لن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين

لن تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين


28/10/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

مع انسحاب القوّات العسكريّة الأمريكيّة من أفغانستان، بات الاهتمام كثير من برصد أيّ نشاط إرهابيّ داخل أفغانستان والعمل المحتمل ضدّه،  وكان وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قد صرح في شهادته أمام الكونغرس، في نيسان (أبريل)، بأنّ الانسحاب العسكريّ من شأنه أن يُقلل من "القدرة على جمع التّهديدات والتّصرّف على أساسها" في أفغانستان، وفي شهادته، الشّهر الماضي، أعرب مدير مكتب التّحقيقات الفيدراليّ، كريستوفر راي، عن قلقه من أنّ الجماعات الإرهابيّة الأجنبيّة "ستُتاح لها فرصة لإعادة التّشكيل والتّخطيط والإلهام في فضاء يصعب علينا جمع المعلومات فيه ومحاربته ممّا كان عليه الحال في السّابق".

أصبح يُنظَر إلى القوّات الأمريكيّة في أفغانستان، من قِبل العديد من الأفغان وأولئك الّذين تعاطفوا معهم، كقوّات احتلال وليس تحرير أو استقرار

بشكل مفهوم ومناسب، سيركّز رؤساء الوكالات الأمريكيّة المسؤولة عن جمع المعلومات عن الجماعات الإرهابيّة على تحدّيّات مثل هذا الجمع، لكنّ الخوف، على حدّ تعبير راي، من "ملاذ آمن للإرهابيّين يُعاد تشكيله" في أفغانستان يُعدّ شيئاً ينتمي إلى تاريخ الأمريكيّين الصّادم، مع هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، بالقدر الّذي قد تجد فيه جماعةٌ إرهابيّةٌ ما ملاذاً جغرافيّاً مفيداً، لا يوجد شيء مميّز في أفغانستان، إذا كانت هذه الجماعة تبحث عن مكان مليء بالنّزاع وبعض المتعاطفين المحلّيّين؛ حيث يمكن للخارجين عن القانون التّسكّع ويمكن للجماعة نصب خيمة، فهناك العديد من المواقع الأخرى في العالم للاختيار من بينها.

شنّ هجمات إرهابيّة دوليّة

والأهم من ذلك؛ أنّ الأبنية والمقرّات تُعدّ أحد العوامل الأقلّ أهميّة الّتي تُحدّد قدرة جماعة ما على شنّ هجمات إرهابيّة دوليّة، خاصّة تلك الجماعات الّتي تستهدف نصف الكرة الأرضيّة، وقد يكون الوصول إلى الأبنية والمقرّات مفيداً لجماعة منخرطة في تمرّدٍ أو حربٍ أهليّة، كما كانت القاعدة في أفغانستان قبل 11 أيلول (سبتمبر).

 لقد وفّرت البلاد مساحة لتدريب ومركزة المجنَّدين، الّذين شارك معظمهم في عمليّات عسكريّة داخل أفغانستان لدعم حركة طالبان خلال الحرب هناك، في أواخر التّسعينيّات من القرن الماضي.

لكنّ وجود أقليمٍ للجماعة الإرهابيّة لا يتعلّق كثيراً بالتّخطيط والتّحضير لهجوم إرهابيّ دوليّ، مثال على ذلك عمليّة 11 أيلول (سبتمبر) نفسها.

اقرأ أيضاً: حركة طالبان تحذر من موجات جديدة من النزوح لهذا السبب
 من الواضح أنّه كان لها علاقة بأفغانستان، لكن ليس بطرقٍ تنفرد بها أفغانستان عن غيرها، ومن الجدير بالذكر هنا؛ أنّ الاستعدادات للهجوم كانت متفرّقة جغرافيّاً.

تركّز تمويل أنشطة الخاطفين على اتّصالات إلكترونيّة بعيدة المدى لتنسيق تلك الأنشطة. وتمّت أهم الاستعدادات للهجوم في شققٍ في أوروبا، ومدارس طيران في الولايات المتّحدة، والفضاء الإلكترونيّ، أكثر ممّا تمّت من أفغانستان.

 

اقرأ أيضاً: داعش وطالبان.. تصاعد صراعات النفوذ والسيطرة

الحقيقة هي أنّ العديد من العوامل تؤثّر في احتماليّة وقوع الأمريكيّين ضحيّة للإرهاب الدّوليّ، وتشمل هذه العوامل مجموعة من الظّروف الاقتصاديّة والسّياسيّة في الأماكن الّتي يعيش فيها الإرهابيّون المحتملون. ووجد البحث الّذي أجراه روبرت بابي، على سبيل المثال، أنّ الدافع الوحيد الأكثر شيوعاً للإرهاب الانتحاريّ هو الاحتلال العسكريّ الأجنبيّ.

القوات الأمريكية كقوات احتلال

هذا الاكتشاف البحثيّ وثيق الصّلة بالولايات المتّحدة وأفغانستان، مثل القوّات السّوفيتيّة قبلها، أصبح يُنظَر إلى القوّات الأمريكيّة في أفغانستان، من قِبل العديد من الأفغان وأولئك الّذين تعاطفوا معهم، كقوّات احتلال وليس تحرير أو استقرار. وقد وقع الأمريكيّون في الآونة الأخيرة، من حيث أنّهم محتلّون متصوَّرون، ضحيّةً للإرهاب الدّوليّ، في تفجير انتحاريّ نفذه داعش في آب (أغسطس)، أسفر عن مقتل 13 من أفراد الخدمة الأمريكيّة خارج مطار كابول.

ليس الاحتلال العسكريّ فحسب، بل أيضاً الأذى الّذي يَلحق بالمدنيّين من العمليّات العسكريّة هو الدّافع وراء الإرهاب.

إنّ مقتل 10 مدنيّين أفغان أبرياء، بينهم سبعة أطفال، في أواخر آب (أغسطس)، بصاروخ أطلقته طائرة أمريكيّة بدون طيار هو مثال على نوع الضّرر الّذي وقع في كثيرٍ من الأحيان خلال ما يسمّى بالحرب على الإرهاب، بسبب إمّا خطأ في تحديد الهويّة، كما في هذه الواقعة، على سبيل المثال، أو أضرار جانبيّة لا يمكن تجنبها على ما يبدو من العمليّات الّتي تستهدف أهدافاً مشروعة.

إذا استؤنفت الحرب الأهليّة في الأشهر المقبلة، فمن الممكن أن تجد طالبان فائدة حتّى من تنظيم القاعدة الّذي هو أضعف بكثيرٍ اليوم من ذي قبل

قد تكون العمليّات العسكريّة، بما في ذلك العمليّات في أفغانستان، ولدت على الأقلّ من الإرهابيّين المناهضين للولايات المتّحدة، من خلال الغضب والرّغبة في الانتقام الّتي تحرّض عليها مثل هذه العمليّات، بقدر ما قضت على إرهابيّين.

حتّى لو كان الملاذ الآمن مهمّاً، فإنّ الفكرة القائلة بأنّه سيكون متاحاً للإرهابيّين الدّوليّين في أفغانستان تعتمد في الغالب على الشّراكة السّابقة بين طالبان والقاعدة.

تحالف في زمن الحرب

لم يُذكر في كثير من الأحيان كيف كانت تلك الشراكة تحالفاً في زمن الحرب، في وقتٍ كانت فيه طالبان تكافح من أجل هزيمة تحالف الشّمال المعارض وقهر الجزء الذي لم تسيطر عليه في أفغانستان.

 

اقرأ أيضاً: طالبان وباكستان: علاقة مضطربة تنخرها الشروخ والمخاوف

إذا استؤنفت الحرب الأهليّة في الأشهر المقبلة، فمن الممكن أن تجد طالبان فائدة حتّى من تنظيم القاعدة الّذي هو أضعف بكثيرٍ اليوم، لكن بقدر ما تؤمّن طالبان موقعها كحاكم جديد لأفغانستان بأكملها، فإنّ التّحالف القديم يفقد أهميّته.

إنّ تاريخ هذا التّحالف، إلى جانب العلاقات الشّخصيّة والعائليّة المختلفة، سوف يدعم الرّوابط بين عناصر طالبان، وما تبقّى من القاعدة، السّؤال ليس، كما يُصاغ في كثيرٍ من الأحيان، إمّا/ أو بشأن إذا ما كانت طالبان ستقطع كلّ هذه العلاقات، ما يهمّ بدلاً من ذلك هو الاتّجاه الّذي ستمارس فيه طالبان نفوذاً، بما في ذلك على القاعدة، ذي صلة بالإرهاب الدولي المحتمل.

بغضّ النّظر عن رأي المرء في طالبان، فإنّه يمكن الثّقة في أنّها ستعمل وفق مصلحتها المهيمنة المتمثّلة في الحفاظ على السّلطة السّياسيّة في أفغانستان، إنّها منفصلة للغاية، ولا تهتمّ بالإرهاب الدولي، ومن بين أقوى ذكرياتها كيف أسفرت عمليّة القاعدة، في 11 أيلول (سبتمبر)، عن أكبر كارثة عانت منها طالبان على الإطلاق، حيث تمّ طردها من السّلطة وعكس عقدين من الزّمن من سعيها لحكم أفغانستان بالكامل، لديها كلّ مصلحة في عدم السّماح بحدوث ذلك مرّة أخرى، فضلاً عن الاستمرار في كونها العدوّ الّلدود للفرع الأفغانيّ لداعش.

بسبب صدمة 11 أيلول (سبتمبر)؛ فإنّ الخوف من الإرهاب المنبثق من أفغانستان سيبقى إلى الأبد في أذهان الأمريكيّين، ربما يكون الخوف من التّداعيات السّياسيّة لحادث إرهابيّ مستقبليّ مرتبط بطريقة أو بأخرى، وإن كان ضعيفاً، بأفغانستان جزءاً ممّا دفع ثلاثة رؤساء أمريكيّين إلى إبقاء القوّات هناك قبل أن يوقف جو بايدن أخيراً العمليّة.

لا توجد ضمانات حول كيفيّة تأثير السّياسات تجاه أفغانستان على خطر الإرهاب ضدّ الأمريكيّين، لكن بالنّظر إلى جميع العوامل ذات الصّلة، وليس مجرّد عامل أو اثنين، فإنّ هذا الخطر يصبح أقلّ بخروج الجيش الأمريكيّ من أفغانستان ممّا كان عليه مع بقائها هناك.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

بول بيلار، فورين بوليسي، 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2021

https://foreignpolicy.com/2021/10/03/afghanistan-isnt-good-terrorist-real-estate/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية