ما سيناريوهات حسم الصراع الراهن في السودان؟

ما سيناريوهات حسم الصراع الراهن في السودان؟

ما سيناريوهات حسم الصراع الراهن في السودان؟


17/04/2023

ما تزال السيناريوهات القريبة للصراع الراهن في السودان ضبابية إلى حد كبير، بعد مرور أكثر من يومين على الاقتتال الذي اندلع صباح السبت الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، على خلفية أزمة سياسية وأمنية متفاقمة لأعوام، لكنّ التقديرات تتجه إلى احتمالات تأثير القوى الإقليمية والدولية للتهدئة خلال الساعات المقبلة، وفي حال لم تنجح هذه المساعي يبقى السيناريو الأخطر هو استمرار القتال لمدة أطول لحين حسم المعركة لأحد الطرفين، ممّا يعني وقوع المزيد من الضحايا، وينذر بتداعيات خطيرة، أبرزها تقاسم السلطة وتقسيم الدولة. 

ويستمر القتال المحتدم في السودان لليوم الثالث، وقد ارتفعت حصيلة الضحايا إلى نحو (61) قتيلاً، و(700) جريح، بحسب آخر البيانات الصادرة عن نقابة الأطباء، أيضاً تتواصل حالة الشلل التام في مختلف المرافق الحيوية بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، ويزعم كلّ طرف تحقيق انتصارات ميدانية وسيطرته على جانب من الأرض. 

مآلات متوقعة

يرى الباحث السوداني المختص بالشأن السياسي عبد الجليل سليمان أنّ الجيش لديه القدرة الأكبر على حسم الصراع الراهن لصالحه، ويرجع ذلك لعدة أسباب؛ فمن ناحية التسليح هناك فرق شاسع بين قدرات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يمتلك الجيش قوات جوية وبحرية وبرية وسلاح مدرعات، وهو مدرَّب بشكل أفضل.

عبد الجليل سليمان: من ناحية التحليل العسكري؛ الجيش لديه القدرة الأكبر على حسم الصراع الراهن لصالحه، ويرجع ذلك لعدة أسباب؛ فمن ناحية التسليح هناك فرق شاسع بين قدرات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

ويقول سليمان في تصريح لـ "حفريات": إنّه لا يوجد وجه مقارنة بين الجيش وقوات الدعم السريع من حيث العدة والعتاد، لذلك يبدو أمر القدرات محسوماً لصالح الجيش، وتبدو كفة الجيش هي الأرجح للسيطرة من جانب التحليل العسكري لقدرات كل منهم.   

وفي المقابل، تمتلك قوات الدعم السريع، بحسب سليمان، عدداً كبيراً من المدرعات، وتشير بعض التقديرات لامتلاكها جهاز مخابرات، فضلاً عن الطائرات بدون طيار والأموال. 

ويعتقد سليمان أنّه في حال حسمت القوات المسلحة السودانية المعركة في العاصمة الخرطوم وبعض المدن الكبرى، لن تستطيع أن تستمر في الحرب إذا انسحبت قوات الدعم السريع إلى دارفور، وبالتالي تبقى مسألة حسم الصراع لصالح أيّ طرف أمراً نسبياً، ولن يحدث بشكل كامل، لكن من الواضح أنّ الجيش يسعى في الوقت الراهن لاستعادة سيطرته على الخرطوم، وإعادة عمل المرافق الحيوية مثل المطارات ومقرّ التلفزيون.  

عبدالجليل سليمان: لا يوجد وجه مقارنة بين الجيش وقوات الدعم السريع من حيث العدة والعتاد

ويقول سليمان: "المعارك من هذا النوع تشتعل بسرعة، لكنّ مسألة التهدئة تستغرق وقتاً طويلاً، لذلك من غير المتوقع أن تهدأ الأمور خلال ساعات أو أيام".

كيف يؤثر الصراع على الاتفاق السياسي؟

بحسب سليمان، الاتفاق السياسي انتهى تماماً، ولا سبيل لحلّ الأزمة السودانية الآن عن طريق التفاهمات السياسية، وانزلاق الصراع إلى الاقتتال المسلح أنهى كافة الجهود المبذولة خلال الأعوام الماضية من أجل إقرار تهدئة سياسية في البلاد. 

ويرى الباحث السوداني أنّ من يستطيع أن يسيطر على الأمور في العاصمة الخرطوم هو من سيحكم البلاد، ويمكنه فرض الطوارئ والعمل بقوانين استثنائية، سواء من الجيش أو قوات الدعم السريع. 

مرتضى أحمد: كافة السيناريوهات المتوقعة للصراع الراهن "مرعبة"، ونخشى تسلل بعض الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية إلى المشهد مجدداً وتمكنها من تحقيق مكاسب ميدانية اعتماداً على الظرف الراهن، وهو أمر متوقع

ويضيف: "الأزمة صارت أكبر من أيّ اتفاق سياسي، ومن المتوقع بعد انتهاء المعارك أن يجري اعتقال رؤساء الأحزاب والسياسيين، ممّا يعني أنّ التحول الديمقراطي قد انتهى تماماً، لأنّ الصراع بين الجيش والدعم السريع هو صراع سياسي من أجل الحصول على السلطة، لذلك من يحسم الصراع سيحكم الدولة".

تخوفات من تسلل إرهابي محتمل 

من جانبه، يصف الصحفي السوداني مرتضى أحمد كافة السيناريوهات المتوقعة للصراع الراهن بأنّها "مرعبة"، محذراً من تسلل بعض الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية إلى المشهد مجدداً باستغلال حالة الصراع الراهن في الدولة، وتمكنها من تحقيق مكاسب ميدانية اعتماداً على الظرف الراهن، وهو أمر متوقع. 

مرتضى أحمد: يدفع المدنيون دائماً ثمن هذا النوع من الصراعات التي تؤدي إلى تفاقم أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية وتنهك قوى البلاد

ويقول أحمد لـ "حفريات": إنّ ما يظهر حتى الآن هو الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن هناك العشرات من الجماعات المسلحة تنضوي تحت هذا الصراع، وستنشط بشكل سريع في ضوء التطورات الراهنة، من بينها ميليشيات الحركة الإسلامية والدفاع الشعبي، وأكثر من (9) مجموعات الآن موجودة ومستعدة للانخراط في الصراع وغير معروف تبعيتها لأيّ طرف.

ويشير أحمد إلى أنّ هذه المجموعات أعلنت في الوقت الراهن حيادها، لكن من المتوقع أن تنخرط في الصراع في أيّ لحظة، ويمكن أن تكون عاملاً محورياً في حسمه، ويرى أنّه "من المتوقع أن يتم حسم الصراع في العاصمة الخرطوم في مدة لا تتجاوز (3) أيام، لكنّ القتال سيستمر في المدن الأخرى".

اندلاع حرب أهلية هو السيناريو الأكثر تشاؤماً، وقد يتحقق في حال تطور الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ولجوء كلا الطرفين إلى أطراف خارجية للحصول على الدعم المادي والعسكري، وفشل جهود الوساطة الدولية والإقليمية والوصول إلى طريق مسدودة بين الطرفين

وبحسب أحمد، يدفع المدنيون دائماً ثمن هذا النوع من الصراعات، التي تؤدي إلى تفاقم أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية وتنهك قوى البلاد، وتستنزف مواردها، وحتى اللحظة راح عشرات الضحايا بين قتلى ومصابين نتيجة الاقتتال المستمر من صباح السبت، والعدد مرشح للزيادة وبشكل كبير في ضوء استمرار الأزمة. 

(4) سيناريوهات

وفي السياق، تناولت دراسة صدرت أمس الأحد عن مركز "تريندز للبحوث والاستشارات" (4) سيناريوهات للأزمة الراهنة؛ الأوّل: هو التهدئة والدمج في القوات المسلحة، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً والمرغوب فيه، ويمكن أن يتحقق في حال نجاح جهود الوساطة الدولية والإقليمية بين طرفي الأزمة، ووقف الصراع العسكري بين الطرفين والجلوس معاً لوضع ترتيبات تضمن عدم الانزلاق إلى حرب أهلية بين الطرفين.

تبقى مسألة حسم الصراع لصالح أيّ طرف أمراً نسبياً، ولن يحدث بشكل كامل

السيناريو الثاني: هو التهدئة دون الدمج، وهو سيناريو وسط، ولكنّه غير مرغوب فيه، لأنّه يجعل العملية السياسية في السودان، والاتفاق النهائي بين المكون المدني والعسكري قابلاً للانفجار طوال الوقت، وقد يحول في الوقت ذاته دون الوصول إلى انتخابات رئاسية، ومن ثم استمرار العملية الانتقالية.

السيناريو الثالث: يتمثل في احتمال حسم الوضع لصالح الجيش، ومن المحتمل أن يتمكن الجيش من بسط السيطرة، خاصة في ظل الحديث عن حل قوات الدعم السريع، ويتوقع أن يلتحق الكثير من ضباط وعناصر هذه القوات بالجيش، وهذا يعني أنّ الأمور قد تستتب نسبياً وتدريجياً لصالح القوات المسلحة، خاصة إذا تلقت دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً من قبل الدول التي تؤيد مؤسسات الدولة.

وأخيراً، السيناريو الرابع: هو اندلاع حرب أهلية، وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً، وغير المرغوب فيه على الإطلاق من القوى الداخلية أو الدولية، وقد يتحقق هذا السيناريو في حال  تطور الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع ولجوء كلا الطرفين إلى أطراف خارجية للحصول على الدعم المادي والعسكري، وفشل جهود الوساطة الدولية والإقليمية والوصول إلى طريق مسدودة بين الطرفين، أو وقعت محاولات لاغتيال الفريق عبد الفتاح البرهان أو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي)، والتي سوف تكون بمثابة صب الزيت على النار.

مواضيع ذات صلة:

السودان على صفيح ساخن... ما آخر تطورات الوضع الميداني؟

السودان: معارك ضارية وخسائر بشرية وتضارب الأنباء... وهذه أبرز المواقف العربية والدولية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية