لا أحد ينتصر في السودان.. صراع عبثي يلتهم الأخضر واليابس

لا أحد ينتصر في السودان.. صراع عبثي يلتهم الأخضر واليابس

لا أحد ينتصر في السودان.. صراع عبثي يلتهم الأخضر واليابس


12/09/2023

بعد (4) أشهر من الصراع الدامي في السودان، لا يبدو أنّ أحد الفريقين المتناحرين لديه القدرة على حسم الصراع، بينما يدفع أبناء السودان وحدهم الثمن الباهظ، في صراع عبثي من أجل السيطرة على بقايا وطن.

من جهته، وثّق موقع (ACLED) للإحصائيات المتعلقة بمناطق الصراعات والحروب ما يقرب من (7500) حالة وفاة في السودان، منذ اندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

التقرير الأخير للموقع يغطي الفترة من 5 آب (أغسطس) الماضي، إلى 1 أيلول (سبتمبر) الجاري، حيث تمّ الإبلاغ عن أكثر من (470) حادث عنف سياسي، مع أكثر من (2280) حالة وفاة. وكانت ولاية الخرطوم مسرحاً لقتال عنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع؛ من أجل السيطرة على قاعدة المدرعات وجسر شمبات. وفي الوقت نفسه تصاعد العنف العرقي في ولاية جنوب دارفور، التي شهدت مستويات متزايدة من العمليات العسكرية.

ما تزال ولاية الخرطوم تشهد أكبر عدد من أحداث العنف والوفيات المسجلة، وقد شهدت العاصمة نحو (300) حادثة نتج عنها مقتل (1400) من السودانيين، خلال الفترة المشمولة بالتقرير، تليها ولاية جنوب دارفور، حيث وقع ما يقرب من (40) حادث عنف، وأكثر من (380) حالة وفاة. وأدّى القتال بين الميليشيات العرقية المختلفة، في مواقع متعددة في جنوب دارفور، بحسب (ACLED)، إلى تزايد وتيرة أعمال النهب والقتل، ممّا تسبب في مقتل المئات.

نزوح جماعي غير مسبوق

نزح إلى الآن ما لا يقلّ عن (7.1) ملايين شخص، بما في ذلك ما يقدّر بنحو (3.3) ملايين طفل من منازلهم في جميع أنحاء السودان، وهو العدد الذي تضاعف تقريباً منذ أن انفجار الصراع المدمر.

ما تزال ولاية الخرطوم تشهد أكبر عدد من أحداث العنف والوفيات المسجلة

وأصبح عدد النازحين في السودان يفوق مثيله في البلدان الأخرى، التي مزقتها الحروب، والتي تشهد نزوحاً داخلياً، حيث بات السودان في المرتبة الأولى، يليه في الترتيب: سوريا (6.6) ملايين شخص، وجمهورية الكونغو الديمقراطية (6.1) ملايين شخص، وأوكرانيا (5.1) ملاين شخص.

ملايين الأسر الهاربة من جحيم الحرب لجأت إلى المدارس والمخيمات، وفي بعض الحالات التحف السودانيون العراء، بحثاً عن الأمان.

قبل النزاع، كان هناك حوالي (3.2) ملايين نازح بالفعل في السودان، بالإضافة إلى (1.1) مليون لاجئ كانوا يعيشون في السودان. ويواجه الآن العديد من المجتمعات التي تصل إليها الأسر النازحة حديثاً تحديات صعبة؛ نتيجة للأزمات القائمة، في ظل إرهاق وارتباك قطاع الخدمات الأساسية.

تمّ الإبلاغ عن مقتل ما لا يقلّ عن (435) طفلاً في الصراع الدائر في البلاد، ووفاة (498) آخرين بسبب الجوع

 

وبحسب المنظمة الدولية لإنقاذ الطفولة، "يحتاج ملايين الأطفال والأسر النازحة في السودان إلى المساعدة العاجلة. ولفت الدكتور عارف نور، المدير القطري للمنظمة في السودان، إلى أنّ أولئك الأطفال بحاجة فورية "إلى الغذاء والماء والمأوى والملبس والأدوية. علاوة على ذلك، فهم بحاجة إلى الدعم النفسي؛ لمساعدتهم في التغلب على الضغط الشديد الذي يتعرضون له". مضيفاً: "ملايين الأطفال يواصلون النزوح والهرب منذ (4) أشهر، وقد فقدوا أفراداً من عائلاتهم، وشاهدوا منازلهم ومدارسهم، وهي الأماكن التي كانوا يشعرون فيها بأمان ذات يوم، تتحول إلى أنقاض".

منظمة إنقاذ الطفولة قالت إنّه تمّ الإبلاغ عن مقتل ما لا يقلّ عن (435) طفلاً في الصراع الدائر في البلاد، ووفاة (498) آخرين بسبب الجوع، وأشارت إلى أنّ هذه الأرقام أقلّ بكثير من الواقع، ومن المرجح أن تكون الحصيلة الحقيقية أعلى من ذلك بشكل مأساوي.

الخرطوم بؤرة قتال دموي

تتركز حالياً الأعمال العسكرية حول المواقع الاستراتيجية في الخرطوم، وكذلك في مناطق جنوب ووسط دارفور. وبحسب موقع (ACLED)، يتسابق كلا الطرفين لتأمين المواقع العسكرية الرئيسية، مع تحصين الدفاعات منذ المراحل الأولى من الحرب.

وفي آب (أغسطس) الماضي أطلق كل فريق عدة عمليات هجومية استراتيجية، استهدفت معاقل الطرف الآخر. وبينما تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على أجزاء كبيرة من الخرطوم ونيالا وزالنجي، اعتمدت القوات المسلحة السودانية على الغارات الجوية، التي ألحقت أضراراً كبيرة بمنشآت قوات الدعم السريع، ومستودعات الأسلحة الخاصّة بها، بالتزامن مع الاشتباكات العنيفة التي تهدف إلى السيطرة على القواعد والجسور، وطرق الإمداد الحيوية في الخرطوم ودارفور.

نزح إلى الآن ما لا يقلّ عن (7.1) ملايين شخص

ومنذ آب (أغسطس) الماضي تشهد مناطق الخرطوم الحضرية الـ (3) جولات دامية من القتال العنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وقد تركز هذا التصعيد بشكل خاص في المناطق السكنية المتاخمة لقاعدة المدرعات التابعة للقوات المسلحة السودانية في الخرطوم، وكذلك أحياء أم درمان القديمة المحيطة بجسر شمبات.

جدير بالذكر أنّ السيطرة على الطرق الرئيسية تؤثر بشكل كبير على الديناميكيات والاعتبارات الاستراتيجية لكلا الطرفين، خاصّة فيما يتعلق بمسرح الصراع في الخرطوم. ويُعدّ جسر شمبات، على سبيل المثال، موقعاً رئيسياً؛ نظراً لدوره المحوري باعتباره الممر الوحيد لحركة قوات الدعم السريع لنقل معداتها عبر نهر النيل من أم درمان إلى الخرطوم عبر بحري. وتسيطر قوات الدعم السريع على طرفي الجسر الحيوي، وبالتالي تمتلك أفضلية استراتيجية كبيرة.

يُعدّ جسر شمبات موقعاً رئيسياً؛ نظراً لدوره المحوري باعتباره الممر الوحيد لحركة قوات الدعم السريع لنقل معداتها عبر نهر النيل من أم درمان إلى الخرطوم عبر بحري

 

وحالياً، يتم توجيه التعزيزات اللازمة لقوات الدعم السريع، في الغالب، من منطقتي دارفور وكردفان، إلى أم درمان عبر طريق بارا، نظراً لأنّ الطريق البديلة التي تربط بين كوستي وجبل الأولياء، تقع حالياً تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية.

دارفور في قلب الجحيم

يمكن القول إنّ الوضع في دارفور أصبح معقداً ومركّباً، في ظل انتشار المجموعات المسلحة التابعة لميليشيات عرقية مختلفة، فضلاً عن انتشار الجماعات المسلحة (اللجان الشعبية) لحماية المدنيين.

وبحسب تقارير دولية، فرّ أكثر من مليوني شخص من سكان دارفور من منازلهم، خلال الأشهر الماضية، مع اندلاع الصراع في السودان عبر المنطقة الواقعة في أقصى غرب البلاد، في ظل استمرار أعمال عنف عرقية، وأعمال نهب واسعة النطاق.

المأساة الحقيقية تجلّت في مخيمات أهالي دارفور الذين نزحوا قبل فترة طويلة من بدء الحرب الحالية، والذين ظلّوا في مخيمات لا تتوفر فيها حالياً أيّ مساعدات إنسانية.

من جهته، قال آدم ريجال، المتحدث باسم النازحين واللاجئين في دارفور، لموقع (The New Humanitarian): إنّ "الوظائف اليومية، والأعمال الروتينية التي كان يقوم بها النازحون، توقفت تماماً"، مضيفاً: "ستكون هناك مجاعة، وهذا ما يخشاه مجتمع اللاجئين".

الوضع في دارفور أصبح معقداً ومركّباً

ويعيش أكثر من (1.5) مليون من سكان دارفور في مخيمات للّاجئين منذ عقود، وينتمي معظمهم إلى المجتمعات غير العربية التي تم استهدافها من قبل الجيش وميليشيا الجنجويد، في أعقاب الانتفاضة التي قامت بها الجماعات المتمردة غير العربية، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.

ولم يتلقَّ النازحون أيّ مساعدات منذ اندلاع النزاع الحالي، حيث علّقت وكالات الإغاثة أنشطتها هناك، كما تواجه المراكز الصحية والمدارس التي تدعمها منظمات الإغاثة الدولية صعوبات في العمل في المخيمات، التي تمّ بناء الكثير منها على أطراف المدن الرئيسية في دارفور، وتحولت مع الوقت إلى أحياء هامشية شديدة الفقر.

سكان هذه المناطق وقعوا بين شقي الرحى، وهم يتعرضون لأعمال القتل على الهوية كلّ يوم، كما أحالت نيران المدفعية والغارات الجوية التي يشنها الجيش حياتهم إلى جحيم، وتعرضت مخيماتهم في الأسابيع الأخيرة لقذائف طائشة أودت بحياة العشرات منهم، كما أدت إلى وقوع العديد من الإصابات.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية