ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟

ما هي رسائل حزب الله في كشف شبكات تجسس إسرائيلية في لبنان؟


01/02/2022

كثّفت وسائط إعلامية تابعة لحزب الله اللبناني نشر تقارير معلومات وأخرى تحليلية حول نجاح فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، "وبالتنسيق مع أمن المقاومة" في الكشف عن أكثر من (15) شبكة تجسّس تمارس نشاطات تجسّسية لصالح الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ليس في لبنان فحسب؛ بل في محيطه أيضاً، بما في ذلك سوريا، ورغم أنّه يُفترض تقديم أعضاء تلك الشبكات إلى القضاء اللبناني، إلّا أنّ اللافت تمكّن الحزب من الحصول على إفادات التحقيق مع المتهمين قبل وصولها إلى القضاء ونشر مضامينها، وفقاً لرواية أحادية، وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية حصول الحزب عليها من جهة، والهدف من نشرها في هذا التوقيت، وبما يتجاوز قضية "السبق" الصحفي من جهة ثانية؛ إذ إنّ إعلام حزب الله يتعامل مع القضية بوصفها نصراً وضربة قاصمة لإسرائيل.

استراتيجية "التضخيم والتعميم"

رغم أنّ القصة تعني كلّ اللبنانيين، إلّا أنّ تبنّي الحزب يطرح تساؤلات حول إيلائه القضية اهتماماً خاصاً، وأهدافه من ذلك، ووفقاً للمحتوى والخطة الإعلامية التي يعالج بها الحزب هذه القضية، فمن الواضح أنّه يعتمد استراتيجية "التضخيم والتعويم"؛ بمعنى تضخيم العدد والقصص (15) شبكة، وهو ما يطرح تساؤلات ليست حول حقيقة وجود هذا العدد من الشبكات، بل توقيتات اكتشافها، وفيما إذا كانت هناك حلقات ونقاط اتصال فيما بينها، ومع ذلك فإنّ دلالة اكتشاف هذا العدد من الشبكات يشير إلى اختراق واسع في الجبهة اللبنانية الداخلية، لكنّه يطرح تساؤلات حول ما إذا كان حزب الله هو الجهة الأكثر استهدافاً بالتجنيد والاختراق الأمني، وهو ما لم تتطرق إليه التسريبات التي أشارت إلى اكتشاف "عنصر تعبئة" واحد من الحزب في بلدات الجنوب، ضمن تلك الشبكات، وهو ما يتعارض مع المقاربة التي يروّجها الحزب، ومفادها أنّ إسرائيل تستهدف "المقاومة اللبنانية" في كافة الساحات "لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن"، فما قيمة تلك الشبكات إن لم يكن لديها القدرة للحصول على معلومات "حسّاسة" عن المقاومة وتوجهاتها؟.

أمّا "التعويم"، فقد كان لافتاً التأكيد في المحتوى الإعلامي الذي يروّجه الحزب أنّ تلك الشبكات تضمّ عناصر من كافة الطوائف اللبنانية، وهي: "الشيعة، والسنّة، والمسيحيون، والدروز"، ويتضمن هذا التعويم دفاعاً عن الاختراقات الواسعة في قواعد وكوادر حزب الله وحاضنته الجماهيرية "الشيعة"، التي أثبتت التحقيقات أنّه من بين (15) شبكة تجسس، لم يكن سوى عنصر واحد من عناصر الحزب غير الفاعلين في الجنوب!.

فتوحات الحزب الاستخبارية

 تضمّنت خطة الحزب ما يمكن وصفه بالفتوحات والاكتشافات الاستخبارية "غير المسبوقة" حول: عمليات تجنيد تمّ بعضها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال "غطاءات" العمل مع المنظمات الدولية الإنسانية غير الحكومية، فيما التحويلات المالية للعملاء تأتي من بنوك "غير إسرائيلية" في أمريكا اللاتينية ودول شرق آسيا، وأنّها تستثمر الأوضاع الحالية وتحويلات المغتربين اللبنانيين لأهاليهم في لبنان، فكانت تلك التحويلات بمبالغ محدودة، وفي كثير من العمليات لا يدرك المجند أنّه يعمل لصالح إسرائيل.

 رغم أنّ القصة تعني كلّ اللبنانيين إلّا أنّ تبنّي الحزب يطرح تساؤلات حول إيلائه القضية اهتماماً خاصاً وأهدافه من ذلك

بيد أنّ الحزب ذهب بعيداً في كشف أسرار التحقيقات، بما فيها "اختراق" فرع أمن المعلومات اللبناني، الذي اكتشف هذه الشبكات ويتولى التحقيق مع أعضائها، وأنّ بعض تلك الشبكات مكلفة بمتابعة تحركات كوادر حركة حماس في المخيمات الفلسطينية، وهناك عناصر أخرى تعمل في الساحة السورية لمتابعة نشاطات المقاومة وتوفير خرائط لمبانٍ ومخططات لطرقات وعناوين لمراكز مدنية وعسكرية تتبع للمقاومة.

ماذا يريد الحزب أن يقول؟

رواية الحزب حول شبكات التجسس تطرح الكثير من الأسئلة أكثر ممّا تطرح إجابات تفكك تفاصيل قصص شبكات التجسس، لكنّ المؤكد أنّ خطاب الحزب يركز على إبعاد التهمة عن كوادره وقواعده، وحجم الاختراق الأمني الإسرائيلي له، بتوزيع التهمة على الجميع، وكأنّه يستعير شعار الانتفاضة اللبنانية "كلن يعني كلن"، كما أنّ الحزب يحاول زرع الشكوك بالجميع، بما في ذلك الجهاز الأمني اللبناني الذي اكتشف تلك الشبكات، والتحويلات المالية التي ترد إلى اللبنانيين في ظلّ الظروف الحالية الصعبة، علاوة على التشكيك بمنظمات العمل الإنساني والإغاثي في لبنان، رغم أنّ هناك مؤسسات إغاثية تتبع لحزب الله، وكلّ تلك المفردات تصبّ في خانة "التشتيت" وتوزيع الاتهامات، في الوقت الذي تؤكد فيه وقائع تاريخية مثبتة في سجلات الحزب أنّ غالبية عمليات الاستهداف بالتجنيد والتجسّس التي نفذتها أجهزة الأمن الإسرائيلية في لبنان كانت تستهدف حزب الله، بدلالة تلك القائمة الطويلة لشهداء الحزب في لبنان وسوريا.

وفي الخلاصة، فبالإضافة إلى الأبعاد الداخلية اللبنانية في خطة الحزب لتبنّي قصة الكشف عن شبكات تجسس إسرائيلية، إلّا أنّ هناك محطتين بارزتين على ارتباط وثيق مع حزب الله، لا بدّ من التوقف عندهما؛ الأولى: أنّ هدف الحزب التغطية على الاختراقات الإسرائيلية الواسعة للداخل الإيراني، والتي أصبحت تطرح تساؤلات "حتى في أوساط مؤيدة لإيران" حول حقيقة إيران من الداخل، وقدرة أجهزتها الأمنية على الردّ ومواجهة الاختراقات الإسرائيلية، والثانية: حرف الأنظار عن الاختراقات الإسرائيلية للحزب، بما فيها الضربات الموجهة لكوادر حزب الله و"ميليشيات إيرانية" في سوريا ولبنان، لا سيّما أنّ لدى الحزب سجلات بقوائم واسعة من الاغتيالات لقادته وكوادره التي نُفذت في إطار الحرب الجاسوسية ما بين تصفيات أعلنت عنها إسرائيل، وأخرى غامضة تحيط بها شكوك وجاءت بعد تحقيقات بـ"العمالة" اكتشفها الجهاز الأمني للحزب منفرداً أو بالتعاون مع أجهزة أمنية إيرانية: "عماد مغنية ـ دمشق 2008، جهاد عماد مغنية، القنيطرة السورية 2015، حسان اللقيس مسؤول ملف تطوير الطائرات المسيّرة بالحزب ـ بيروت 2013، محمد علي يونس "صائد العملاء"، لبنان 2020"، بالإضافة إلى عدد من قيادات الحزب المعروفين: "علي حاطوم، ومصطفى بدر الدين، وسمير القنطار، وغيرهم"، وكلها عمليات تراوحت جهة التنفيذ فيها بين الفاعل الإسرائيلي أو "التصفية الداخلية"، وقاسمها المشترك أنّها تمّت بعناصر بشرية، وليست فنية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية