ما التغيرات الدولية المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية؟

ما التغيرات الدولية المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية؟


07/03/2022

بعد مرور 12 يوماً على بدء العملية العسكرية الواسعة التي يشنّها الجيش الروسي على أوكرانيا، والحالة الضبابية حول واقع هذه العملية ومستقبلها وأهدافها وتضارب المعلومات حول "سقوط وصمود" المدن الأوكرانية، تتواتر المعلومات حول استمرار محاصرة الجيش الروسي للعاصمة الأوكرانية وتشديد الحصار عليها من كافة الجهات، ورغم أنّ العنوان الأبرز لهذه العملية هو العنوان العسكري والأمني، في ظلّ موازين قوى عسكرية محسومة سلفاً لصالح الجانب الروسي، إلّا أنّ العملية غير بعيدة عن عناوين سياسية واقتصادية وأخرى إعلامية فرضتها ردود الفعل الدولية والإقليمية، ووفقاً للاتجاهات والمحاور التالية:

 أوّلاً: يبدو أنّ الجيش الروسي كان يراهن على عملية خاطفة لا تتجاوز يومين أو (3) أيام، يتمّ خلالها احتلال كافة الأراضي الأوكرانية وإسقاط حكومة كييف وتنصيب حكومة جديدة موالية لموسكو، إلّا أنّ الجيش الروسي يبدو أنّه واجه معيقات أسهمت في إبطاء تقدّمه، من بينها مشاكل في الدعم اللوجستي لأرتاله وجحافله العسكرية، بما فيها إمدادات الوقود والصيانة والتزويد، وبالتزامن، فقد ظهرت مقاومة للجيش الأوكراني، وجّهت ضربات للجيش الروسي وشكّلت معيقاً لتقدّمه.

 

يلعب الإعلام دوراً مفصلياً في هذه الحرب، في ظلّ مقاربات إعلامية تاريخية تتقاطع مع ما يُعرف بالحرب النفسية، حيث وفرت لها التقنيات الاتصالية الحديثة مساحات واسعة

 

 ثانياً: تدرّجت إعلانات روسية حول أهداف الحرب من "غزو" أوكرانيا، بدأت بالإعلان عن الدفاع عن سكان الجمهوريات الانفصالية في شرق أوكرانيا وإسقاط حكومة كييف التي يقودها "نازيون جدد" موالون للغرب، تطوّرت هذه الأهداف لاحقاً إلى مطالبة كييف بالاعتراف بضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا والاعتراف بها بأنّها أراضٍ روسية، ونزع أسلحة كييف، وإسقاط حكومتها، وألّا تُشكّل الأراضي الأوكرانية تهديداً للأمن القومي الروسي، وبالمقابل ظهرت أوكرانيا بموقف الشعب الذي يتعرّض لغزو من دولة مجاورة تستقوي عليه، وأنّها تريد إسقاط حكومة منتخبة يتطلع شعبها للانتماء إلى العالم الغربي.

اقرأ أيضاً: “الإخوان” وحزب اليسار في ألمانيا ـ تخادم وتبادل مصالح

ثالثاً: يلعب الإعلام دوراً مفصلياً في هذه الحرب، في ظلّ مقاربات إعلامية تاريخية تتقاطع مع ما يُعرف بالحرب النفسية، حيث وفرت لها التقنيات الاتصالية الحديثة مساحات واسعة، مكّنت كلّ طرف من تقديم رواياته للحرب وتفاصيلها بما يخدم استراتيجيته، وفقاً لمبادئ: نفي رواية الخصم وشيطنته، وتأكيد الصمود والتفوق عليه، وبث الروح الوطنية ورفع معنويات جيوش ومواطني كلّ طرف، والتأكيد على مبررات الحرب أو الصمود، غير أنّ ما يلفت النظر في هذه الحرب حجم التضليل غير المسبوق من قبل الطرفين، والمرتبط أصلاً بصياغة الرسالة والمحتوى الإعلامي من قبل موسكو وكييف لما يوصف بإرث المدرسة السوفييتية، وهو ما يفسّر تلك الأخبار التي استخدمت مقاطع فيديو وإشاعات ومعلومات، تمّ اقتطاعها من أفلام هوليودية، جعلت إعلام كييف وموسكو مشغولين في الردّ والردّ المضاد، والتفنيد على حساب إظهار صورة أقرب إلى الواقعية لما يجري على الأرض.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تدخل حقبة جديدة في سياستها العسكرية.. ما علاقة الحرب الروسية الأوكرانية؟

رابعاً: تستند البنية الاستراتيجية العميقة للحرب بالنسبة إلى الغرب من جهة، وروسيا من جهة أخرى، إلى مقولات مرتبطة بالحرب الباردة؛ حيث ينظر الغرب إلى روسيا بوصفها وريثة الاتحاد السوفييتي، وأنّ الرئيس بوتين يتطلع لإعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي، وأنّ روسيا ليست قوة عظمى؛ بل سقفها دولة إقليمية فقط، فيما تنطلق الاستراتيجية الروسية من مقولات أنّ الغرب استهدف الاتحاد السوفييتي وفكّكه وضمّ الدول الشرقية لحلف الناتو، وضمّها إليه، وانقلب على اتفاقاته مع روسيا بتهديد الأمن القومي الروسي من خلال دعم قيادات في هذه الدول موالية للغرب.

اقرأ أيضاً: شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟

خامساً: رغم أنّ الحرب لم تضع أوزارها بعد، إلّا أنّ المعطيات الأولية تشير إلى تغيرات دولية عميقة ستترتب عليها، من أبرز عناوينها: أوّلاً: إنّ العقوبات التي تمّ فرضها على روسيا لن تؤثر على روسيا فقط؛ بل ستؤثر على الاقتصاد العالمي والدول الأوروبية، خاصة في مجال إمدادات الطاقة والغاز، إلّا أنّ تأثيراتها على روسيا ستكون أكثر وضوحاً، ثانياً: جاءت الحرب في وقت كان فيه حلف الناتو يترنح، وتطرح تساؤلات حول أهميته وضرورات بقائه، كما أنّ الاتحاد الأوروبي كان يعاني بوصفه كتلة اقتصادية بعد انسحاب بريطانيا منه، ومن الواضح أنّ الغزو الروسي أعاد التأكيد أوروبيّاً على أهمية الناتو من جهة، وأهمية الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، فرغم استمرار التباينات بين مواقف العواصم الأوروبية، إلّا أنّها ظهرت بقواسم مشتركة أكبر ممّا كانت عليه قبل الحرب، وهو ما يطرح احتمالات يبدو أصبحت أكثر واقعية بإمكانية تشكيل جيش أوروبي ومنظومة اقتصادية فاعلة، ستكون مؤهلة لمواجهة روسيا، وكلّ ذلك يعني إفشال الاستراتيجية الروسية التي بُنيت خلال الـ (30) عاماً الماضية بإمكانية نجاح موسكو في تحقيق اختراقات بالجسم الأوروبي، وتحديداً مع ألمانيا القوة الاقتصادية الأبرز في أوروبا، إضافة إلى فرنسا.

المعطيات الأولية تشير إلى تغيرات دولية عميقة ستترتب على الحرب، من أبرز عناوينها؛ أنّ العقوبات لن تؤثر على روسيا فقط؛ بل على الاقتصاد العالمي والدول الأوروبية

سادساً: تفاوتت المواقف الدولية تجاه الحرب، بين تأييد أوكرانيا ودعمها عسكرياً ومالياً، أو اتخاذ مواقف "تمسك العصا من منتصفها"، ارتباطاً بعلاقاتها مع موسكو وكييف، ودول وقفت إلى جانب موسكو، إلّا أنّ غالبية دول العالم تقف عملياً إلى جانب الولايات المتحدة بصيغة أو بأخرى، وهو ما تدركه موسكو، حتى الصين التي ربما كانت تعوّل عليها موسكو، لم تؤيد موسكو بشكل مطلق، بل إنّ بنوكها الكبرى ومؤسساتها المالية والاقتصادية أعلنت التزامها بالعقوبات الغربية على موسكو، ضمن حسابات براغماتية لبكين في دورها بالاقتصاد العالمي.

سابعاً: مرجح أنّنا على المستوى العسكري أمام أيام قليلة ستحسم فيها موسكو احتلالها لكامل الأراضي الأوكرانية، لكنّ احتمالات استمرار الحرب تبدو هي الأقرب، من خلال مقاومة شعبية في أوكرانيا، تمّ إعدادها بالأسلحة المناسبة من قبل أمريكا والأوروبيين، وحكومة أوكرانية في المنفى ستقيم في بولندا على مقربة من الحدود الأوكرانية، وربما سنكون أمام نموذج جديد للحرب العراقية- الإيرانية، يتمّ استنزاف روسيا من خلالها، وهو ما يُعوّل عليه الغرب.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية