لماذا ينقلب أردوغان على نفسه؟

لماذا ينقلب أردوغان على نفسه؟


10/05/2021

أسعد عبود

في السنوات العشر الأخيرة، ناصبت تركيا العداء لمصر ودول الخليج العربية، باستثناء قطر، وها هي اليوم تبدي النية لطي هذه الصفحة، والمضي في تطبيع العلاقات مع القاهرة والرياض. فما هي المتغيرات التي أملت على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هذه الإستدارة في سياساته ومواقفه؟   

لا مناص أولاً من الأخذ في الإعتبار عوامل عدة، داخلية وخارجية، دفعت أردوغان إلى إحداث هذه النقلة في خياراته الجيوسياسية. ولنبدأ بالداخل حيث تقبع الإنتخابات التشريعية ومن بعدها الرئاسية عام 2023، في خلفية كل القرارات التي يتخذها الرئيس التركي من الآن وحتى عامذاك. وكل إستطلاعات الرأي تقريباً تحمل له أنباء سيئة بالنسبة إلى تراجع التأييد لحزب العدالة والتنمية الحاكم. 

وما يريد أردوغان تجنبه في 2023، هو تكرار سيناريو الإنتخابات المحلية عام 2019، التي أفقدته بلديات المدن الرئيسية، ولا سيما اسطنبول وأنقرة. ولم يعد تحالفه مع حزب العمل القومي اليميني المتشدد بزعامة دولت بهشتلي، يشكل رافعة يمكن أن تنقذه من إحتمال فقدان الغالبية في البرلمان. كما زادت الإنشقاقات التي شهدها الحزب الحاكم من تردي شعبيته. وباتت شخصيات بارزة خارج الحزب، من أمثال عبدالله غول وأحمد داود أوغلو وعلي باباجان.   
وعلاوة على ذلك رزح الإقتصاد التركي في الأعوام الأخيرة تحت عبء الركود، بينما السياسات المالية التي تشبث بها أردوغان قد أثبتت فشلها. ولم يفلح تغيير ثلاثة حكام للمصرف المركزي في أقل من عامين في إنقاذ الليرة من الهبوط إلى مستويات قياسية أمام الدولار. والوعود الكبيرة التي تعود أردوغان أن يطلقها أمام الأتراك، فقدت سحرها على وقع الصعوبات الإقتصادية اليومية التي يعيشونها.   
وجزء كبير من التراجع الإقتصادي، تسببت به العزلة التي وقعت بها تركيا نتيجة السياسات والرهانات الخارجية لأردوغان في السنوات العشر الأخيرة. من معاداة مصر ودول الخليج العربية إلى التورط في الحرب السورية وإحتلال أجزاء من سوريا، إلى التدخل العسكري المتكرر في شمال العراق، إلى إرسال قوات ومرتزقة إلى ليبيا وأذربيجان. 

وتفاقمت هموم أردوغان الخارجية مع الإندفاع نحو التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط من دون التنسيق مع قبرص واليونان ومصر التي تتقاطع حدودها البحرية مع الحدود البحرية التركية. ودفع التوتر في شرق المتوسط الإتحاد الأوروبي إلى مساندة قبرص واليونان والتلويح بفرض عقوبات على أنقرة، بينما كان خطاب العداء يزداد حيال فرنسا التي وقفت بحزم مع أثينا ونيقوسيا. 

والمتغير الآخر، الذي دفع أردوغان إلى مراجعة سياساته، كان وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. وبخلاف دونالد ترامب الذي أبدى تسامحاً ملحوظاً بإزاء سلوك أردوغان في الداخل على صعيد قمع الحريات وسجن الصحافيين والتضييق على المعارضة، فإن بايدن يبدي إهتماماً أكبر بقضايا حقوق الإنسان، ولا يبدو أنه يميل إلى التساهل حيال الهجمات على أكراد سوريا على غرار ما فعل سلفه، أو حيال شراء أنقرة النظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400".   

أمام هذا المتغير الأمريكي والتردي الداخلي، وجد أردوغان نفسه مضطراً إلى إعادة النظر في سياساته الإقليمية، بهدف فك العزلة التي أوقع بها تركيا، فكانت خطوات الإنفتاح على مصر مترافقة مع إرسال إشارات إيجابية حيال المملكة العربية السعودية، بينما تراجع عن التنقيب في المتوسط وشرع في حوار مباشر مع اليونان لتخفيف التوتر بين البلدين.   

اليوم، يحاول أردوغان أن يبعث برسالة مفادها أنه مستعد للإنقلاب على السياسات التي إتبعها منذ عشرة أعوام. ويبقى هدفه في نهاية المطاف هو التشبث بالسلطة وسلوك أي طريق يؤمن له هذا الهدف ولو كان ثمنه الإنقلاب على نفسه.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية