ماذا يعني تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية مصنفة بشكل خاص"؟ وما تداعياته؟

ماذا يعني تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية مصنفة بشكل خاص"؟ وما تداعياته؟

ماذا يعني تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية مصنفة بشكل خاص"؟ وما تداعياته؟


24/01/2024

تراجعت الإدارة الأمريكية عن قرار اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن في بداية فترة رئاسته بحذف جماعة الحوثيين من القائمة الإرهابية؛ بسبب مخاوف من الإضرار بآفاق محادثات السلام وإلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اليمني في بلد يواجه شبح المجاعة، لتعيد تصنيفها مرة أخرى "جماعةً إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص"، على أن يدخل التصنيف حيّز التنفيذ في 15 شباط (فبراير) المقبل.

وأوضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أنّ الهجمات الأخيرة التي شنّتها الجماعة على القوافل الخاصة بالشحن في البحر الأحمر "تتناسب مع التعريف التقليدي للإرهاب"؛ ومع ذلك، أشارت الإدارة الأمريكية إلى أنّه إذا أوقفت الجماعة هجماتها في البحر الأحمر، فيمكن النظر في حذف التصنيف.

في ضوء ذلك، سعت ورقة بحثية أصدرها مركز (تريندز للبحوث والاستشارات) بعنوان "تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية"... "نِصف قرار، أم خطوة لها ما يتلوها؟ للإجابة عن مجموعة من الأسئلة؛ من بينها: ما الفرق بين تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص" (SDGT)، وبين تصنيفها "جماعة إرهابية أجنبية" (FTO)؟ وكيف تعاملت إدارة (بايدن) مع مسألة فرض العقوبات على جماعة الحوثيين؟ وهل من شأن التصنيف أن يؤثر في قدرات الحوثيين، ويدفعهم في آخر الأمر إلى وقف هجماتهم ضدّ حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر؟

تصنيفان مختلفان، أم عقوبات متدرجة؟

وبحسب الورقة البحثية، فإنّ تصنيف "جماعة إرهابية مصنّفة بشكل خاص" أقلّ من حيث حدّة وشدة ونطاق العقوبات المفروضة من تصنيف "منظمة إرهابية أجنبية" "FTO"، وذلك من (3) أوجه:

 يُجرّم القانون الفيدرالي الأمريكي تقديم "الدعم المادي أو الموارد" لمنظمة إرهابية أجنبية FTO؛ الأمر الذي يدفع البنوك العالمية وشركات التأمين والشركات الأخرى إلى قطع جميع علاقاتها مع هذه المنظمة. ولا ينطبق الشيء ذاته على تصنيف "منظمة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص" SDGT، حيث إنّ تقديم مثل هذا الدعم يتطلّب قبل كل شيء إجراء تحقيق في الأمر.

هدف تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية هو "القضاء على تمويلهم وتسليحهم"

كما لا يُسمح تلقائياً بدخول أعضاء منظمة إرهابية أجنبية FTO إلى الولايات المتحدة، ولا ينطبق هذا على تصنيف "منظمة إرهابية عالمية مصنَّفة بشكل خاص"؛ بمعنى أنّه قد يُسمح بدخول أعضاء المنظمة إلى أمريكا في الحالة الأخيرة؛ للمشاركة في أيّ أنشطة دبلوماسية، أو سياسية.

هذ، ويتمكن ضحايا الهجمات الإرهابية، والناجون منها، من رفع دعاوى مدنية ضد الجماعات المصنَّفة "منظمة إرهابية أجنبية" FTO وضد الكيانات التي تدعمها؛ ممّا يضمن العدالة للضحايا، وزيادة الضغط المالي على هذه الجماعات، لكن لا يمكن مقاضاة الكيانات المصنَّفة ضمن تصنيف "منظمة إرهابية عالمية مصنَّفة بشكل خاص"، إلا بموجب قوانين وإجراءات أخرى.

 

تصنيف "جماعة إرهابية مصنّفة بشكل خاص" أقلّ من حيث حدّة وشدة ونطاق العقوبات المفروضة من تصنيف "منظمة إرهابية أجنبية".

 

وبعيداً عن الجوانب القانونية، فإنّ القرار الأمريكي بشأن تصنيف الحوثيين يشير إلى أنّ إدارة بايدن، في ظل هجمات الحوثيين، قرّرت أن تُزاوج بين العمل العسكري والعمل السياسي والعمل الاقتصادي؛ للضغط على الجماعة. 

فبعد أن شكّلت إدارة بايدن في كانون الأول (ديسمبر) 2023 تحالفاً دولياً تحت اسم "عملية حارس الازدهار" لحماية الملاحة الدولية ضد هجمات الحوثيين، قرّرت تصنيفهم "إرهابيين مصنَّفين بشكل خاص"؛ لتعطيل وصولهم إلى الأسواق المالية الدولية. 

ويبدو أنّ الإدارة قرّرت الاحتفاظ بخيار تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، ربّما كورقة أخيرة، وحتى تترك المجال للجهود الدبلوماسية؛ إذ إنّ تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية" FTO يمنع الانخراط في "الدبلوماسية" معهم.

كيف تعاملت إدارة بايدن مع مسألة التصنيف؟

وبحسب الدراسة، فإنّ نهج إدارة بايدن في التعامل مع جماعة الحوثيين، وكيفية تصنيفهم، قد اختلف عن نهج إدارة ترامب، فقد أصدرت الأخيرة في الساعات الأخيرة من عمرها، في كانون الثاني (يناير) 2021 قراراً بتصنيف الجماعة "منظمة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص" SDGT، و"منظمة إرهابية أجنبية" FTO، معاً.

وقد جاء قرار ترامب آنذاك بعد فترة شهدت مطالبات من المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن بالامتناع عن اتخاذ قرار بذلك. فبالرغم من أنّ الحوثيين كان ينطبق عليهم كافة شروط التعريف القانوني لتطبيق تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، فإنّ إدارة ترامب امتنعت في البداية عن التصنيف بناءً على طلب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي قَدّر أنّ ملايين المدنيين سيموتون بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المساعدات، إذا لم يتمكن البرنامج من العمل من خلال الحوثيين لتقديم المساعدة في المناطق التي يسيطرون عليها في البلاد.

 

يتمكن ضحايا الهجمات الإرهابية والناجون منها من رفع دعاوى مدنية ضد الجماعات المصنَّفة "منظمة إرهابية أجنبية" FTO وضد الكيانات التي تدعمها.

 

غير أنّ إدارة بايدن سرعان ما ألغت قرار إدارة ترامب في شباط (فبراير) 2021 جزئيّاً؛ للسماح للمسار الدبلوماسي بتسوية الحرب الأهلية المستمرة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليّاً، وبين الحوثيين. 

وكان لدى الرئيس بايدن هدفان: الأوّل تمكين منظمات الإغاثة من تقديم المساعدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، والآخر إظهار حُسن النية تجاه الحوثيين، وهو الأمر الذي كانت تأمل إدارة بايدن من ورائه أن يحفّزهم على المشاركة بحُسن نيّة في المحادثات السياسية. 

ولكن بعد (3) أعوام من تردّد الحوثيين في هذه المحادثات، يَعتقد فريق بايدن أنّ إعادة تصنيفهم لن يعرّض المحادثات للخطر أكثر ممّا يفعله تعنُّت الحوثيين، وهجماتهم على الملاحة الدولية.

ومع ذلك، فقد جاء القرار أقلّ ممّا كان متوقّعاً في الأوساط السياسية بشأن قرب تصنيف الجماعة "جماعة إرهابية أجنبية"، وذلك ربّما لتهدئة مخاوف وكالات الإغاثة من أن يُفضي مثل هذا القرار إلى مفاقمة الكارثة الإنسانية في اليمن، وكذلك منعاً لانهيار الهدنة القائمة في اليمن.

هذا، وحذّرت وكالات الإغاثة من إدراج الحوثيين ضمن المنظمات الإرهابية الأجنبية؛ إذ من شأن ذلك أن يُجرّم الدعم المادي للحوثيين، ويردع البنوك والشركات الأجنبية التي تتجنّب العقوبات من الاستمرار في القيام بأعمال تجارية في اليمن.

وبما أنّ سريان تصنيف الحوثيين سيدخل حيّز التنفيذ بعد (30) يوماً، من وقت صدور القرار، فإنّ المسؤولين الأمريكيين -بحسب مصادر وتقارير إعلامية- سيضمَنون إيجاد الإعفاءات والحماية القانونية لمجموعات المساعدات الإنسانية، ووكالات الإغاثة النشطة في اليمن؛ من أجل "تقليل العواقب الإنسانية" على البلاد.

أثر القرار الأمريكي على جماعة الحوثي

الورقة البحثية أكدت أنّ التصنيف ستكون له بعض الآثار على قدرات الحوثيين، ولا سيّما أنّه يمنح وزارة الخزانة الأمريكية القدرة على منع الحوثيين من الوصول إلى الأموال في الولايات المتحدة ومواقع أخرى داخل النظام المالي الدولي، وبصفة عامة يمكن الإشارة إلى ملمَحين رئيسيين:

الأوّل: يتعلق هذا الملمح بالتمويل أو بالحصول على المكونات اللازمة لتصنيع بعض الأسلحة، ففي حين أنّ الحوثيين ليس لديهم حسابات مصرفية أمريكية لتجميدها، فإنّهم يعتمدون على شبكة من الممولين والشركات الأمامية لتلقّي المكونات الازمة لتركيب الصواريخ والطائرات من دون طيار التي لديهم. وغالباً ما تكون مصادر هذه المكونات تجارية، ومتعدّدة الاستخدامات، وتشكل جزءاً من النظام المالي الدولي، ومن ثم تستطيع وزارة الخزانة الأمريكية الوصول إليها وعرقلتها، وهو ما قد يقلّص من قدرة الحوثيين على الحصول على هذه المكونات.

 

الإدارة قرّرت الاحتفاظ بخيار تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية" ربّما كورقة أخيرة، وحتى تترك المجال للجهود الدبلوماسية.

 

الثاني: إنّ التصنيف قد يسهّل استمرار توجيه الضربات العسكرية الأمريكية للحوثيين وتكثيفها؛ إذ قد يحتاج الرئيس بايدن إلى موافقة الكونغرس لمواصلة هذه الضربات. وفي هذا الحالة يمكن للإدارة أن ترفع دعوى قانونية أمام الكونغرس بأنّ تهديد الحوثي يستحقّ العمل العسكري المستمر؛ الأمر الذي يسمح لها بتوسيع نطاق الضربات ضد الحوثيين، بما قد يُفضي إلى إضعاف آلة الحرب الخاصة بهم.

وبرغم هذه التأثيرات المهمة، فإنّ التصنيف قد يَفقد بعض تأثيراته، خاصة أنّه يتضمّن في الوقت ذاته ما يسمح للحوثيين بالعمل على تفادي هذه الآثار.

وخلصت الورقة البحثية لمركز (تريندز) إلى أنّه رغم أهمية التصنيف الأمريكي للحوثيين، فإنّه من الواضح أنّ الإدارة الأمريكية لا ترغب في تضييق الخناق بشدة على الحوثيين، ربّما رغبةً في عدم تصعيد الأمور مع الجماعة، وكذلك عدم التأثير على الوضع السياسي في اليمن، خاصة ما يتعلق بالهدنة القائمة بين الأطراف هناك، والتي أتاحت قدراً من الاستقرار الذي ساعد في التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية الطاحنة التي ضربت اليمن في ظل الحرب العسكرية.

مواضيع ذات صلة:

إيران وأمن البحر الأحمر... ما أهداف استعراض القوة؟

هل يعطل إرهاب الحوثيين في البحر الأحمر عملية السلام؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية