كيف نفسر ضغط الضرورة ولغة الطوعية في عودة اللاجئين السوريين في الأردن؟

كيف نفسر ضغط الضرورة ولغة الطوعية في عودة اللاجئين السوريين في الأردن؟

كيف نفسر ضغط الضرورة ولغة الطوعية في عودة اللاجئين السوريين في الأردن؟


01/08/2023

اللاجئون السوريون ليسوا الوحيدين في الأردن، لكن خطاب العودة إلى بلادهم ينحاز لهم باستمرار أكثر من غيرهم، لاعتبارات مختلفة، قد وردت بعضها على لسان حكوميين، وبعضها الآخر يمكن استقراؤها من خلال السياق العام للعلاقة بين البلدين الشقيقين والجارين، ففي تصريح لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يمكن استنتاج أنّ جدل الدعم للاجئين وخاصة برنامج الدعم الغذائي التابع للأمم المتحدة، بين الاستمرار والقطع، هو اعتبار رئيسي لاستمرار الاستضافة أو خيار العودة. وقال الصفدي في هذا التصريح الذي جاء في تغريدة عبر تويتر "إنّ توفير حياة كريمة للاجئين مسؤولية عالمية، وليس بلدنا وحده كبلد مضيف، مشدداً على ضرورة أن تعمل الأمم المتحدة لتمكين العودة الطوعية للاجئين، وحتى ذلك الحين يجب أن تحافظ وكالاتها على الدعم الكافي"؛ حيث قصد الحديث المباشر عن الدعم في نفس سياق الحديث عن العودة. ولوح الصفدي باللجوء إلى خيار التنسيق مع دول مضيفة للاجئين لتنسيق استجابة مشتركة - حسب وصفه - لانخفاض مستوى برنامج الدعم أو حتى قطعه.

تشير تصريحات إلى أنّ الاعتبار الاقتصادي هو الأكثر ضغطاً على الأردن في موضوع اللاجئين السوريين، فمنحة بحدود 10 مليارات دولار من قبل الحكومة الأميركية، تقدم للأردن على مدار سبع سنوات حسب تصريحات حول الاتفاقية المشتركة المنظمة للمنحة، سيكون للاجئين نصيب منها مادياً بحدود أكثر من 800 مليون دولار، ومعنوياً بالإشارة إلى أنّ خلف هذه المساعدات تبرز فكرة دعم استقرار المنطقة ودور الأردن الإقليمي سياسياً باعتباره نقطة ارتكاز هادئة ومستقرة في محيط مضطرب، وعسكرياً باتجاه منع تمدد إيران وضد إعادة نمو تنظيم داعش.، وهي بمثابة أسباب غير معلنة للمنح والمساعدات.

تشير تصريحات إلى أنّ الاعتبار الاقتصادي هو الأكثر ضغطاً على الأردن في موضوع اللاجئين السوريين

يدخل الأردن في سياق تنسيقي أردني سوري، وفي عدة مسارات، منها تهريب المخدرات، ومنها اللاجئون، والحديث حول المسار الأخير، يتصاعد بوتيرة عالية منذ أكثر من عام، تحت عنوان العودة الطوعية، لكن عبارة الطوعية، ليست مغرية كثيراً للاجئين السوريين الذين أعادوا إنتاج معيشتهم من جديد، في الأردن، وربما ليست مغرية أيضاً كثيراً للأردن، بالنظر إلى أنه ممكن أن ينحاز لخيار العودة إذا ما توقف برنامج الدعم، دون الالتفات كثيراً إلى مفهوم الطوعية، إذا ما توفر قرار مشترك من خلال اللجنة المشتركة الأردنية السورية، فمفهوم الطوعية يمكن تطويعه أيضاً وتكييفه خطابياً إذا ما استدعى الأمر لذلك. صحيح أنّ الأردن لم ينفذ عملياً حملات لعودة أو إعادة اللاجئين السوريين، لكنه نفذ عمليات طرد وترحيل حقيقية، لأسباب ذات اعتبار رسمي وشعبي أيضاً متعلقة بسلوكيات وأسبقيات جرمية أو لعدم تسجيلهم رسمياً، أو تحت ضغط البطالة والتضخم وقلة الموارد خاصة المائية، وهذه الاعتبارات هي أكثر ما يجعل العلاقة المجتمعية مع اللاجئين محل رفض فالخوف من زيادة نسبة المشاعر العدائية تجعل الجهات الرسمية تتعامل مع قرار العودة بجدية أكبر، وحين تبرز في خلفيات الخطاب الرسمي عبارة من نوع ضرورة عودة اللاجئين لوطنهم، استجابة لتلك الأسباب الحادة، تكون قد حلت محل عبارة العودة الطوعية، لأنه من الصعوبة بمكان الجمع بين خطاب الضرورة ولغة الطوعية.

عبارة طوعية العودة ليست مغرية أيضاً كثيراً للأردن بالنظر إلى أنه ممكن أن ينحاز لخيار العودة إذا ما توقف برنامج الدعم، دون الالتفات كثيراً إلى مفهوم الطوعية

 

يقول تقرير لوكالة "اسوشيتد برس"، ترجمته "الحرة"، إنّ الأردن لديه إصرار على العودة المشروطة بالطوعية، لكنّه لفت أيضاً إلى أنّ هذه العودة ضرورية، مما يعني أنّ الضرورة بإمكانها أن تلغي أية شروط.

وسياسياً أيضاً، تبنّت الأردن في وقت مبكر مبادرة في سياق محادثات لإنهاء عزلة سوريا وتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهذا بدوره قد يشكل حافزاً لإعادة اللاجئين السوريين، إلا أنّ قراءة مختلفة ومقلقة للكاتب ماهر أبو طير، نشرت في تقرير لـ "إندبندنت عربية"، اعتبر فيها أبو طير أنّ الأردن "قد هيأ نفسه لحقيقة مفادها أنّ غالبية اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى بلدهم، وأن المملكة تحولت إلى حاضنة للسوريين السنّة، وتحديداً من مناطق جنوب سوريا ودمشق وحمص، ويرى أن دمشق هي المستفيد الأول والأخير من بقاء ملايين السوريين خارج البلاد لصالح خريطة مذهبية اجتماعية جديدة"، لكنّ هذه القراءة صوتها خافت، مقارنة مع صوت العودة، خاصة أنّ اللاجئين السوريين في الأردن معظمهم من مناطق الجنوب السوري بطابعه المذهبي الواحد، وأية محاصصة مذهبية - على افتراض صدقية وموضوعية القراءة - لن تكون مسألة حاسمة في ملف العودة أو عدم العودة أو حتى التباطؤ في العودة.

أبو طير: "دمشق المستفيد الأول والأخير من بقاء ملايين السوريين خارج البلاد لصالح خريطة مذهبية اجتماعية جديدة"

يعتبر الأردن أنّ استضافة أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري من أصل 5.2 مليون في دول المنطقة والجوار، ذات كلفة اقتصادية في ظل تخفيض الدعم المالي للاجئين وانخفاض الدعم الغذائي العالمي، وذات كلفة سياسية في ظل علاقات ثنائية بدأت تتسم بالاستجابة المرنة لخيارات كل طرف، وهو ما يجعل من ملف العودة يحتاج إلى شوط طويل ربما من التقديم والتمهيد والتنسيق والاستثمار، الأمر الذي قد يعني أنّ التصعيد في لغة العودة بين الضرورة والطوعية تكتيك دبلوماسي لتنسيق سياسي وأمني وعسكري بين الأردن وسوريا والإقليم والمجتمع الدولي وحتى المنظمات الأممية وأهمها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، باعتبارهم جميعاً أطرافاً مهمة في معادلة قضية اللاجئين.

مواضيع ذات صلة:

وسط قلق حقوقي... أردوغان يخطط لترحيل مليون لاجئ سوري

السلطات العراقية تضيق الخناق على اللاجئين السوريين... ما الجديد؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية