ما التحديات التي تنتظر أردوغان في السنوات الخمس القادمة؟

ما التحديات التي تنتظر أردوغان في السنوات الخمس القادمة؟

ما التحديات التي تنتظر أردوغان في السنوات الخمس القادمة؟


كاتب ومترجم جزائري
11/06/2023

ترجمة: مدني قصري

سيواصل "الريس" لعبته في مجال التوازنات في حقل الدبلوماسية: فهو تابع لموسكو وفي في الوقت نفسه عضو أساسي في الناتو.

أطلق رجب طيب أردوغان الرهانَ على "القرن التركي الجديد". وهذا قراره الثابت. أعيد انتخابه بنسبة 52٪ من الأصوات، ومن خلال الدعم الإضافي الذي اكتسبه بفضل الفوز البرلماني لحزبه، حزب العدالة والتنمية، وحليفه اليميني المتطرف، حزب الحركة القومية، يمتلك الرئيس التركي اليوم كامل حرية الحركة اللازمة لتعزيز سلطته الإسلامية القومية، واكتساح المزيد من تراث جمهورية أتاتورك العلمانية، مع اقتراب مئويتها. بعد هذه الحملة الاستقطابية وغير المتوازنة تضاءلت وخابت أحلام العودة إلى سيادة القانون التي تغذيها المعارضة.

هو تابع لموسكو وفي في الوقت نفسه عضو أساسي في الناتو

كان انتخاب كمال كيليشدار أوغلو يحمل وعدَ الانفتاح الديمقراطي. في برنامجه كان هناك حديث عن إعادة دمج المسؤولين المفصولين. كان أملاً كبيراً لآلاف المعلّمين الذين تم تطهيرهم بعد الانقلاب الفاشل عام 2016"، قالت زينب جامبيتي، الأستاذة المتقاعدة في جامعة البوسفور. بدلاً من لعب بطاقة الاسترضاء والتهدئة يُفضِّل أردوغان بعد تجديد عهدته، تجاهل طلبات الإفراج عن السجناء السياسيين. وخلال خطاب فوزه، يوم الأحد 28 أيار (مايو) انتقد خصومه مرّة أخرى من خلال صرخات استهجانه ضدّ الزعيم الكردي صلاح الدين ديميرتاس، الذي يقضي أيامه في السجن منذ ست سنوات.

لا يتوقع أن تشهد علاقة تركيا بروسيا الكثير من التغيير، إذ يعتزم الرئيس التركي إعادة تأكيد دوره كوسيط بين موسكو وكييف التي يزوّدها بطائرات قتالية بدون طيار

اليوم لا يراود ذهنَ الرئيس التركي المدعوم بنتائجه الجيّدة في وسط الأناضول وفي المناطق المتضررة من زلزال 6 شباط (فبراير) سوى هاجس واحد بالفعل ألا وهو استعادة أنقرة، العاصمة، وأيضاً اسطنبول، حيث بدأ تجاربه السياسية الأولى كرئيس للبلدية في أواخر التسعينيات، والتي خسرها في عام 2019. "هل أنتم مستعدون للفوز بإسطنبول؟"، هكذا أعلن يوم الأحد الماضي للجمهور في إشارة إلى الانتخابات البلدية المقبلة في عام 2024. وهو ما ينذر بأشهر مظلمة قادمة للصحافة المستقلة والنشطاء والأكراد وأي قوة مضادة تحاول عرقلة تصميمه.

"حرب ثقافية"

لكنّ أردوغان سياسي براغماتي. فهو معروف بِخرجاته المتكرّرة ضدّ النساء، والمثليين "المنحرفين" من جميع المشارب، وهو يعرف أيضاً كيف يكبح اندفاعاته عند الضرورة. على الرغم من خطاباته العدوانية ضد المثليين لا أعتقد أنه يهدف إلى أن يكون قمعِيّاً مثل بوتين. فالمسألة بالنسبة إليه أكثر من مجرد حرب ثقافية بين شريحتين متعارضتين في المجتمع.. وينطبق الشيء نفسه على علاقته بالدين. فإنْ فرَض ضرائب على الكحول فهو لا يفعل ذلك حتى يحظرها، تماماً كما لا يؤيد تخفيض سنّ الزواج للفتيات، حتى وإن كان هذا ما يطالب به بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية"، هكذا يلاحظ المؤرخ والمتخصص في الشؤون التركية هوارد إيسنستات. وأردوغان يعرف ذلك: التنوع الثقافي لتركيا محرك سياحة تركيا، وهو مصدر أساسي للدخل في خضم الركود المالي.

لا يراود ذهنَ الرئيس التركي المدعوم بنتائجه الجيّدة في وسط الأناضول وفي المناطق المتضررة من الزلزال سوى هاجس واحد بالفعل ألا وهو استعادة أنقرة وأيضاً اسطنبول

بعد قضائه عقدين في السلطة يمثل الاقتصاد أكبر مشروع ينتظر "الريس" التركي. على الرغم من حملة سدّ الثغرات الشعبوية في الأشهر الأخيرة (زيادة الأجور، والتقاعد المبكر، والمساعدات الاجتماعية)  فإنّ الأزمة التي تضرب السكان جد صارخة: تضخّم متفشِّ، ارتفاعُ نسبة البطالة، تدهور الجنيه التركي، يوم الاثنين 29 أيار (مايو)، بعد يوم من الجولة الثانية انخفض الجنيه إلى مستوى تاريخي (1 يورو مقابل 21,60  ليرة تركية). والخطأ، وفقاً للخبراء، مردّه إلى سياسة تخفيض أسعار الفائدة، المناقض لكل منطق اقتصادي. "على عكس معتقدات أردوغان لم تمنع أسعارُ الفائدة المنخفضة ارتفاعَ التضخم ولم تحفّز الاستثمار ولم تخلق فرص عمل. على العكس من ذلك فقد رفعت الاستهلاك السنوي بنسبة 22٪ خلال العامين الماضيين، ومن ثمّ الواردات، وهو ما أدى إلى مفاقمة العجز في الميزان التجاري"، كما أشار إليه إيرينتش يلدانْ، أستاذ الاقتصاد بجامعة قادرهاس.

دور الوسيط بين موسكو وكييف

لتجنب حالة الإفلاس لا مفر لتركيا من اللجوء إلى تدابير التقشف. ويضيف الاقتصادي إيرينتش يلدانْ "هناك نفاد احتياطيات البنك المركزي. وليس أمام أردوغان خيار آخر سوى تخفيض أسعار الفائدة: وهو قرار يضعه أردوغان على عاتق الأزمة الاقتصادية العالمية. وبما أنه أصبح الآن في وضع قوة بعد إعادة انتخابه فلن يواجه مشكلة في (الترويج) لهذا البرنامج بين قاعدته، تحت غطاء التضحية الجماعية باسم الأمة التركية العظيمة". في تركيا أردوغان يسير الاقتصاد أيضاً جنباً إلى جنب مع الجغرافيا السياسية. ستواصل الجغرافيا السياسية بلا شك التأثير على عملية التوازنات في المجال الدبلوماسي. فالبلاد بحكم اعتمادها على موسكو في استهلاكها للغاز (لم يتم تسديد الفواتير منذ عام) فمن غير المتوقع أن تشهد الكثير من التغيير في علاقتها مع روسيا التي افتتحت للتو أوّل محطة للطاقة النووية في تركيا. في الوقت نفسه يعتزم الرئيس التركي إعادة تأكيد دوره كوسيط بين موسكو وكييف التي يزوّدها بطائرات قتالية بدون طيار.

 أردوغان سياسي براغماتي

كما أنّ الانفراج في العلاقات الذي بدأ قبل بضعة أشهر مع دول المنطقة: إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات وإلى حد ما سوريا، قد انطلق ليستمر. ففي خلال تبادل هاتفي اتفق أردوغان ونظيره المصري على تعزيز علاقاتهما وتبادل السفراء، بعد سنوات من التوتر بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013. وبصفتها عضواً لا مفر منه في الناتو يمكن لتركيا أيضاً العودة إلى طاولة المفاوضات حول انضمام السويد إلى التحالف الأطلسي، وهو موضوع أثير مؤخراً بين أردوغان وجو بايدن خلال اتصال الرئيس الأمريكي بأردوغان لتهنئته بفوزه.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lefigaro.fr/international/turquie-les-defis-d-erdogan-pour-les-cinq-ans-a-venir-



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية