراً من أهوال طالته هو أيضاً. تلك مجرد نماذج على قرارات وسياسات وتصرفات كان العالم سيتغيّر، لو لم تُتخذ.

بالنسبة لمصر، يبقى صدام تنظيم "الإخوان المسلمين" مع الشعب، والإصرار على البقاء في الحكم رغم الثورة الشعبية والاضطرابات التي تفجّرت في الشوارع والاعتصامات في الميادين، وتجاهل تحذيرات الجيش بتدارك الأخطاء والاستجابة لمطالب الشعب، أموراً أطاحت تعاطف الناس مع "الإخوان"، فدمّرت سمعة التنظيم، وكُشف عن تورّطهم في العنف وتفضيلهم مصالح تنظيمهم على مصالح الوطن وأمنه، وتورّطهم في تحالفات مع جهات معادية لمصر، وتحريضهم القوى الإقليمية والدولية للإضرار بالشعب وتهديد الدولة.

لم يتنبّه قادة التنظيم إلى أنّ الاستقواء بدول أجنبية كفيل بضرب كل تعاطف نالته الجماعة من البسطاء، وأنّ حشد الأنصار في ميداني رابعة العدوية والنهضة، واللعب على أوتار الدعم الخارجي والسعي للثأر من الشعب والجيش ومؤسسات الدولة، أمور ستنقلب عليهم أهوالاً. بكل بساطة، فإنّ سيناريو الأحداث كان سيتغيّر لو استجاب "الإخوان" لنداء الجيش وقبلوا بانتخابات رئاسية مبكرة وحلّ البرلمان وفضّوا اعتصامهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ولم يكشفوا عن تحالفهم مع الجماعات الإرهابية، ولم يرتموا في أحضان دول لها مطامع إقليمية. صحيحٌ أنّهم في حينه كانوا سيخسرون الحكم، لكنهم لم يكونوا ليخسروا جزءاً من الشارع، إذ كانت فئات من الشعب ستظلّ تعيش في وهم نقاء "الإخوان" وطيبتهم وبُعدهم عن الإرهاب.

اختار "الإخوان" السير في طريق دويّ التفجيرات والإرهاب في سيناء، وقنابل الموت في محطات المترو وبين الأشجار وأبراج الكهرباء، والحرائق في الجامعات وبالقرب من مقار المؤسسات وزرع الألغام ونصب الكمائن واصطياد معارضيهم ومنع أي تقدّم ووقف أي تطور، وإفشال كل مشروع جديد.

مرّت ذكرى الثورة وقد أيقن الناس حجم الارتباك الذي يسيطر على "الإخوان"، ويدفع بإعلام الجماعة إلى اختلاق قصص وروايات ومسرحيات وأفلام يسهل كشفها، ودحض المعلومات الواردة فيها أو إظهار حجم الأكاذيب التي جعلت منصّات إعلام التنظيم تظهر أمام الناس وكأنّها تحوّلت إلى مواقع للكوميديا.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية