لماذا لم تكتمل الانتخابات الأكثر غرابةً في تاريخ الصومال؟

لماذا لم تكتمل الانتخابات الأكثر غرابةً في تاريخ الصومال؟


28/03/2022

تجاوزت أزمة الانتخابات في الصومال العامين والنصف العام، منذ الخلاف على نظام الانتخاب عام 2019، بين الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، ورؤساء الولايات، ورغم عشرات اللقاءات والمشاورات السياسية فقد تجاوزت انتخابات مجلس الشعب آخر مهلة حددتها اللجنة الفيدرالية للانتخابات، وهي 15 من آذار (مارس) الجاري، وما يزال عدد من المقاعد دون انتخاب في ولايتي؛ هرشبيلي وجوبالاند، بينما أتمت ولايات؛ جنوب الغرب وغلمدغ وبونتلاند الانتخابات، رغم أنّ الأخيرة شابها الكثير من عدم النزاهة.

وتختلف الأسباب في كلّ ولاية عن الأخرى؛ ففي ولاية هرشبيلي توجد خلافات بين رئيس الولاية ونائبه، بينما تعدّ أزمة جوبالاند الأعقد بسبب رفض الولاية إجراء الانتخابات في إقليم غدو، الذي تسيطر عليه إدارة وقوات موالية لفرماجو. ويمكن اختصار الصراع الانتخابي بأنّه صراع على من سيكون رئيس الصومال المقبل؛ كون البرلمان بغرفتيه، الشيوخ والشعب، هو من يختار الرئيس.

انتخابات غير نزيهةٍ

وكان من المفترض إتمام انتخابات مجلسي الشورى والشعب في الأشهر الأخيرة من العام 2020، ليتم تشكيل البرلمان الجديد، والذي كان من المفترض أن ينتخب رئيساً للبلاد، بدلاً من الرئيس فرماجو، الذي انتهت ولايته في شباط (فبراير) من عام 2021.

اقرأ أيضاً: ما هي خلفيات المحاولة الانقلابية في الصومال؟

وبعد عشرات المشاورات واللقاءات، وما شهدته البلاد من اضطرابات سياسية كادت أن تنزلق معها إلى مربع الصراع المسلح، سلّم فرماجو السلطة إلى القائم بأعمال رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، وفق نصّ الدستور.

روبلي متوسطاً أعضاء المجلس الوطني الاستشاري

ورغم ذلك ظلّ فرماجو في المشهد السياسي، وتسبّبت تدخلاته في أزمة سياسية مع روبلي، وأدّى دعم رؤساء الولايات في جوبالاند وبونتلاند إلى تقوية موقف روبلي في مواجهة فرماجو، إلا أنّ هذا الدعم لم يكن مجاناً؛ فقد حصل رؤساء الولايات على سلطةٍ واسعةٍ في إدارة المشهد الانتخابي، على حساب القيادات العشائرية التي تملك وفق الدستور حقّ الترشيح والانتخاب وحدها، بمعاونة اللجان الانتخابية الفيدرالية والإقليمية.

من المرجح في حال إتمام انتخابات مجلس الشعب واجتماع البرلمان أن تدخل البلاد دوامة صراع سياسي جديدة كون المتنافسين على الانتخابات الرئاسية غير مستعدين لتقبل فوز خصومهم

وأتمت الولايات الصومالية والعاصمة انتخابات مجلس الشورى، في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والذي يبلغ عدد أعضائه 54 عضواً، مُوزعة على الولايات الخمس، وإقليم بنادر الذي يضم العاصمة، وإقليم أرض الصومال والذي تُجرى انتخاباته في العاصمة، مقديشو.

ويعود سبب النجاح المتأخر في إتمام انتخابات مجلس الشورى إلى محدودية عدد أعضائه مقارنةً بعدد مقاعد مجلس الشعب التي تبلغ 275 مقعداً، إلى جانب أنّ البرلمانات الإقليمية هي من تختار أعضاء مجلس الشيوخ، وليس مندوبي العشائر كما في مجلس الشعب.

اقرأ أيضاً: معالم على طريق التجربة السياسية للإخوان في الصومال

ويشكك الكاتب والصحفي الصومالي، عبد القادر علي ورسمي، في نزاهة هذه الانتخابات: "نستطيع القول إنّ هذه الانتخابات كانت أسوا انتخابات مرت على البلاد، ويمكن وصفها انتخابات مجازاً؛ لأنه لم يكن هناك تنافس حقيقي بين المرشحين، ولكنه كان اختياراً للبعض ورفضاً للآخرين".

وتابع لـ "حفريات": "لم يكن هناك تنافس حقيقي إلا في كراسٍ قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، في ولايتي هيرشبيلي، وجلمدغ، والذي حدث في الولايات الأخرى كان اختياراً لأشخاصٍ من قبل رؤساء الولايات، ومسؤولية هذا الفساد تقع على عاتق المجلس الوطني الاستشاري، المكوّن من رئيس الوزراء ورؤساء الولايات الخمسة".

عراقيل انتخابية

ومن بين المقاعد التي لم تُجرَ الانتخابات عليها بعد؛ 16 مقعداً في الدائرة الثانية في إقليم غدو بولاية جوبالاند، وكان الإقليم محل نزاع منذ عام 2019، بين الرئيس المنتهية ولايته، محمد فرماجو، ورئيس الولاية أحمد محمد إسلام "مدوبي". 

وعن أسباب النزاع يقول الباحث في العلوم السياسية من الصومال، محمد يوسف: "تعود مشكلة إقليم غدو إلى العام 2019، وقت لم تعترف الحكومة المركزية بانتخاب مدوبي رئيساً للولاية، وحين اضطرت للاعتراف به قررت المخابرات تقسيم الولاية، فصار جزء يحكمه مدوبي، وإقليم غدو تسيطر عليه قوات فيدرالية أرسلها فرماجو". 

يوسف: حسابات فرماجو اختلفت بعد بروز زعامة عشائرية قوية في إقليم هيران

ويُعدّ رئيس جوبالاند ورئيس بونتلاند من أشدّ أعداء فرماجو، ولهذا عمل كلّ منهما على فوز مرشحين موالين لهما، وهو الأمر الذي فعله فرماجو في ولايتَي جنوب الغرب وجلمدغ المواليتَين له، منذ تدخّله لاختيار رؤساء لهما، ولهذا من غير المحتمل أن يسمح مدوبي بعقد انتخابات غدو، التي يتحكم فيها خصمه فرماجو، رغم إعلانه عقد الانتخابات في الإقليم قريباً.

اقرأ أيضاً: من هم أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في الصومال؟

وفي ولاية هرشبيلي يعود تأخر الانتخابات إلى الخلافات بين رئيس الولاية، علي عبد الله حسين "غودلاوي"، ونائبه يوسف أحمد هغر "دبغيد"، والتي تعكس خلافاً قبلياً واسعاً. وأفاد الباحث محمد يوسف لـ "حفريات": "تعود الخلافات إلى وقت انتخاب رئيس الولاية، والذي فاز بتدخل مباشر من الرئيس فرماجو، ولهذا لا تثق أكبر القبائل في إقليم هيران به".

الصحفي الصومالي، عبد القادر علي ورسمي، لـ "حفريات": هذه الانتخابات كانت أسوا انتخابات مرّت على البلاد، ويمكن وصفها انتخابات مجازاً؛ لأنّه لم يكن هناك تنافس حقيقي بين المرشحين.

وأضاف: "حسابات فرماجو اختلفت بعد بروز زعامة عشائرية قوية في إقليم هيران، ترفض تدخّل رئيس الولاية في الانتخابات لصالح فوز الموالين له، ويرتبط بهذا الخلاف صراعه مع نائبه".

وبسبب ذلك لم تُعقد الانتخابات في الدائرة الثانية بالولاية، ومقرها بلدوين، وحين نشر رئيس اللجنة الانتخابية قائمة مندوبي العشائر تمهيداً للبدء في الانتخابات، عزله رئيس الولاية من منصبه، وإلى جانب ذلك لم تنجح الوساطات في حلّ الخلافات المتكررة بين رئيس الولاية ونائبه.

العوامل الخارجية

وتسعى الدول المانحة ومجموعة شركاء الصومال، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتهاء من انتخابات مجلس الشعب، لمنع البلاد من الانزلاق إلى الفوضى السياسية، التي تسبّبت في بروز نشاط حركة الشباب المجاهدين، المصنفة إرهابياً.

اقرأ أيضاً: لماذا لا ترغب "أميصوم" في الانسحاب من الصومال؟

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على عددٍ من المسؤولين الصوماليين، الذين وصفتهم بمعرقلي الانتخابات، دون أن تُفصح الخارجية الأمريكية عن أسمائهم، وتنحصر العقوبات في فرض قيود على تأشيرات السفر إلى الأراضي الأمريكية، كما دعت واشنطن ولايتي هرشبيلي وجوبالاند إلى إنجاز الاستحقاقات الانتخابية.

وحدّدت اللجنة الفيدرالية للانتخابات موعد 14 نيسان (أبريل) المقبل لأداء أعضاء مجلسي الشعب والشيوخ بالبرلمان الفيدرالي اليمين الدستورية، بينما اعترض رؤساء جنوب الغرب وجلمدغ على ذلك، رغم إتمامهما للاستحقاق الانتخابي، وهو ما يكشف عن وجود يد لفرماجو وراء ذلك، لتجنّب تقديم تنازلات في جوبالاند وهرشبيلي لصالح منافسيه.

ورسمي: تعطل الانتخابات مرتبط بضعف دور رئيس الوزراء

ويرى الكاتب الصحفي ورسمي؛ أنّ "تعطّل الانتخابات مرتبط بضعف دور رئيس الوزراء، الذي هو المسؤول الرئيس عن هذه المهمة، إضافة إلى محاولة رؤساء الولايات التلاعب بنتائج الانتخابات".

وعن الدور الخارجي، خصوصاً الإقليمي، الذي يقف وراء مرشحي الرئاسة، قال: "هي مشكلة عالمية تشتكي منها حتى الدول الكبرى، لكن ما يحدث في الصومال يصل في بعض الأحيان إلى تدخّلٍ سافر؛ فمثلاً بعض الولايات تشتكي من تأثير إثيوبي واضح، وأخرى تخضع للتأثير الكيني، إلى جانب التدخّل من بعض الدول الخليجية".

اقرأ أيضاً: لماذا تجدّد الصراع مع الصوفية في الصومال؟

وبناءً على الظروف السابقة التي جعلت الانتخابات مفتقدةً للنزاهة، فمن المرجح أنّه حال إتمام انتخابات مجلس الشعب، واجتماع البرلمان، أن تدخل البلاد دوامة صراع سياسي جديدة كون المتنافسين على الانتخابات الرئاسية غير مستعدين لتقبل فوز خصومهم، خصوصاً فرماجو، الذي يجتمع ضدّه معظم مرشحي الرئاسة.

وبدأ العمل بمبدأ المحاصصة العشائرية الانتخابي في البلاد في مؤتمر المصالحة الصومالية بمنطقة عرتا في جيبوتي، عام 2000، والذي أسس لاستعادة الصومال مؤسساته الدستورية، لتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية. وينصّ النظام المعروف بقاعدة (4.5) على منح الكتل العشائرية الكبيرة، المهيمنة على البلاد، وهي: در، ودارود، وهوية، ودغل ومرفلي، حصة واحدة لكلّ منها، والنصف المتبقي لبقية الأقليات غير المنتمية للتجمعات الكبرى، وتطبق هذه التقسيمة على أعضاء مجلس النواب، البالغ عددهم 275 نائباً، وتحصل كلّ كتلة من الأربعة على حصة 61 عضواً، ويتبقى 31 عضواً للأقليات القبلية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية