لا أفق لمصالحة سورية – تركية

لا أفق لمصالحة سورية – تركية

لا أفق لمصالحة سورية – تركية


29/12/2022

خيرالله خيرالله

تروج دمشق عبر محلليها ومسؤوليها ان الرئيس رجب طيب اردوغان مستميت لمصالحة بشار الأسد وان المستقبل السياسي لاردوغان وتركيا، كدولة، مرتبطان بتنازل بشار الاسد وقبوله عقد لقاء مع الرئيس التركي. 

ثمة أمور في حاجة إلى إيضاح بعيدا عن المبالغات. سياسيا، سيفرض الصلح مع انقرة على النظام السوري الإعلان رسميا الاعتراف باتفاق اضنة الذي علم الشعب السوري بوجوده عن طريق الإعلام الخارجي. بناء عليه، سيضطر نظام بشّار الأسد إلى الاعلان رسميا امام "جمهوره" ان "القائد الخالد"، على العكس مما يروج له، تخلى رسميا منذ سنوات طويلة عن لواء الاسكندرون لـ"المحتل التركي". كيف ستبرر دمشق ادعاءات تحرير كل شبر من الاراضي السورية من الاحتلال التركي، ودمشق محكومة من قبل النظام نفسه الذي تخلى عن تلك الاراضي بموجب اتفاق وقعه من أجل وقف تهديد الاجتياح التركي لشمال سوريا في العام 1998 في ظلّ وضع جيوسياسي شبيه بوضع قائم اليوم. 

في احسن الحالات، سيفرض تجديد اتفاق اضنة الحق المعطى للجيش التركي بدخول الأراضي السورية بعمق 30 إلى 35 كلم لملاحقة "ارهابيي" حزب العمل الكردستاني. بكلام آخر، سيتخلى النظام رسميا عن اراض سورية جديدة من خلال صراعه المستميت للبقاء على كرسي الحكم في دمشق. يأتي ذلك، في وقت يوجد الجيش التركي حاليا، عبر المعارضة السورية في الشمال السوري في العمق المطلوب من تركيا.

لا يختلف عاقلان على أنّ الرئيس التركي اطماعا واهدافا سياسية شخصية تتمثل في دخول اللعبة السياسية الدوليّة. لذلك نراه يتوسط بين روسيا والغرب في اوكرانيا. 

يبدو الحل السياسي للازمة السورية المستمرة منذ احد عشر عاما احد تلك المداخل المهمة التي يريد اردوغان ولوجها. ستفرض انقرة على دمشق، من ضمن ما يسمى المصالحة، في حال حصولها، شروطها السياسية المتعلقة بالملف السوري، واهم تلك الشروط تطبيق القرار الدولي 2254.

يأتي ذلك في وقت تبدو انقرة مصرّة على مشاركة المعارضة في الحكم عبر عملية سياسية تصل الى التغيير الكامل في شكل النظام السوري وهيكله. 

يعلم بشار الاسد وافراد الحلقة الضيقة المحيطة به ان القرار 2254 هو بمثابة الفخ الذي نصب له عبر تفاهم روسي - اميركي آنذاك. اجبرت موسكو بشار الاسد على القبول بالقرار. لكنّ بشار الاسد نجح في التهرب منه من خلال ممارسة الاعيب سياسية استوعب من خلالها بحنكة وزير خارجيته الراحل وليد المعلم المبعوثين الدوليين ستافان دي ميستورا وغير بيدرسون من بعده، عبر اغراقهما بالتفاصيل، والانخراط في "سلال دي ميستورا"، ومتاهات اللجان الدستورية، ولقاءات لا تنتهي للمجتمع المدني... 

على الرغم كل تلك الالاعيب، نجد سوريا نفسها تغرق اليوم في الجوع والبرد والفقر في ازمة اقتصادية لم تشهد مثيلا لها. تشكل الأزمة الراهنة اكبر خطر وجودي على البلد في حدوده الراهنة منذ اتفاق سايكس - بيكو. 

إضافة إلى ذلك، يعلم بشار الاسد والحلقة الضيقة المحيطة به ان بوتين اصبح اضعف من ان يفرض اي قرار أو اي تغيير. الرئيس الروسي يحتاج اليوم، في ضوء ورطته الأوكرانيّة، لبشار الاسد كي يحافظ على ما حققه من خلال التموضع في شرق المتوسط.

بالعودة الى المصالحة، ان انقرة تصر على ان العودة الطوعية للاجئين السوريين الى بلدهم. هذه العودة سمتها انقرة في شهر اب - اغسطس الماضي "مناطق تجريبية" في دمشق وحمص وحماه. هذا ما يرفضه بشّار شخصيا من منطلق ان المجتمع السوري اصبح "متجانسا" بخروج هؤلاء السوريين من مناطق سيطرته. ثمّ كيف سيستطيع النظام السوري المفلس ان يقدم ابسط الخدمات الى العائدين من تركيا ولبنان، وهو حاليا عاجز تماما عن دفع قسم من مستحقات ذوي قتلى الشباب العلويين ومداواة جرحاهم وتوفير التدفئة والغذاء باقل حدودهما لأهل بيئته الذين ماتوا واصيبوا دفاعا عن النظام؟

هناك عنصر مهم آخر لا يمكن تجاهله. يتمثل هذا العنصر في أن إيران التي تسيطر على قرار بشار الاسد، لن تقبل أي مصالحة أو عملية سياسية تودي الى عودة السوريين الى ديارهم التي هجروا منها. ان عودة ملايين السنة الى مناطقهم، كما تريد انقرة، سيفشل مشروع التغيير الديموغرافي الذي رأى النور عبر تهجير ثمانية ملايين سوري سني الى خارج سوريا وتهجير سبعة ملايين اخرين داخليا بما سهل على ايران استكمال فتح طريق طهران - بيروت عبر العراق وسوريا. 

إضافة إلى ذلك، تروج جهات تابعة للنظام السوري ان تركيا ستقدم بعض الخدمات الى سوريا مثل الكهرباء وفتح المعابر التجارية لفك الحصار الدولي في حال المصالحة. هذه مجرّد أوهام. الدليل ان كل المحاولات لدعم لبنان لتأمين ساعات اضافية من الكهرباء عبر تمرير الغاز المصري عبر الأراضي السوريّة باءت بالفشل بسبب رفض الادارة الأميركية أيّ احتمال لإستفادة دمشق من عبور الغاز. فكيف ستسمح لتركيا بان تتعاون مع نظام بشار الأسد وتساعده على البقاء؟

تكبر مشاكل بشار الاسد كل ساعة، فهو اصبح اليوم "جنرال نورييغا" القرن الواحد والعشرين بعدما صار متّهما بتزعم نظام مصنّع للمخدرات ومروج وداعم لها في دول الاقليم والعالم. يؤكّد هذا التوجه الأميركي التعديل الجديد لقانون العقوبات على سوريا (قانون قيصر). اصبح "قانون قيصر" اشدّ ايلاما لأي طرف يحاول تجاوز العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا. هل تخاطر تركيا أو اي دولة أخرى، غير روسيا وايران وكوريا الشمالية، وتهدد اقتصادها وتتحايل على العقوبات الاميركية في سبيل مصافحة وصورة تذكارية لاردوغان مع بشار الأسد. لا مفرّ من العودة بالذاكرة دائما إلى أنّ الليرة التركية تلقت ضربات مؤلمة عدة في العامين الماضيين.

 في نهاية 2022، تبدو دمشق ونظامها دخلا امتارا اضافيّة في النفق الذي سيؤدي الى نهاية تبدو معروفة بالنسبة اليهما. هل ستشهد السنة 2023 مفاجآت سورية كبرى من النوع الذي اشار اليه ابن خال بشار الاسد وشريكه السابق رامي مخلوف الموجود في نوع من الإقامة الجبرية منذ اشهر عدّة؟ 

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية