كيف يمكن للأدب والفنون وقاية الشباب من التشدد الديني؟

كيف يمكن للأدب والفنون وقاية الشباب من التشدد الديني؟

كيف يمكن للأدب والفنون وقاية الشباب من التشدد الديني؟


10/05/2023

لم تعد المقاربة الأمنية كافية لمواجهة واستئصال “الظاهرة الإرهابية” وامتدادات التطرف الديني في عالم مضطرب كثير الحركة، وكثير المنافذ التي تتشرب منها عقول الشباب الأفكار الهدامة والمضلِّلة، فكان الرهان بالنسبة إلى العديد من المجتمعات على وسائل أخرى قد تُسهم في هدف وقاية هذه الفئة من التطرف والإرهاب.

وعدا التركيز على التعليم كأحد أبرز المفاتيح التي يمكن أن تفتح عقول الشباب على عوالم جديدة تبعده عن التطرف بشتى أنواعه، فإن الرهان أيضاً مطروحٌ على الأدب والفنون والثقافة والمعرفة لتلعب دور “صمام الأمان” أمام أي انحرافات أيديولوجية أو فكرية قد تخرب عقول الشباب.

ويرى أدباء ومثقفون مغاربة أن الأدب والفنون لهما من القدرة ما يمكنهما من تعزيز القيم الإنسانية الأساسية؛ مثل العدالة والمساواة والحرية والتسامح ونشر الوعي الفكري، وإعمال النقد الذاتي وتعزيز الهوية الثقافية وتكريس التعايش السلمي، بدلاً من الركون أمام عقلية الحفظ والجمود وتقديس الآراء ورفض إعمال العمل النقدي في ما يتعين نقده لتطويره وتحسينه.

وقاية للشباب من التشدد

يعلق عبده حقي، كاتب وإعلامي مغربي ورئيس لجنة الإنترنت والعلاقات الرقمية باتحاد كتاب الإنترنت العرب، على الموضوع بالقول: “إن معظم التحقيقات والتحريات التي باشرتها المصالح الأمنية في الوطن العربي، أثبتت أن منفذي العمليات الإرهابية كلهم من الشباب الأميين الذين لم يتلقوا تعليماً نظامياً متدرجاً في جميع المستويات المتوسطة أو العليا، وأن كل الإرهابيين متشبعون بأفكار متطرفة معادية للحداثة والتحديث ومختلف تجلياتها الفنية والأدبية والجمالية”.

ويستدل حقي بمثالَين على ذلك؛ الأول حركة “طالبان” التي منعت الفتيات من ولوج المدارس وأغلقت جميع النوادي الثقافية ودور السينما، والمثال الثاني ذلك الشاب المصري الذي حاول قتل الروائي العربي والعالمي نجيب محفوظ، بدعوى أن روايته “أولاد حارتنا” تدعو إلى العلمانية والكفر، علماً بأنه خلال التحقيقات اعترف هذا الشاب أنه لم يقرأ الرواية وليست له أية فكرة عن أهدافها الفكرية والأدبية والسردية.

وتابع الأديب المغربي: “أكدت العديد من التجارب والدراسات التي أنجزها خبراء ومنظرو علم النفس الجمالي عبر التاريخ، وفي الدول الغربية على الخصوص، أن الأدب والفنون يمكن أن يلعبا دوراً مهماً في العلاج النفسي ووقاية الشباب من تيارات التشدد والتطرف الديني والفكر الإرهابي، في العالم العربي على الخصوص”.

 تعزيز القيم الإنسانية

وسرد عبده حقي أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك؛ منها تعزيز الثقافة العامة، حيث يجب توفير الفرص للشباب للاطلاع على المصادر الثقافية المتنوعة؛ بما في ذلك الأدب والفنون، من خلال المناهج التربوية الحديثة في المدارس والجامعات والمكتبات والمؤسسات الثقافية.

وأضاف حقي قائلاً: “يمكن للأدب والفنون أن يساعدا في تعزيز القيم الإنسانية الأساسية؛ مثل العدالة والمساواة والحرية والتسامح ونشر الوعي حول المشكلات الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمعات العربية”.

وأكمل الكاتب المغربي بأن هذا المعطى بدوره يمكن أن يساعد في تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع، وتحفيز الشباب على التفكير النقدي والنقد الذاتي والبحث عن الحقيقة خلف الظواهر المتعددة التي يشهدها المجتمع، وتشجيعهم على الإبداع والتعبير الفني وتعزيز قدراتهم الإبداعية عبر التكوين في المؤسسات التعليمية والمعاهد الفنية المتخصصة في  فنون التشكيل والموسيقى والمسرح والسينما، ومن شأن ذلك أن يعزز التعايش السلمي بين الأفراد والمجتمعات العربية والعالمية، وذلك من خلال إبراز القيم الإنسانية المشتركة بين الثقافات المختلفة.

وذهب حقي إلى أنه “بشكل عام يمكن للأدب والفنون أن يُسهما بقوة في وقاية الشباب من تيارات التشدد والتطرف الديني والفكر الإرهابي في العالم العربي، عبر تعزيز دور المثاقفة بين الشمال والجنوب، وتعميم الثقافة العامة والقيم الإنسانية، ونشر الوعي وتحفيز الشباب على التفكير النقدي والتعبير الفني وتعزيز التعايش السلمي وتعزيز الهوية الثقافية”.

نسبية المعرفة

من جهته، يرى مصطفى لغتيري، أديب وروائي مغربي، في تعليق لـ”كيوبوست”، أن الميزة الأساسية للأدب تتجلى في إيمانه العميق بنسبية المعرفة، بعيداً عن التعصب لرأي ما أو فكرة مهما كانت قوتها، مورداً أن “النص الأدبي كما هو معلوم قابلٌ لتعدد القراءات والفهم والتأويل، ومن ثم فلا حقيقة مطلقة يؤمن بها منتج الأدب، أو متلقيه؛ سواء أكان ناقداً متخصصاً أم قارئاً عادياً”.

واستطرد لغتيري: “تعد هذه الميزة اللبنة الأولى في بناء صرح شامخ؛ هو بالتأكيد ضد التطرف بشتى أنواعه، دينياً كان أم عرقياً أم لغوياً”، قبل أن يؤكد أن “النص الأدبي؛ وخصوصاً القصصي والروائي والمسرحي كذلك، يجعل القارئ أمام شخصيات مختلفة؛ كل منها تقدم وجهة نظر معينة، مما يسمى تعدد الأصوات. وكلما تنوعت واختلفت، حاز النص الأدبي قدراً من الدرامية ضالة المبدعين”.

وبالتالي، يكمل لغتيري، النص الأدبي ينتصر للاختلاف وقبول الآخر مهما كانت هويته، فضلاً عن احتفاء النص بتعدد اللغات؛ فداخل نص معين قد نجد خليطاً من اللغات حسب طبيعة الشخصيات الموظفة داخل النص، وهذا يخلق “بلوفينية” محبذة؛ وهي في أحد مستويات التأويل ضد الشوفينية والدوغمائية وهيمنة الرأي الوحيد.

حمَّال قيم

وتابع الأديب المغربي شارحاً فكرته بالقول: “إذا تحدثنا عن المضامين؛ فالأدب حمَّال قيم، فلا يمكن تصور نص أدبي دون أن يستبطن رسالة يمررها للمتلقي، قد تكون رسالة جمالية فنية، أو عبارة عن قيم معينة، تكون في أغلبها قيماً إنسانية، تنتصر للحرية والديمقراطية وقبول الاختلاف واحترام المرأة”.

ووفقاً للغتيري “هذا ما يجعل الأدب نقيضاً للتطرف الديني؛ فهذا الأخير يسعى دائماً إلى خنق الحريات الجماعية والفردية، ويدعو إلى الصراع في ما بين الأديان”.

وزاد المتحدث بأن التطرف الديني والفكر المتشدد يحطَّان من قيمة المرأة، وينظران إليها في الغالب الأعم كأداة للمتعة ولتفريخ الأبناء؛ بدل أن يعتبرها كائناً قائم الذات، قادراً على بناء حاضره ومستقبله دون وصاية من أحد.

وخلص مؤلف “أسلاك شائكة” و”رجال وكلاب” وروايات عديدة أخرى، إلى أنه “من هذا المنطلق يصبح الأدب حصناً للأفراد والمجتمع ضد التطرف الديني، الذي لا يعدم وسيلة للتعبير عن نفسه وبطرق قد لا تخطر على بال”، على حد قول لغتيري.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية