لماذا يتبادل علمانيو الجزائر وإسلاميوه اتهامات التخوين والعمالة للخارج؟

لماذا يتبادل علمانيو الجزائر وإسلاميوه اتهامات التخوين والعمالة للخارج؟


28/03/2021

عاد الصراع ليحتدم في الجزائر مجدّداً بين الإسلاميين والعلمانيين على أهبة الانتخابات النيابية المُقررة في 12حزيران  (يونيو) المقبل. وعلى منوال أشدّ من جولات سابقة، اختار التياران تبادل اتهامات التخوين والتآمر في مسار لا يفصله مراقبو الشأن السياسي المحلي عن حسابات ورغبة كل طرف في التموقع بطريقته الخاصة ضدّ الخصم المشترك "السلطة" وخططها على أهبة الاقتراع البرلماني والمجالس المحلية الجديدة. 

اقرأ أيضاً: "القاعدة" والإخوان والحراك الجزائري

يهاجم "عبد الرزاق مقري" قائد حركة مجتمع السلم (الواجهة التقليدية لإخوان الجزائر)، خصوم الإسلاميين قائلاً: "إنّ التيار العلماني الاستئصالي يريد انتخابات رئاسية مسبقة وقد كفر بها بالأمس فما الذي تغير؟، أم أنّ عدم القدرة على خوض الانتخابات التشريعية والمحلية هو الغول الذي يخيفهم؟

قادة الإسلاميين في الجزائر

ويتساءل مقري عن "محاولة فرض مرحلة انتقالية لقلب الطاولة على الجميع"، ويخاطب العلمانيين: "إذا كان هذا مطلبكم فصارحوا الجزائريين بأن خرجتم عن نهج مزفران (أرضية توافق عليها المعارضون في صيف 2014)، ولا تريدون الالتقاء والحوار والتفاوض والانتقال الديمقراطي".

ويوقن مقري: "هناك مؤامرة يقودها التيار العلماني المتطرف لفرض مرحلة انتقالية ومنع الانتخابات، لأنهم لا يؤمنون بالإرادة الشعبية"، ويتكئ على ما كتبه أحدّ محرّري صحيفة يسارية محلية: "مجرد سؤال كنت سأطرحه: هناك فرصة جيدة لقيام حكومة إسلامية. هل نحن مستعدون لاستعادة كابوس 1991 أو حتى الوضع التونسي؟"، وعلّق مقري: "هذا عمود يبيّن فيه كاتبه حقده الدفين وحقد التيار الذي يمثله على الإسلاميين، وعدم إيمانهم بالانتخابات والديمقراطية".

السياسي الإسلامي حسين رحماني لـ"حفريات":العلمانيون في الجزائر لا يزالون على قدرة فائقة على صناعة المبادرة والتنسيق الجيّد لإنفاذ أجنداتهم المدعومة خارجياً

ويخلص مقري: "الأزمة الجزائرية متعددة الأبعاد لها جذور عميقة عقّدتها الأخطاء المتتالية، ولها تداعيات خطيرة على مستقبل الجزائريين والجزائريات، ولا مخرج من هذه الأزمات إلا بالتقدير الحقيقي لأسبابها وعدم تكرار الأخطاء التي عمّقتها، وعلى رأس هذه الأخطاء محاولات صناعة المشهد السياسي والاجتماعي فوقيا وبسياسة الأمر الواقع".

ويرى متزعم تشكيلة الراحل محفوظ نحناح أنّ الأهمّ يكمن في إنهاء قانون الانتخابات لكل "مكامن التلاعب بأصوات الناخبين، وأن يكون مقصده الأعلى حل مشكلة البلد والدولة وليس مشكلة النظام والأشخاص ومراكز النفوذ، وأن الإرادة السياسية في مؤسسات ومختلف مستويات الدولة هي الضامن الأساسي للانتخابات الحرة والنزيهة".

سباق التموقع

يرى فتحي غرّاس المنسّق الوطني لــ "الحركة الديمقراطية والاجتماعية" (الوريث التاريخي للحزب الشيوعي الجزائري) أنّ الإسلاميين الغارقين في دوامة منذ سنوات طويلة، يريدون التموقع واسترجاع القطاع العريض من الجماهير التي فقدت ثقتها في القوى ذات المرجعية الإسلامية، بسبب الأخطاء الكثيرة الناجمة عن تعاطيها السياسي والرسمي خلال العشريتين الأخيرتين.

فتحي غرّاس

ويضيف غرّاس: "الشعب الجزائري له شعار واحد وحيد حالياً هو الديمقراطية، وأي شعارات أخرى هي دخيلة عليه، ولا تلزمه في شيء"، مشيراً إلى رغبة الإسلاميين ومعهم مصالح الاستعلامات في احتواء الحراك الشعبي الذي عادت مظاهراته بقوة قبل أسابيع بعد احتباس استمرّ عاماً على خلفية تمدّد جائحة كورونا.

اقرأ أيضاً: عمالقة آل عثمان: تركيا تسعى لإحياء أمجاد العثمانيين في الجزائر

ويتهّم غرّاس الإسلاميين بــ "السقوط في لعبة النظام، وتكثيف الضبابية عبر دفع المتظاهرين السلميين إلى ترديد شعارات تقسّم الجزائريين"، وبالنسبة لغرّاس فإنّ مواطنيه حفظوا جيّداً درس تسعينات القرن الماضي، ويكرهون الإرهاب ولن يقعوا أبداً في ذلك الفخّ مجدداً"، في إحالة إلى ما أفرزه صعود نجم الحزب الإسلامي المحظور "جبهة الإنقاذ" وما ترتّب عن توقيف المسار الانتخابي في الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) من شرارة العنف الدموي الذي قضى على الأخضر واليابس وسلب الحياة من ربع مليون جزائري، فضلاً عن خسائر مادية بالمليارات.    

في المقابل، يشير د. "محمد بغداد" الخبير في الحركات الإسلامية الجزائرية، إلى تراجع الأخيرة بسبب خطاب الانتصار الوهمي الذي أنتجه قادتها وروّجوه مطوّلاً، الأمر الذي أفرز تراخي القواعد النضالية وعدم قيامها بالتعبئة في الأوساط الشعبية، لأن الزعماء أوهموهم بأنّ النصر محقق ولا داعي للقيام بالعمل.

محمد بغداد

ويقحم د. بغداد : "النتائج الكارثية التي نتجت جراء مشاركة الإسلاميين الهزيلة في السلطة، فقد تأكد للناس أنّ هذه المشاركة كانت مجرد وجود ديكوري ولأهداف شخصية، ولا علاقة لها بالبرنامج والطموحات والمطالب الشعبية"، ويؤكد محدثنا تراجع المستويات القيادية في قواعد التيار الإسلامي، فقد ظهر المرشحون الإسلاميون خلال آخر انتخابات في أضعف مستوياتهم مما جعلهم غير مميزين في نظر الرأي العام الجزائري، خصوصاً مع تفشي ظاهرة التشرذم في التيار الإسلامي، والكشف عن فضائح أخلاقية تورّط فيها غالبية قيادات التيار الإسلامي، وبالذات في دهاليز السلطة.

التباسات وحسابات

يرى الخبير السياسي الجزائري هيثم رباني أنّ الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في بلاده "تأجّج بعدما نأت السلطة بنفسها عن هذا الصراع، بعدما ظلّ الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة يستعمله بشكل كبير"، ويشير إلى أنّ الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون "انسحب من العمل على الحبلين العلماني والإسلامي، خلافاً لما كرّسه سلفه".

ويضيف رباني: "ما يتصّل بقانون الأسرة ومسألة العمالة للخارج لها أسباب واقعية لكنها لا ترتبط بما يحصل في الواقع بالجزائر"، ويلفت محدثنا إلى أنّ كثيراً من الوجوه الإسلامية المعروفة منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وما قبلها وما بعد ذلك، وهي تنشط حالياً في الخارج تحت مسميات عديدة وتبرز بشكل خاص في الشبكة العنكبوتية".

الناشط الشيوعي فتحي غرّاس لـ"حفريات": "الشعب الجزائري فقد ثقته بالإسلاميين وله شعار واحد وحيد حالياً هو الديمقراطية، وأي شعارات أخرى هي دخيلة عليه

ويلاحظ رباني أنّ "الإسلاميين يصدرون الكثير من التصريحات يستهدفون بها أشخاصاً، ويفهمها آخرون على أنّها تستهدف مؤسسات، لذلك الأمر ملتبس، تماماً مثلما يفعل العلمانيون الذين يتحركون وبعضهم متطرف مثل فرحات مهني، وفريق آخر ينحو منحى الإسلاميين ويخلط بين السلطة والجيش، وهناك دائماً مسمى العمالة للخارج على خلفية استفادة فريق من تمويل دول عربية واتكاء قطاع آخر على دعم أنظمة غربية، وهو ما لا يسمح به القانون الجزائري".

وحول قانون الأسرة وقضايا المرأة، يؤكد رباني أنّ هذا الصراع المحموم قديم ويتجدد كل مرة بين الإسلاميين والعلمانيين على أساس اختلاف الأجندات والأفكار والأهداف والتطبيقات السياسية والتزلّف إلى السلطة، مستطرداً: "هناك من في داخل النظام الجزائري ذاته من يميل إلى هذا الطرح أو ذاك، على نحو قد يحوّل الصراع القائم إلى صراع اجتماعي".

هيثم رباني

في المحصلة، يبدي رباني ثقة بقدرة الدولة على تنظيم انتخابات تشريعية تسير بحسب المسار الذي يريده الرئيس تبون، وتبعاً للأزمات الخانقة التي تطوّق الجزائريين مثل معضلات الماء والزيت وغيرهما، لا يعتقد رباني أن يصل الصراع القائم بين العلمانيين والإسلاميين إلى مستويات شعبية، متصوراً أنّ الأمر سيبقى محصوراً في زاوية "صراع نخب"، ما يجعل الاقتراع القادم "محض صراع محلي بين فئات محلية لا علاقة لها بالصراع العلماني الإسلامي". 

مساران متناقضان

يلفت أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، عبد الحق بن سعدي، إلى مشهدين، الأول يتعلق بما يسمى الجزائر الجديدة والمسار المرتبط بها، وهو مشهد كلاسيكي تتحرك فيه السلطة وروافدها السياسية بخطاب وأدوات لم يتم تكييفها مع المتغيرات المهمة التي شهدها الوعي المجتمعي، ما جعلها تتعامل مع وضع استثنائي بمنظور عادي، وإثارة الصراعات الأيديولوجية والاتهامات وغيرها، هي أساليب موجهة للتأثير على الهيئة الناخبة المهيكلة ضمن الفضاء السلطوي فقط.

اقرأ أيضاً: الرئيس الجزائري يكشف من وراء شائعات اغتياله

أما المشهد الثاني، في منظور بن سعدي، فهو المتعلق بالحراك الشعبي الذي تجاوز مسألة الأيديولوجيا والخلافات، على الأقل على المستوى العام، وظهر ذلك في الشعارات المرفوعة الرافضة للتقسيم على أساس اسلامي علماني، والدعوة لتوجيه الجهود نحو الخصم المشترك الذي يكمن في السلطة، ولذلك، نحن أمام مسارين متناقضين تماماً، وكل طرف متمسك بأجندته، إلاّ أنّ السلطة تبدو مرتبكة أمام عودة الحراك موحدّاً ومتحدّيا لها.

ويسجّل الناشط السياسي الإسلامي حسين رحماني أنّ الحرب الباردة التي اتسمت بها المرحلة البوتفليقية كانت فرصة للعلمانيين ليبسطوا نفوذهم بينما كان الإسلاميون يترقبون الآثار الجانبية لمرحلة ما بعد الربيع العربي، لكن جاء الحراك ليعيد الأوزان السياسية إلى أحجامها الطبيعية فمن كان متواصلاً مع المجتمع ومع قواعده النضالية يستطيع أن يتعامل مع الأحداث بواقعية وقدرة على التحليل المنطقي، أما نظراؤهم الموسميون فلا شك أنهم سيتخبطون خبط عشواء.

 أبرز ممثلي التيار العلماني في الجزائر

وينوّه رحماني إلى أنّ "العلمانيين في الجزائر لا يزالون على قدرة فائقة على صناعة المبادرة والتنسيق الجيّد لإنفاذ أجنداتهم المدعومة خارجياً"، لكنه يرى أنّ "حبلهم في مواصلة الجثوم على الرقاب قصير لأنهم يسبحون ضد تيار الثوابت، في انتظار أن يستدرك الإسلاميون دورهم الريادي في التغيير" الذي يراه قريباً.

ويشيد رحماني بأنموذج حركة البناء لرئيسها وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، ويرشحها لأن تصير رقماً بارزاً في المعادلة السياسية المحلية، ويبرّر بأنّها أضحت "بديلاً حيوياً لحالة الركود الذي ساد عقدين من الزمن وهي اليوم تشق طريقها في إعادة قاطرة الثوابت إلى السكة، ناهيك عن التجديد الذي طرأ على اجتهادها السياسي في الانفتاح على الشرائح المجتمعية المختلفة".

وينتهي رحماني إلى أنّ المشهد السياسي القادم في الجزائر، سيتسّم بقدر أعلى من التدافع والشراسة في الصراع، لكن إذا جرى اجتناب الفوضى والانزلاق إلى المجهول فسيكون الحسم لصالح الثوابت الوطنية، متكئاً على أنّ "قطاعاً كبيراً من المؤسسة العسكرية فيما يبدو أدرك أنّ لا مستقبل للبلاد خارج إطار البعدين العربي والإسلامي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية