ماذا تعني مبادرة (اللُحمة) الإخوانية في الجزائر؟

ماذا تعني مبادرة (اللُحمة) الإخوانية في الجزائر؟

ماذا تعني مبادرة (اللُحمة) الإخوانية في الجزائر؟


27/08/2023

عقدت حركة (البناء) الإخوانية في الجزائر مطلع الأسبوع الماضي الندوة الوطنية لمبادرتها الموسومة "تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل" بمشاركة (28) حزباً ونقابة وجمعية، فما الدلالات؟

في تصريحاته بالمناسبة، ذكر قائد (البناء)، وزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، أنّ المبادرة "ليست حدثاً ظرفياً أو رهاناً حزبياً، بل هي التزام جماعي مسؤول ورسالة جزائرية واضحة للداخل والخارج"، وأشار إلى أنّ المبادرة تسعى إلى "تعزيز قيم التلاحم الوطني والتعبئة الجماعية لحماية الوطن من أيّ استهداف".

يشدد الباحث الجزائري في الإسلاميات عدّة فلاحي على أنّ حركة البناء تريد أن يصبّ "خراج" مبادرة اللُّحمة الوطنية في "صندوقها"، ويعتقد جازماً أنّ "الاستثمار في الأزمات أضحى ثقافة وسلوك الطبقة السياسية بالجزائر"

وفي مغازلة لحاكم البلاد، ثمّن عبد القادر بن قرينة، (61) عاماً، "احتضان الرئيس تبون لكل المساعي الوطنية الرامية إلى تمتين الجبهة الداخلية ورصّ الصف الوطني"، مبرزاً "أهمية ترقية هذا الاحتضان إلى فضاء لحوار وطني يستوعب كافة القوى الوطنية حول رهانات الوطن وتحدياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

الاستثمار في الأزمات

يشدّد الباحث الجزائري في الإسلاميات عدّة فلاحي على أنّ حركة البناء تريد أن يصبّ "خراج" مبادرة اللُّحمة الوطنية في "صندوقها"، ويعتقد جازماً أنّ "الاستثمار في الأزمات أضحى ثقافة وسلوك الطبقة السياسية بالجزائر"، ويعزو ذلك إلى "الفقر في الخلق والإبداع والتطوع".

وفي تصريحات خاصة بـ (حفريات)، تساءل النائب البرلماني السابق: "هل سمعنا حزباً أو تنظيماً بعد فصل الحرائق التي شهدها الوطن قام بحملة تشجير مثلاً، فهذا دليل على أننا نتكلم أكثر ممّا نعمل، وهذا الذي شهده (كرنفال) قاعة عبد اللطيف رحال ذكّرنا بـ (كرنفالات الكادر) التي جنت على أمتنا".

عدّة فلاحي: حركة البناء تريد أن يصبّ "خراج" مبادرة اللُّحمة الوطنية في "صندوقها"

وتابع فلاحي: "المشهد ونوعية الحضور والخطاب في تجمع (البناء) يعطيك صورة سوداوية تسيء للدولة وللفعل السياسي، وليس هكذا تتحقّق اللحمة الوطنية التي لا تتجسد إلّا بعدما تقوم مؤسسات الدولة بواجباتها مع مواطنيها حتى يكونوا راضين".

وركّز فلاحي على أنّ "أكبر وأحسن ترمومتر لسلامة اللحمة الوطنية هو رضا المواطن، وليس رضا من يشغلون القاعات، والذين لهم حسابات خاصة بهم، وإن كانت قلوبهم شتى".

المرض السياسي وتوقيت الرئاسيات

لاحظ المحلل السياسي يونس بن شلابي أنّ المثير في مبادرة التلاحم هو "إبراز المشاركين وجود أزمة سياسية مستمرة ومتفاقمة لم تستقر على توافق وطني قبل الحراك الشعبي، وحتى بعد رئاسيات 2019، وهذا الطرح المتعلق بتقوية الجبهة الوطنية ـ بحسبهم ـ يؤكد أنّ الخطر ما يزال قائماً في تهديد الدولة ومؤسساتها".

ويعتقد يونس بن شلابي أنّ "هاته الطبقة السياسية في الجزائر، التي تعود جذورها إلى نشأة التعددية الحزبية العام 1989، "مريضة سياسياً"، لأنّها تسعى دوماً للانغماس في التحليل والإلغاء والإقصاء، عوض طرح بديل سياسي جديد يتماشى مع الأجيال المتتابعة".

ويتصور أنّه "ليس من الحكمة أن يكون التغيير في الأحزاب متوقفاً على الجيل الأول من المناضلين الذين تأقلموا مع الفساد السياسي والنقاش الإيديولوجي والانتقاء الجهوي".

ويرى أنّ "هاته المبادرة هي نوع جديد من الفساد السياسي والنقاش العقيم، فهي محاولة للظهور والتأقلم أكثر منها مبادرة سياسية صريحة، والدليل أنّ النشاط السياسي ظلّ محتشماً طوال فترة الحكم الأولى (2019-2024) للرئيس عبد المجيد تبون، مع تصاعد الاهتمام السياسي والإعلامي بمكونات المجتمع المدني".

محلل سياسي: ليس من الحكمة أن يكون التغيير في الأحزاب متوقفاً على الجيل الأول من المناضلين الذين تأقلموا مع الفساد السياسي والنقاش الإيديولوجي والانتقاء الجهوي

ويربط محدّثنا ما تقدّم بـ "توجّه السلطة نحو احتكار الساحة الوطنية عبر آليات قانونية صارمة بينها منع التبعية العضوية بين الأحزاب والنقابات والجمعيات، بحكم أنّ الأخيرة ظلّت قوة الضغط الميداني والحيوي للأحزاب السياسية منذ تسعينيات القرن الماضي".  

ومن جانب التوقيت الذي يتزامن مع بدء التحضير لانتخابات الرئاسة المرتقبة في كانون الأول (ديسمبر) 2024، تطرح مبادرة (البناء) بمنظور يونس بن شلابي "تساؤلات حول الغموض الذي بات يكتنف النظام الجزائري عشية كل موعد رئاسي، وهو ما يسمح بتشتيت الطبقة السياسية والاجتماعية حتى يسهل تمرير الخيار الذي يراه النظام ملائماً داخلياً وخارجياً".

موجة سخرية

أفرزت مبادرة (البناء) موجة سخرية في شبكات التواصل الاجتماعي، وعلّق البروفيسور محمد هنّاد متهكّماً: "هؤلاء الذين يتكلمون عن (اللحمة الوطنية)، هل اللحمة في نظرهم بالضمّة أم بالفتحة؟"، وعقّب الأديب عبد العزيز غرمول: "طبعاً بالفتحة، هم لا يعرفون معنى الضمّ وأفواههم مفتوحة"، وعقّب الناشط خير الدين ودّاد: "هي لحمة مشدودة"، كما تفاعل حسان آيت قاسي بقوله: "لحم القديد، ولم ينجُ".

يونس بن شلابي: ليس من الحكمة أن يكون التغيير في الأحزاب متوقفاً على الجيل الأول من المناضلين

من جهته، صنّف مصطفى بوخاري ما تمارسه (البناء) وشقيقاتها في سياق "الجري على اللقمة"، وأردف عبد القادر شارف: "الأمر لا يتعلق بقطعة لحم صغيرة، بل بواحدة ضخمة (الهبرة)... هم بحاجة إلى الفحم كي يحضّروا طبق (المجمّر)"، وسجّل كريم سرير أنّ مآدب (البناء) لا تستوي إلّا مع "المزيد من البهارات وقليل من الملح فوق الشوّاية وحطب الزيتون".

واستطرد شارف: "ما حدث في لقاء (البناء) يذكّرني بما كان يقع قديماً في سوق عكاظ، ومباريات الشعر ومجالس المدح، ثمّ التكريم بـ (100) ناقة و(2000) درهم"، وأيّده محمد بلحيمر ساخراً: "اللَّحمة في القصعة الوطنية"، بينما رأى حمزة بلعزوق أنّ المشكلة في كونهم "لا يرغبون في الشبع".

من جانبه، لاحظ محمد روان أنّ (ظاهرة الكاشير) التي أفرزها المتزلّفون زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عادت بقوة، في حين ذهبت حفيظة نور الأمل إلى أنّ الأمر يتعلق بـ "الغنيمة"، وخلص محمد بوراي إلى أنّ "الأهمّ في نهبهم أموال الشعب الفقير".

من جهته، علّق علي قسايسية: "من طبيعتهم البحث عن الفتحة منهم أو إليهم، أمّا الضمّ، فهو مضمون إليهم، ومجرور بالكسرة الظاهرة على آخره"، وأشار عبد القادر فلاحي إلى أنّ "المهمّ كان الالتزام المؤدي إلى الالتصاق الذي يجعل الإنتاج الديموغرافي وفيراً".

وأكّد عبد المجيد يوبي أنّ مبادرة (البناء) تقفز من التلاحم إلى ثالوث "التشاحم والتفاحم والتآكل"، وشاطره عبد الرحيم زاغز: "هناك مثل قديم فحواه: اللحم مع اللحم وربي يرحم، وليس عندك ما تفهم"، كما ردّد عبد الرزاق بن إسماعيل أنّ تجمعات (البناء) تجري تحت يافطة "اللّحمة والشّحمة واللحومات اللحيمة".

ملصق المبادرة

ولفت مراد بلهوشات إلى أنّ (المأدبة) التي احتضنها المركز الدولي للمؤتمرات بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية "تفيد معنى السكون، فبعدما أكلوا دراهم الشعب، هم يتجهون لأكل لحم الشعب".

وانتهى الناشط جميل بلقاسم إلى أنّ "اللُّحمة بالضمّة لا ولن تتحقق إلّا بالتوافق الوطني، حتى وإن حُدّد يوم بهذا الاسم، فهؤلاء لا يبكون على اليتامى من عامة الشعب، أمّا إذا كانت بالفتحة، فاعلم أنّ من ذكرناهم، هم عنها مُبعدون".

مواضيع ذات صلة:

قصة إيقاف وإعادة الإمام الإخواني في الجزائر

الجزائر: ما حقيقة علاقة الطاهر وطار وجماعات الإسلام السياسي؟

ما مسؤولية الإخوان في إدارة الجبهة الاجتماعية بالجزائر؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية