ماذا بعد تفويض برلمان أردوغان بالعدوان على ليبيا؟

ماذا بعد تفويض برلمان أردوغان بالعدوان على ليبيا؟


05/01/2020

خورشيد دلي
تفويض البرلمان التركي بالعدوان على ليبيا وفق مذكرة الرئيس أردوغان لم يكن مفاجئاً، فقد كان متوقعاً في ضوء التحالف القائم بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المتطرف، وهو تحالف نتج عن حسابات داخلية تتعلق بالسلطة في الداخل وبالأيديولوجية القومية التركية المتطرفة من جهة ثانية، وهي أيديولوجية تشكل مزجاً فريداً بين الطورانية التركية والعثمانية البائدة والإسلام السياسي. السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، ماذا بعد هذا التفويض؟ وماذا عن سيناريوهات التدخل العسكري في ليبيا؟

ثمة من يرى أن هذا التفويض وضع أردوغان أمام ثلاثة سيناريوهات.                                                     

الأول: سيناريو الغزو الشامل لليبيا، ويتطلب هذا السيناريو إرسال مختلف القوات العسكرية والأسلحة بأنواعها، وهدفه احتلال ليبيا، لتصبح قاعدة عسكرية تركية في أفريقيا التي يطمح أردوغان للسيطرة عليها في إطار أطماعه العثمانية التوسعية.                 

الثاني: إرسال مجموعات مسلحة إرهابية مؤلفة من جماعات مرتزقة من السوريين وغير السوريين تحارب في سوريا، تحت رعاية الجيش التركي، إضافة إلى جماعات مسلحة تركية غير نظامية، لا سيما جماعة أو شركة سادات التي تقوم بأعمال حربية سرية على غرار جماعة فاغنر الروسية وبلاك وتر الأمريكية، حيث تدرب هذه الجماعة سنوياً ما يقارب ثلاثة آلاف عنصر، مهمتهم القيام بأعمال القتل والاغتيال والاختطاف في الداخل والخارج، وهي جماعة تعمل تحت إشراف الاستخبارات التركية وبمثابة جيش سري لأردوغان، وهدف هذا السيناريو هو إعاقة الجيش الوطني الليبي من تحرير العاصمة طرابلس من الجماعات المسلحة، التي تعمل بإشراف حكومة الوفاق التي رهنت ليبيا لاتفاق أردوغان – السراج.   

الثالث: سيناريو القيام بعملية مدروسة من خلال إرسال أعداد محدودة من القوات لمنع إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة في طرابلس، وهدف هذا السيناريو مزودج، فهو من جهة لحماية الاتفاق مع السراج، ومن جهة ثانية إنتاج نظام سياسي هش في ليبيا يعترف بالجماعات المسلحة في طرابلس ويؤمن لها دور في المستقبل السياسي لليبيا، ما يعني إقامة دويلة داخل الدولة الليبية، ولعل أردوغان يعتمد في هذا السيناريو على إمكانية عقد صفقات مع دول غربية وربما دول مجاورة لليبيا على أساس أن هذا السيناريو يخدم الحل السياسي.

في جميع الأحوال، السيناريوهات السابقة تحقق لأردوغان مجموعة من الأهداف، التي يمكن تلخيصها في ثلاثة أهداف أساسية: الأول: حل لمشكلاته الداخلية المتفاقمة، التي تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بتآكل حزب العدالة والتنمية بعد انشاق كبار قادته عنه وتأسيس أحزاب جديدة من رحم العدالة والتنمية، بما يمهد لإمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، قد تضع نهاية لمسيرة أردوغان السياسية.

الثاني: تقوية موقف أردوغان في سوريا والعراق، إذ أن ما يجرى في إدلب حيث حملة الجيش السوري بدعم روسي مباشر لاستعادة السيطرة عليها، باتت تشكل تحدياً كبيراً لأردوغان واختباراً لمصداقيته ولعلاقاته مع نظيره الروسي بوتين في الملف السوري.

الثالث: فرض تركيا على طاولة الدول التي تبحث مصير الطاقة في البحر الأبيض المتوسط وخطوط إمدادها إلى أوروبا، إذ يدرك أردوغان جيداً أن الجهود والاتفاقات والمشاريع التي جرت حتى الآن أبقت تركيا خارج هذه الطاولة، في حين تزداد حاجة تركيا إلى الطاقة، لا سيما أن عمليات التنقيب لم تسفر حتى الآن عن اكتشاف كميات من الطاقة في الشواطئ التركية.

في الواقع، ما يشجع أردوغان على السير في عدوانه هذا، هو الموقف الدولي الباهت، وهو موقف أقرب إلى المتفرج رغم مخاطر هذا العدوان على أمن أوروبا ومستقبل الطاقة، وكذلك الموقف العربي الضعيف والمشتت، وهو موقف لا يرتقي إلى مستوى مخاطر العدوان التركي، إذ إنه يهدد الأمن القومي العربي، لا سيما دول الجوار العربي لليبيا، فضلاً أن أحلام أردوغان تصل إلى حد فرض الهيمنة على الدول الأفريقية التي حدودها الجغرافية هشة، وفيها سيولة اجتماعية بشعارات إسلامية براقة وسطحية، يعرف أردوغان كيف يستغلها، وهو ما يشكل خطراً استراتيجياً بعيد المدى على أمن القارة الأفريقية.                                           

دون شك، تفويض البرلمان التركي بإرسال قوات وأسلحة إلى ليبيا يشكل إيذاناً بالعدوان المباشر على هذا البلد المهم، الذي يعوم فوق كميات هائلة من الطاقة، ومن شأن هذا العدوان ليس فقط انتهاك القانون الدولي والقرارات الدولية بخصوص ليبيا وأنما زيادة الصراع العسكري في ليبيا، وفتح الباب أمام حرب إقليمية مفتوحة، فأردوغان لم يستفد من تجربته في سوريا، ويريد تكرار هذه التجربة في ليبيا، وعليه الأزمة الليبية لم تعد تقبل التأجيل أو الانجرار إلى سيناريوهات أردوغان السابقة، وهي أزمة لم تعد سياسية بعد أن رهنت الجماعات المسلحة في طرابلس وحكومة السراج نفسيها للاطماع التركية، وإنما باتت في الجوهر أزمة عسكرية، وحلها لن يكون إلا عسكرياً من خلال إنهاء سيطرة هذه الجماعات لصالح بناء نموذج وطني ليبي ينطلق من مصلحة الليبين أولا وأخيرا، وتكون مدخلاً لبناء الدولة الليبية الجديدة وتحقيق الاستقرار في الداخل ومع الجوار الجغرافي.

عن "العين" الإخبارية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية