مأساة لاعب من عالم الشهرة إلى غياهب السجن

مأساة لاعب من عالم الشهرة إلى غياهب السجن

مأساة لاعب من عالم الشهرة إلى غياهب السجن


27/07/2023

كثيرة هي حكايات الساحرة المستديرة، التي رفعت نجومها إلى عنان السماء، وأسدلت الستار على حياة آخرين، لم يتمكنوا من استيعاب ما قدمته لهم من شهرة ونجومية وأموال.

وتعد حكاية محمد عباس، نجم الأهلي الأسمر، في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، من أبرز القصص الدرامية، في تاريخ نجوم كرة القدم.

ظهر محمد عباس في صفوف النادي الأهلي، في موسم 1978/ 1979، وانفجرت موهبته في مطلع الثمانينيات، وسرعان ما لفت الفتى الأسمر الأنظار إليه، نظراً لتميزه بالقدرة الهائلة على المراوغة وتسجيل الأهداف، بالإضافة إلى حركته السريعة ورشاقته وسرعة رد الفعل في إنهاء الهجمات، كما كانت لديه القدرة على التسجيل بكلتا القدمين وبالرأس ومنح التمريرات الحاسمة.

عباس الذي ينحدر من أصول اجتماعية متواضعة، سرعان ما شكل ثنائية قوية مع أسطورة الأهلي محمود الخطيب، رئيس النادي الحالي، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لكن القصة السعيدة لم تستمر طويلا.

بزغ نجم محمد عباس وهو في عمر الـ18، خلال لقاء ودي خاضه رفقة النادي الأهلي أمام فريق ساوثهامبتون الإنجليزي، وفاز الأهلي 2/صفر، وأحرز محمد عباس هدفا رائعاً جعل جماهير الأهلي تتعلق بالجوهرة السمراء، وتحمله على أعناقها مستبشرة فيه نجم المستقبل، وأصبح بعدها عباس من أعمدة الفريق الرئيسية. لكنّ ذروة تألق اللاعب جاءت في موسمي 1978-1979 و1979-1980، حيث سجل في الأول 13 هدفاً، وفي الثاني 11 هدفاً، وحلّ في المركز الثاني بين هدافي الفريق خلف الخطيب في الموسمين. ونال عباس إعجاب مدرب الأهلي الشهير هيديكوتي، وظلّ اللاعب أساسياً مع الفريق حتى العام 1983، قبل أن تبدأ المشكلات، ويتسبب في أكبر أزمات الأهلي، ثم ينضم للمصري البورسعيدي، قبل أن تبلغ الدراما ذروتها في حياة النجم الشهير.

لم يستطع محمد عباس استيعاب حياة الشهرة والنجومية، وسرعان ما أدمن سهرات الليل في الملاهي الليلية، ما جعله يتعرض لتذبذب في المستوى، وأثار نمط حياته غضب إدارة الأهلي، التي وجهت له إنذراً تلو الآخر؛ من أجل ضبط أمور حياته.

وللأسف، جرفته حياة الليل، وعرف طريقه إلى إدمان المخدرات، وعن ذلك يقول عباس: "خلال إحدى السهرات مع أصدقائي، عرض عليّ سيجارة بها مخدر الحشيش، ولم أمانع، وشعرت بعدها بأنّني سعيد، ومن هنا بدأت مسيرتي مع عالم المخدرات". ونظراً لمهاراته الفائقة، وقوته البدنية، حاول محمود السايس ومحمود الجوهري مدربا الأهلي تقويمه أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يعد بالالتزام، ثم تذهب الوعود أدراج الرياح.

في شباط (فبراير)العام 1985، اتخذ مجلس الإدارة قراراً بشطب محمد عباس من سجلاته، نظراً لغيابه المتكرر، لكنّ زملاء اللاعب، وعلى رأسهم الخطيب توسطوا له للعودة، فوافق صالح سليم على اقتراح المدرب محمود السايس، بمنح عباس فرصة أخيرة، واشترط صالح سليم أن يستمر العمل بقرار الشطب، على أن ينتظم عباس في المران، وبالفعل عاد عباس للمران وأقسم على التوبة، وعاد للتدريب مع الفريق، لكنّه سرعان ما عاد لسيرته الأولى، ولم يلتزم بالشكل الكامل في التدريبات.

 انتهى الموسم، واستقال محمود السايس، وجاء الكابتن محمود الجوهري على رأس الإدارة الفنية للأهلي، وطالب بالسماح لمحمد عباس بالمران مع الفريق، وهو ما رفضه هاني مصطفى مدير الكرة، وهو ما استفز الجوهري، والذي طالب بسفر اللاعب مع الفريق الأول لألمانيا، في معسكر الإعداد، وإلّا فإنه شخصياً لن يسافر مع الفريق، وهدّد بالاستقالة. وبعد مداولات، أخذ الجوهري وعداً من وكيل النادي، بأنّ يلحق اللاعب بمعسكر الفريق في ألمانيا، لكن اللاعب لم يسافر، وهنا غضب الجوهري، واتصل بصالح سليم في لندن، والذي أخبره أنّ قرار مجلس الإدارة واجب الاحترام.

وسرعان ما انفجرت أزمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأهلي، حيث رفض الجوهري أن يخوض مباراة دور الثمانية في كأس مصر أمام الزمالك، وقدم استقالته، كما ظهرت بوادر تمرد من اللاعبين، وهنا كان قرار الإدارة بخوض المباراة بالناشئين، وكانت المفاجأة هي فوز الصغار بقيادة حسام حسن، على نجوم الزمالك بقيادة فاروق جعفر، (3-2).

انتهت الأزمة بخروج عباس من الأهلي، وانضمامه إلى المصري البورسعيدي، وعاد لسيرته الأولى، حتى ضبطته الشرطة في إحدى الشقق المفروشة، وهو يتعاطى المخدرات رفقة عدد من أصدقاء السوء، وتمّ حبسه، ولكنّه هرب من السجن خلال أحداث الأمن المركزي الشهيرة، في العام 1986، وبعد هروبه قام محمد عباس بتسليم نفسه إلى السلطات المصرية، ثم أعيدت محاكمته وتمّت تبرئته نظراً لقصور في الإجراءات، ولكن تمّ القبض عليه مرة أخرى، وحكم عليه بالسجن وتم تنفيذ الحكم.

انتهت حياة عباس كلاعب كرة إلى الأبد، وسرعان ما نال منه الفقر والمرض، لكنّ محمود الخطيب، رئيس الأهلي، لم ينس رفيقه في الملاعب، مدركاً أنّ الإنسان خطاء، وأنّ العقوبة لا يجب أن تستمر إلى الأبد، فقرر رئيس النادي الحالي، تخصيص معاش له بصفته أحد النجوم القدامى للفريق.

في ظهور أخير لعباس، وجه رسالة إلى جماهير الأهلي قائلاً: "أعتذر للجماهير، لقد أسأت للاعبي الأهلي بتصرفاتي الصبيانية، وأنا أعلم ذلك، ولن أخادع نفسي".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية