ما الذي يهم الناخب التركي: الاقتصاد أم السياسة؟

ما الذي يهم الناخب التركي: الاقتصاد أم السياسة؟

ما الذي يهم الناخب التركي: الاقتصاد أم السياسة؟


11/04/2023

فاضل المناصفة

“في أي انتخابات نزيهة يتم إجراؤها، سيتجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى هزيمة انتخابية”، كانت تلك مقدمة لمقال طويل خصصه موقع بوليتيكو الأميركي للحديث عن حظوظ أردوغان في السباق الرئاسي، والذي تراه بوليتيكو ضئيلا لأسباب عديدة منها وجود تحالف سباعي ملتف على المرشح الأبرز كمال كيليجدار أوغلو، وسوء إدارة كارثة الزلزال التي كشفت خفاياها فسادا كبيرا في قوانين البناء ورخصه وسوء تخطيط حضري أدى إلى تدخل العامل البشري في مضاعفة فاتورة الكارثة الطبيعية.

لم يحسم الأمر بعد، ولا وجود لمؤشرات قوية تؤكد صدق كلام بوليتيكو. فلا تزال حظوظ أردوغان في الحفاظ على كرسي الرئاسة وفيرة، خاصة وأن استطلاعات الرأي التي جاءت بعد كارثة الزلزال أتت لتؤكد بأن القاعدة الشعبية للرجل لم تتأثر بتبعات سوء إدارة الأزمة، وهو ما أكدته شركة متروبول المتخصصة في الاستطلاعات في بداية شهر مارس. لا ننسى أيضا أن هجوم إسطنبول الأخير كان له وقع إيجابي على شعبية الرئيس، بعد نجاح الأجهزة الأمنية في الإيقاع بالمنفذين في ظرف وجيز، وتعاملها مع الخطر خارج حدود تركيا اكتسب نوعا من القبول والارتياح في أوساط الشارع التركي.

وحتى فيما ما يخص السياسة الخارجية، الأتراك شعروا بالفخر لرؤية تركيا تقود دور الوساطة في صفقة الحبوب، وتؤثر بشكل إيجابي في الحرب الدائرة في أوكرانيا، لدرجة أنه تم اعتبارها الرابح الأكبر دولياً في لعبها دور الوسيط بين موسكو وكييف.

كل هذا حصل في الماضي القريب، أما إذا تحدثنا عن الماضي البعيد فيمكننا القول إن انقلاب 2016 كان له الفضل الكبير في ترسيخ صورة أردوغان في الأذهان كحامي الديمقراطية وحامي البلاد من عودة حكم العسكر الذي ينبذه الأتراك. ولكن في الحقيقة لقد ساهم هذا الحدث في تقويض حرية التعبير بشكل كبير بعد إغلاق المئات من الصحف والمواقع الإلكترونية المعارضة، وهو ما عاد بالمنفعة على أردوغان، بعد أن أصبحت السلطة الرابعة محاصرة، بل وسيلة تدعم نظام الحكم وتذهب في اتجاه الرأي الواحد، وهو ما يعني أن المشهد الإعلامي في تركيا بعد 2016 أصبح خاضعا لسلطة أردوغان، ولا يمكن لإعلام المعارضة أن يوازيه.

خلال السنوات الأخيرة عمل أردوغان على تصحيح أخطاء السياسة الخارجية بما يتماشى مع المرحلة الحساسة التي مرّ ويمرّ بها العالم بعد الجائحة، وكان لهذا التحول في السياسات الخارجية لتركيا نتائج ملموسة على الشق الاقتصادي، فبعد التقارب مع أبوظبي وقّعت تركيا والإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، ستصل بالتبادلات التجارية إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو رقم معتبر يعد إنجازا للدبلوماسية الاقتصادية يسجل مع دولة واحدة.

وحتى  في تقاربه مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تجاوز أردوغان مسألة الخلاف السياسي مع تل أبيب لتحقيق مكاسب اقتصادية، وبلغ إجمالي حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل حوالي 8 مليارات دولار أميركي في عام 2021، حيث تم تسجيل هذا الرقم كأعلى حجم تجاري في تاريخ البلدين، وفقًا لبيانات معهد الإحصائيات التركي. واستقطبت تركيا بعد إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل أكثر من نصف مليون سائح إسرائيلي في عام 2022. وبفضل التقارب مع مصر ارتفعت الصادرات التركية إلى أكثر من 3 مليارات دولار خلال العام الماضي، وهي مرشحة للارتفاع في ظل الأجواء السياسية الإيجابية بين البلدين.

كما شكّل الانفتاح على السعودية طفرة نوعية في حجم المبادلات التجارية بين البلدين، ووصل حجم الاستثمارات السعودية في تركيا إلى 18 مليار دولار، وهو رقم مرشح لأن يتضاعف ثلاث مرات، بحسب ما جاء به منتدى الأعمال والاستثمار التركي – السعودي الذي انعقد في أواخر سنة 2022.

كل هذه الأرقام وغيرها تعكس مدى نجاح الدبلوماسية الجديدة التي اعتمدها أردوغان في تحقيق مكاسب لاقتصاد بلاده، وهي منطق الإنجازات الذي يستميل الناخبين أكثر من أيّ شيء آخر.

من خلال هذه الأرقام الاقتصادية المحققة سابقا، ومن خلال الإغراءات بزيادة الرواتب وخفض سعر الكهرباء في حال فوزه بالانتخابات، يبدوا أردوغان في وضع جيد للفوز بعهدة جديدة. ويبقى الشيء الوحيد الذي يمتلكه كيليجدار أوغلو هو استمالة الراغبين في التغيير، خاصة وأن أردوغان ونظامه عمّرا طويلا في المشهد السياسي التركي. ولكن الخبرة السياسية والقدرة على الإقناع ببرنامج اقتصادي قوي تعد أحد الأوراق المؤثرة في نتائج الانتخابات التي يفتقدها كيليجدار أوغلو على الرغم من حصوله على تفويض الإجماع.

ولكن، وفي خضم هذا العالم المليء بالفوضى التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي، فإن لغة التحالفات والبرامج السياسية الجديدة لا تعني شيئا أمام لغة الأرقام والاقتصاد بالنسبة إلى الناخب التركي الذي يرى أن الخبرة والحنكة السياسية ضروريان لمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، بل إنهما مطلوبان أكثر من أيّ وقت مضى، وهو ما يدفعنا للقول بأن الحسم في نتائج الانتخابات سيكون حسما مبنيا على لغة الاقتصاد لا على لغة الخطاب السياسي.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية