لماذا تراجعت عملية اندماج المسلمين في ألمانيا؟

لماذا تراجعت عملية اندماج المسلمين في ألمانيا؟


19/10/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

في خطاب له قبل ما يقرب من 10 أعوام، في الذّكرى العشرين لإعادة توحيد ألمانيا، أعلن رئيس ألمانيا آنذاك، كريستيان فولف، أنّ الإسلام جزء من ألمانيا، وبالرّغم من قصر البيان، فقد كان التّأثير كبيراً.

أثار ادّعاء فولف نقاشاً على مستوى الأمّة حول دور الإسلام في البلاد، وهو نقاش يتواصل حتّى يومنا هذا، وبينما أثار بيان عام 2010 غضب البعض، فقد كان له صدى عميق لدى آخرين.

اليوم، يرى ملايين المسلمين ألمانيا وطناً لهم، وتعيش بعض العائلات في البلاد منذ جيلين وثلاثة وحتّى أربعة أجيال، لكن، بالنّسبة إلى البعض؛ فإنّ مسألة الاندماج في التّيار الرّئيس للمجتمع الألمانيّ، والحصول على الاعتراف، لم تنقصها الصّعوبات.

المجموعات الإسلاميّة تمتلك موارد ماليّة وموظّفين أقلّ من المنظّمات المسيحيّة، وهذا قد يحدّ من تأثيرها، وهناك تحذير من تنامي الشّكّ الدينيّ والمناخ الإسلاموفوبي في ألمانيا

تقول ريم سبيلهاوس، الخبيرة في الإسلام بجامعة غوتنغن، إنّ "تصريح فولف قد ضرب على وتر حسّاس"، وتضيف: "تمّ إحراز تقدم كبير في الأعوام التّالية على صعيد اندماج وقبول المسلمين. لكن بحلول عام 2016، توقّفت هذه العمليّة"، كما تقول: "وشهدنا بعض أوجه التّقدّم تتراجع".

أين، بالضّبط، تمّ إحراز التّقدّم؟ وأين تظهر الحاجة إلى التّحسينات؟ تقول سبيلهاوس: "الحكومة الألمانيّة نادراً ما تمتلك القوة للضّغط من أجل تغييرات على مستوى الأمّة، مثل إدراج بعض الأئمة المسلمين في الجيش الألمانيّ [لقيادة طقوس العبادة للجنود المسلمين]".

وفي كثير من الأحيان، كما تقول الخبيرة؛ فإنّ الولايات المختلفة في ألمانيا هي الّتي تمتلك الوسائل القانونيّة لجعل المجتمع أكثر استيعاباً للمسلمين. ويتعلّق هذا بأشياء، مثل: الدّفن على الطّريقة الإسلاميّة، ومنح إجازة في الأعياد الإسلاميّة، وتقديم الرّعاية الرّوحيّة في المستشفيات والسّجون، وتعليم الّلاهوت الإسلاميّ في الجامعات.

إقرأ أيضاً: "الإخوان" في ألمانيا... توسعات مقلقة

وتختلف الولايات الألمانيّة كثيراً عندما يتعلّق الأمر بالدّروس الدّينيّة الإسلاميّة في المدرسة.

ومن جانبها، ترحّب سبيلهاوس بتغيير المحاكم الألمانيّة وجهة نظرها، أيضاً. فعند الحكم في القضايا الدّينيّة الأساسيّة، تؤكّد الكثير من المحاكم الآن على أهميّة التّعدّديّة الدّينيّة.

خوف من التّدخّل الخارجيّ

على عكس المسيحيّة، حيث تُنظّم الكنائس بشكل هرميّ وتحظى بقادة رسميّين؛ فإنّ هذا ليس هو الحال في الإسلام، فبعض المنظّمات الإسلاميّة الكبيرة النّشطة في ألمانيا، مثل الاتّحاد التّركيّ الإسلاميّ للشّؤون الدّينيّة، تموّل من الخارج؛ لذلك، يتجنّب المشرّعون الألمان التّعاون الوثيق مع هذه الجمعيّة خوفاً من التّدخّل الخارجيّ.

وتوجد اليوم مجموعة كبيرة من الجمعيّات الإسلاميّة في ألمانيا، وكما تقول سبيلهاوس: "لا تمثّل جميعها المجتمع المسلم على النّحو الّذي قد تدّعيه"، وهذا أصبح واضحاً، فعلى سبيل المثال؛ خلال المؤتمر الإسلاميّ الألمانيّ، عندما اختلفت الجمعيّات الإسلاميّة بشدّة مع بعضها.

هذا الانقسام يجعل التّقدّم صعباً. والتّعاون بين الدّولة الألمانيّة والجمعيّات الإسلاميّة العديدة في البلاد محفوف بالصّعوبات؛ ففي حزيران (يوليو) من هذا العام، على سبيل المثال، سعت وزارة الخارجيّة الألمانيّة إلى جعل المحامية المسلمة، نورهان سويكان، مستشارةً في إحدى إداراتها.

وأثار هذا الإعلان انتقادات؛ حيث اتهمّ البعض سويكان، الّتي تشغل منصب نائبة الرّئيس في المجلس المركزيّ للمسلمين في ألمانيا، بعدم فعل الكثير لمواجهة التّطرّف الدّيني، ثمّ عكست وزارة الخارجية الألمانية مسارها، وألغت قرارها بتعيين سويكان.

تعاون واعد

في حين لم يكن التّعاون مع الجمعيّات الإسلاميّة الرّسميّة سهلاً دائماً؛ فإنّ العمل معاً على نطاق أصغر كان ناجحاً في كثير من الأحيان، وتستشهد سيراب غولر، وهي مشرّعة عن حزب الدّيمقراطيّين المسيحيّين وتشغل منصب وزيرة الدّولة لشؤون الاندماج في ولاية شمال الرّاين-وستفاليا، الأكثر اكتظاظاً بالسّكان في ألمانيا، بمجلس تنسيق النّشاط المدنيّ الإسلاميّ كمثال.

بعض المنظّمات الإسلاميّة النّشطة، مثل الاتّحاد التّركيّ الإسلاميّ للشّؤون الدّينيّة، تموّل من الخارج؛ لذلك، يتجنّب المشرّعون الألمان التّعاون الوثيق مع هذه الجمعيّة خوفاً من التّدخّل الخارجيّ

 

وتقول إنّها تتعاون مع حوالي 200 منظّمة مجتمع مدنيّ إسلاميّة في الولاية، تنطوي على مجموعات كرنفاليّة إسلاميّة ومنظّمات كشفيّة ومبادرات إدماجيّة، ووفق غولر؛ يحرص المشرّعون على تمكين منظّمات المواطنين هذه.

إقرأ أيضاً: إسلامي سابق يحكي قصته مع السلفية الراديكالية في ألمانيا

يرأس دينيس صادق كيرشباوم منظّمةً تعمل على منح المسلمين الألمان دوراً أكبر في الشّؤون العامّة، وقد تأسّست المنظّمة، وتُدعى "جوما"، عام 2019، وتمثّل الشّباب المسلم النّشط في ألمانيا. يقول كيرشباوم؛ إنّ الجمعيّات الإسلاميّة التّقليديّة تفقد جاذبيّتها بين جيله؛ حيث يدير البعض ظهورهم لها بالكامل، ويضيف: "هناك خطط لـ 16 منظمة شبابية مسلمة، في كافة أنحاء البلاد، لا تُعرّف أيّ منها نفسها من خلال الدّين وحده، لإنشاء تحالف لمنح الشّباب الألمانيّ المسلم صوتاً.

تحذير من تنامي الشّكّ الدينيّ 

ومع ذلك، تقول سبيلهاوس: "المجموعات الإسلاميّة غالباً ما تمتلك موارد ماليّة وموظّفين أقلّ من المنظّمات المسيحيّة، وهذا قد يحدّ من تأثيرها"، وبالإضافة إلى ذلك؛ تحذّر من "تنامي الشّكّ الدينيّ والمناخ الإسلاموفوبي في ألمانيا".

في الواقع؛ عندما قتل شخص عنصري تسعة أفراد من أصول أجنبية بالرصاص في بلدة هاناو، بالقرب من فرانكفورت، في شباط (فبراير) من هذا العام، صُدمت ألمانيا، والمجتمع المسلم في البلاد، وفي إطار البحث عن فهم أفضل للقضايا؛ أنشأ وزير الداخليّة الألماني، هورست زيهوفر، هيئة خبراء خاصة للتحقيق في مشكلة الإسلاموفوبيا في البلاد.

المصدر:كريستوف ستراك، "دويتشه فيله"

https://www.dw.com/en/islam-still-faces-obstacles-on-path-to-be-part-of-germany/a-54972234

الصفحة الرئيسية