كيف نقرأ تداعيات زيارة الوفد الرسمي الأمريكي لتونس؟

كيف نقرأ تداعيات زيارة الوفد الرسمي الأمريكي لتونس؟


18/08/2021

استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، مساء الجمعة الماضي، الثالث عشر من آب (أغسطس) الجاري بقصر قرطاج، وفداً رسميّاً أمريكيّاً، برئاسة جوناثان فينر، مساعد مستشار الأمن القومي، الذي حمل رسالة خطية من الرئيس الأمريكي جو بايدن.

تأتي الزيارة بعد مضيّ قرابة العشرين يوماً، من قرارات 25 تموز (يوليو) الماضي، وقعت خلالها عدة اتصالات هاتفية من مسؤولي وزارة الخارجية والأمن القومي، مع  الرئيس التونسي، تطرقا فيها إلى النقاش حول القرارات وطبيعتها، وحثت الإدارة الأمريكية على دعم المسار الديمقراطي في تونس، واللافت أنّ رد الفعل الأمريكي خلال هذه الفترة، اتسم بالموافقة الضمنية على قرارات قصر قرطاج.

اعتراف ضمني بثورة التصحيح

وبحسب بيان الرئاسة التونسيّة، أشار الرئيس قس سعيّد، خلال هذا اللقاء، إلى أنّ التدابير الاستثنائية التي تم إتخاذها، تندرج في إطار تطبيق الدستور، وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لا سيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستشراء الفساد والرشوة.

وتابع سعيّد، محذراً من محاولات البعض بث شائعات، وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس، مبيناً، أنّه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية، التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأمريكي.

ولفت الرئيس إلى أنّه تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله، ولن يقبل بالظلم أو التعدي على الحقوق، أو الارتداد عليها، مؤكّداً على أنّ تونس ستظل بلداً معتدلاً ومنفتحاً، ومتشبثاً بشراكاته الاستراتيجية مع أصدقائه التاريخيّين.

أسماء ريحان: يجب أن يفهم الدور العربي إزاء تونس  في إطار سياق دولي متغير يراهن على التعددية القطبية أمام تراجع تمدد النفوذ الأمريكي في العالم

ومن جانبه، أشار السيّد جوناثان فينر، إلى أنّ الرئيس الأمريكي يتابع تطورات الأوضاع في تونس، وهو يكنّ كل الاحترام لتونس ولرئيسها. وأشار إلى أنّ الإدارة الأمريكية تعلم حجم ونوعية التحديات التي تواجهها تونس، خاصّة الاقتصادية والصحيّة.

كما أكّد مساعد مستشار الأمن القومي الأمريكي، على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية متمسّكة بصداقتها الاستراتيجية مع تونس، وتدعم المسار الديمقراطي فيها، وتتطلّع إلى الخطوات المقبلة، التي سيتخذها رئيس الجمهورية على المستويين؛ الحكومي والسياسي.

وربما ساهمت الخلفيّة التاريخيّة التي كرستها سنوات العقد الماضي في الشرق الأوسط، كنتيجة مباشرة لثورات العام 2011، إلى تكوين نقاط استراتيجية لدوائر الفكر والقرار داخل البيت الأبيض، إزاء أحداث تونس الأخيرة، ما جعل  حركة النهضة تفشل في تمرير قناعاتها نحو الإدارة الأمريكية، إلى الحد الذي جاء معه رد فعل واشنطن، وقد اكتسب كل ملامح وسمات الموافقة الضمنيّة على قرارات سعيّد، ما يفسر بشكل واضح سلسلة البيانات المتعاقبة، التي صدرت عن حركة النهضة، والتي أعلنت فيها تراجعها الكامل عن وصف أحداث 25 تموز (يوليو) بأنّها انقلاب، وكذا تصريحها المباشر بالاستعداد الكامل للتفاوض، والدخول في أيّ صيغة توافقية مع الرئاسة.

كشف أكاذيب حركة النهضة

من خلال ذلك، تذهب الكاتبة الصحفية التونسيّة المختصة في الشأن الدولي، أسماء ريحان، إلى التأكيد على أنّه بعد قرارات الرئيس سعيّد، سعت حركة النهضة إلى قلب الحقائق، وإقناع الأطراف الدولية، خصوصاً حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة الامريكية، بأنّ ما يحدث في تونس هو "انقلاب على الشرعية"، غير أنّ الزيارة الرسميّة الأخيرة التي نفذها الوفد الرسمي الأمريكي، نهاية الأسبوع الماضي، تأكد معها مرة أخرى، توجهات البراغماتية الأمريكية، إزاء ما يحدث في الداخل التونسي.

وتلفت ريحان، في تصريحاتها لـ "حفريات"، إلى أنّ مضمون بيان البيت الأبيض، حول لقاء الوفد الأمريكي مع الرئيس سعيّد، يبين مرحلة الحسم التي اتسم بها الموقف الرسمي الأمريكي، الذي راهن  على أنّ رئيس الجمهورية، يجب أن يباشر قضية تعيين رئيس حكومة جديد، في أسرع الآجال، وأنّ الفرصة التي أتيحت له لتنفيذ التدابير الاستثنائية، بدأت تتلاشى.

هذا الضغط الأمريكي، وفق ريحان، يفهم من خلال خطوات إدارة بايدن، الرامية إلى الدفع بأمن تونس ودول الجوار؛ كليبيا والجزائر، تجاه التهدئة والاستقرار، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية والأمنية في منطقة شمال أفريقيا، وأنّ الإدارة الأمريكية تتعامل مع المستجدات في تونس، كأمر واقع يعبر عن تطلعات الشعب التونسي أولاً، ويبرهن عن اقتناع أمريكي بنهاية حقبة حكم النهضة (الإسلام السياسي) وشركائها، الذين فشلوا في إدارة شؤون البلاد، على مدار العقد الماضي، حيث أخفقوا في تحرير الاقتصاد، وإصلاح المؤسسات العموميّة، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، بل كرسوا لاقتصاد الريع والمافيا والفساد، وما يهم الولايات المتحدة، وإن كان دورها محدوداً مقارنة مع بداية "الربيع العربي"، هو تحجيم مكانة الإسلام السياسي في تونس (لم يعد حليفاً وراعياً أساسيّاً لمصالحها)  والاقتصار على دور مراقبة تطور الوضع، والحرص على مواصلة دعم المسار الديمقراطي.

 وتتابع ريحان، حديثها لتشير إلى الدور العربي، الذي منح دعماً لافتاً خلال هذه الفترة الاستثنائية، عبر ما سمي بديبلوماسية التلاقي؛ إذ كان دور السعودية والإمارات ومصر، محدداً أساسيّاً في المسار الحالي، وداعماً للقيادة التونسيّة، التي تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى، إلى قوى تدرك أهمية المحافظة على الأمن الحيوي للدول العربية، وتسعى لتأمين مستقبل مسارها الاقتصادي والسياسي، دون التدخل في الشأن الداخلي؛ لأنّ الشعب يبقى سيد نفسه، وحامي مكتسباته.

وتقول ريحان "يجب أن يفهم الدور العربي إزاء تونس،  في إطار سياق دولي متغير؛ يراهن على التعددية القطبية، أمام تراجع تمدد النفوذ الأمريكي في العالم".

من جهته، يذهب الأكاديمي التونسي رافع الطبيب، إلى أنّه رغم أنّ زيارة الوفد الأمريكي لتونس، حظيت باهتمام كبير من طرف المجتمع السياسي والإعلامي، غير أنّ الشارع التونسي لم يعر أيّ قيمة لها، نظراً لتركيز طيف كبير من الشباب على الحملة المكثفة للتلقيح ضد جائحة كورونا.

رافع الطبيب: الأموال الطائلة التي تدفع بها النهضة للشركات الأمريكية والبريطانية، في إطار عقود "اللوبينغ" لم تؤد إلا إلى المزيد من تجذير المواقف المناهضة للإخوان

 ويلفت الطبيب، المختص في الشؤون الجيوسياسية، إلى أنّ المتابع للتفاعلات، يلحظ مدى تركيز الإخوان وحلفائهم على الدور الضاغط لأمريكا، وإكثارهم الحديث عن قدرة الوفد الأمريكي على رد الرئيس عن خطواته، والتي استجابت للحراك الشعبي الواسع يوم 25 تموز (يوليو)، ومن أهمها تجميد البرلمان، وملاحقة الفاسدين، وتعطيل أهم رافعات الهيمنة الإخوانية على العمل السياسي في العشرية المنقضية، ومن أبرزها التحكم في المعطيات الشخصية، والتنصت على المواطنين، حيث تستطيع ملاحظة انتشار المعلومات المضللة على شبكة الفيسبوك، عبر صفحات الإخوان والتي تشير إلى "امكانية اعتماد عقوبات" أمريكية؛ لفرض عودة  البرلمان المجمد.

كما يسعى بعض قيادات الإخوان، في مناورة معهودة منهم، إلى الترويج لأطروحات المراجعة، والاعتراف بالمسؤولية ولو جزئيّاً، عن الوضعية الكارثية للبلاد، بعد سنوات العقد الماضي، لاضطلاعهم بالحكم؛ وذلك كرسالة للوفد الأمريكي، الذي لا يجهل مدى تورط الإخوان في استشراء الفساد، والتسبب في الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

ثمة نقطة أخرى بجب الانتباه إليها، يشير اليها رافع الطبيب، في تصريحه لـ"حفريات"، وهي المقابلات التي جرت في تونس، بين عدد من أعضاء وقيادات النهضة، داخل السفارات الأجنبية، حيث اعتبر الكثيرون أنّ مثل هذه اللقاءات، تكشف مدى انخراط جزء من "المجتمع المدني"، في أجندات خارجية.

ويختتم الأكاديمي التونسي، تصريحاته، قائلاً: "ما يمكن الإقرار به؛ كنتيجة سياسيّة لزيارة الوفد الأمريكي؛ هو بروز اصطفاف عميق داخل المجتمع، بين الطيف الأوسع من رافعي شعار التمسك بالسيادة من جهة، والإخوان وبعض المنظمات الممولة من الخارج، والتي تدعو، بل وتؤسس لتدخل مباشر للقوى الغربية في ترتيب البيت الداخلي، من جهة أخرى"، لافتاً إلى أنّ "الأموال الطائلة التي تدفع بها النهضة للشركات الأمريكية والبريطانية، في إطار عقود "اللوبينغ"، لم تؤد إلا إلى المزيد من تجذير المواقف المناهضة للإخوان، على خلفية  أنّ البلاد تعيش أسوأ أزماتها المالية، وتجد الكثير من الصعوبات؛ لتوفير العملة الصعبة؛ لشراء التلاقيح، في حين تُصرف الأموال الطائلة لتشويه الوقائع في تونس من طرف الإخوان".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية