ما هي ملامح سياسة إدارة بايدن تجاه ليبيا؟

ما هي ملامح سياسة إدارة بايدن تجاه ليبيا؟


04/02/2021

لا يبدو أنّ الأزمة الليبية تحتل أولوية على جدول السياسية الخارجية لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، التي أعلنت عن دعمها الكامل للمسار الأممي لتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، تدير المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى الانتخابات في نهاية العام الجاري.

لكنها تتقاطع مع ملفات أخرى تحتل أولوية لدى إدارة بايدن؛ ومنها الوجود الروسي المتنامي في المنطقة، وحوض البحر المتوسط، التي تشكل الخاصرة الجنوبية لحلف الناتو، وملف الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، إلى جانب تأثير الأزمة على أوروبا، وشرق المتوسط، والتي تأتي على رأس اهتمامات إدارة بايدن.

 

مندوب واشنطن في مجلس الأمن يدعو تركيا وروسيا إلى الشروع على الفور في سحب قواتهما من البلاد وإزالة المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين

 

ودعماً للأمم المتحدة؛ شددت واشنطن في مجلس الأمن على ضرورة سحب المرتزقة الأتراك والروس، ودعم جهود المبعوث الأممي، وحظر صادرات السلاح، بما يرجح احتمالات أوسع لاستخدام سلاح العقوبات ضدّ معرقلي الحلّ في الداخل  والقوى الخارجية.

مؤتمر برلين حول ليبيا

ذكرى مؤتمر برلين

عقب مرور عام على مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي عُقد في 19 من كانون الثاني (يناير)، 2020، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً حول ليبيا، في 28 من الشهر الماضي، وألقى القائم بأعمال مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، السفير ريتشارد ميلز كلمة تعتبر أول ما يصدر من مسؤول أمريكي في إدارة بايدن حول ليبيا.

وشدد ميلز في كلمته على دعم وقف إطلاق النار في ليبيا، وإخراج المرتزقة الأجانب، ومنع التدخلات الخارجية، مع التشديد على رفض الدور الروسي والتركي في الأزمة، والتأكيد على دعم آليات الأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: أبرز ملامح الأزمة الليبية وجذورها وأهم القوات المتصارعة

وأكد أهمية الالتزام بالفترة الانتقالية، وصولاً إلى إجراء انتخابات عامة بحلول نهاية العام الجاري، وقال ميلز "يجب على جميع الأطراف الخارجية المشاركة في هذا الصراع، كما سمعنا من الزملاء الذين تحدثوا قبلي، وقف تدخلهم العسكري والانسحاب من ليبيا على الفور، كما طالب الشعب الليبي نفسه في إعلان 23 أكتوبر لوقف إطلاق النار".

وحول الوجود التركي قال: "ندعو تركيا وروسيا إلى الشروع على الفور في سحب قواتهما من البلاد وإزالة المرتزقة الأجانب والوكلاء العسكريين الذين جندتهم ومولتهم ونشرتهم ودعمتهم في ليبيا".

وأكد مندوب الولايات المتحدة على دعم البعثة الأممية "إنّ الولايات المتحدة تعتقد أنّه يتعين علينا جميعاً استخدام الأدوات التي لدينا بشكل كامل للتأثير على التغيير الذي نريد ونحتاج أنّ نراه في ليبيا، وهذا يشمل تقديم دعمنا الكامل لنظام عقوبات الأمم المتحدة، ولا سيما حظر الأسلحة، ولجنة الخبراء".

معالم سياسة واشنطن

وتعتبر الإشارة الأمريكية صراحة إلى المرتزقة الأتراك، ومطالبة تركيا بسحب قواتها، ووقف تدخلاتها العسكرية أبرز معالم سياسة إدارة بايدن، بخلاف إدارة ترامب التي سمحت لتركيا بالتدخل في ليبيا.

الكاتب والناشط السياسي الليبي، أحمد جمعة أبو عرقوب

وحول ذلك، يعتقد الكاتب والناشط السياسي الليبي، أحمد جمعة أبو عرقوب أنّ هناك تحولاً ملحوظاً في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة؛ "حيث من الواضح أنّها تضع الملف الليبي على جدول أولوياتها في الشرق الأوسط، عكس إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب".

إقرأ أيضاً: 4 تنظيمات سياسية ليبية تحذر... هل يعرقل الإخوان الانتخابات؟

ويردف أبو عرقوب، لـ"حفريات": "إدارة بايدن ماضية في دعم جهود البعثة الأممية للدعم في ليبيا، الرامية إلي تشكيل سلطة تنفيذية جديدة مكونة من مجلس رئاسي بروتوكولي وحكومة منفصلة بصلاحيات واسعة، حسبما نصت عليه مخرجات مؤتمر برلين وقرار مجلس الأمن رقم 2510".

الناشط أحمد أبو عرقوب لـ"حفريات": تشعر واشنطن وبروكسل بقلق شديد من التقارب بين تركيا وروسيا وبعض السياسيين يطلقون على تركيا: المخلب الروسي

ولا يرى السياسي الليبي، والعضو السابق في المؤتمر الوطني المنتهي ولايته، عبد المنعم اليسير اختلافاً كبيراً في سياسة إدارة بايدن حول ليبيا، عن إدارة ترامب "سوف تحاول الإدارة الأمريكية إدارة الأزمة بنفس النهج الذي يتجاهل الأمور المفصلية، ويديرها مِن خلال برامج الأمم المتحدة منعدمة الامكانيات التنفيذية، والتي تؤدي الى تعقيد المسائل في أغلب الأحيان".

وزير الدفاع التركي في زيارة لطرابلس

الموقف من تركيا

وربما لا تحتل الأزمة الليبية أولوية مباشرة، لكنّ تقاطعها مع ملفات أخرى مهمة لواشنطن يمنحها زخماً، ويدفعها للانخراط التدريجي بصورة أكبر، خاصة بعد أن صارت ليبيا ملعباً للنفوذ الروسي، والمروق التركي عن حلف الناتو، بما يهدد أوروبا.

وفي خطوة تؤيد ذلك؛ أجرى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيطالي، لويجي دي مايو، في 27 من الشهر الماضي، تناولت العلاقات الثنائية، والملفات المهمة للبلدين.

إقرأ أيضاً: الزخم الدولي في ليبيا وقرة باغ يبدد أوهام الدور التركي

وعقب ذلك بيومين، أجرى وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن مكالمة هاتفية بنظيره الإيطالي، لورينزو جرياني، دون الكشف عن تفاصيلها.

ومن المرجح أن ترى واشنطن في الدور الإيطالي موقفاً متزناً تجاه ليبيا، خاصة بعد انفتاح الأخيرة على التواصل مع الجيش الوطني الليبي، إضافة إلى أنّها أكثر الدول الأوروبية اتصالاً بالأزمة الليبية.

ومن المدخل الأوروبي يبدو أنّ واشنطن تنخرط في الأزمة الليبية، ويقود ذلك إلى بحث ملف التواجد التركي، خاصة أنّ أنقرة ربطت وجودها في ليبيا بالأطماع الاقتصادية وأحلام الهيمنة من جانب، وبالصراع في شرق المتوسط من جانب آخر.

ومن زاوية أخرى، تعزز عضوية إيطاليا في منتدى شرق المتوسط، وشراكتها الكبيرة مع دول المنتدى، من اهتمام واشنطن بمواجهة الدور التركي في المنطقة.

السياسي الليبي، عبد المنعم اليسير

ويقول السياسي الليبي، عبد المنعم اليسير حول الوجود التركي إنّ  أنقرة تسعى إلى فرض خيارات صعبة على الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وهي، إما إرجاع الجزر اليونانية، أو بعضها إليها، والقبول عضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي، والاعتراف الضمني بها كقوة إقليمية، ذات نفوذ عسكري وسياسي واقتصادي في المنطقة، أو ستتجه صوب حلف روسيا والصين وإيران".

 الخطر الروسي

ولا ينفصل الوجود التركي عن الروسي في ليبيا، خاصة بعد التنسيق بين الدولتين في ملفات أخرى، مثل سوريا وأذربيجان وصفقة إس - 400.

وبات من المؤكد أنّ الدولتين تنسقان في ليبيا، حتى إنّ مراقبين كثراً اتهموا روسيا بالتخلي عن الجيش الوطني أثناء الهجوم على العاصمة، طرابلس، في إطار التنسيق مع تركيا.

رئيس الوزراء الإيطالي مستقبلاً حفتر في روما

وفي ذلك، يقول الكاتب الليبي، أحمد أبو عرقوب: "تشعر واشنطن وبروكسل بقلق شديد من التقارب الكبير بين تركيا و روسيا، لدرجة أنّ بعض السياسيين الغربيين يطلقون على تركيا اسم المخلب الروسي، وتغذي موسكو أطماع تركيا في شرق المتوسط، بهدف استمرار حالة التوتر في المنطقة لضمان عدم المساس بحصتها من إمدادات أوروبا بالطاقة، وبالتالي نفوذها".

ويعزز ذلك من إدراك واشنطن وبروكسل لخطر الوجود التركي في ليبيا، ويقول أبو عرقوب: "تبلور موقف أمريكي - أوروبي يهدف إلى إبعاد روسيا وتركيا من ليبيا، لمنع تمادي النفوذ الروسي، وتهديدها للناتو، مستغلة في ذلك تركيا".

إقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذر تركيا من استخدام المرتزقة في ليبيا.. فيديو

ويزيد التعاون الروسي - التركي من صعوبة عمل بعثة الأمم المتحدة، وداعميها في بروكسل وواشنطن في ليبيا، خاصة أنّ الدولتين لن تقبلا بالتنازل عن مكاسبهما التي تحققت في عهد إدارة ترامب، التي انسحبت من المنطقة، وتركتها للقوى الإقليمية.

ويوضح السياسي اليسير ذلك "تركيا وروسيا تستعملان ليبيا كورقة صعبة في صراعهما مع بروكسل وواشنطن، ويهدد ذلك جهود حلّ الأزمة الليبية".

ويؤكد على ذلك الناشط السياسي أبو عرقوب الذي لا يتوقع "أن تستسلم روسيا و تركيا بسهولة، وبالتالي سوف يستمر الصراع الدولي على الساحة  الليبية، مما يطيل من عمر الأزمة".

وإلى جانب ما سبق؛ تعيش بروكسل قلقاً كبيراً من مخاطر الصراع الليبي على أزمة اللاجئين إليها، والتي تهدد علاقات أعضاء الاتحاد الأوروبي، وتثير اضطرابات داخلية كبيرة.

ومع ذلك، تبقى لواشنطن ولندن القدرة على التأثير على حلفاء تركيا في ليبيا، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي ستتأثر حتماً حال قررت واشنطن فرض عقوبات على قياداتها، والقيادات التي تعرقل مسار الحلّ السياسي، وتهدد مصالح واشنطن



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية