النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط

سوريا

النظام السوري يمنح روسيا إقامة مفتوحة على ساحل البحر المتوسط


16/05/2019

جاء خبر استئجار روسيا ميناء طرطوس، شمال غرب سوريا، ليفصح عن ردود فعل متفاوتة، عبر عنها نشطاء ومراقبون، وهو القرار الذي جاء عقب لقاء جمع الرئيس السوري، بشار الأسد، بمسؤولين روس لجهة بحث عدة ملفات وقضايا، تتصل بمحادثات السلام وقضايا التجارة بين البلدين، وهو ما أثار جدلاً واسعاً حول تداعيات ذلك على الملف السوري، من ناحية، وتأثيره على السياق الإقليمي الذي تبحث فيه روسيا عن مزيد من التواجد والهيمنة، عبر توسيع نفوذها في ساحل البحر المتوسط، من جهة أخرى.
استئجار مرفأ طرطوس.. القصة كاملة
وبحسب وسائل إعلام سورية، فقد التقى الأسد بمبعوث روسيا الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ونائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي فيرشينين، حيث كان قرار ميناء طرطوس من بين مخرجات لقائهم. كما ذكرت، وكالة الأنباء السورية الرسمية، أنّ الأسد التقى يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء الروسي، لمناقشة التجارة والتعاون الاقتصادي، وبخاصة، قطاعات الطاقة والصناعة، وزيادة التبادل التجاري، دون أن تشير بشكل صريح لقضية استئجار الميناء لمدة 49 عاماً.

تأجير ميناء طرطوس خطوة واحدة من بين خطوات سابقة ولاحقة لبسط النفوذ والهيمنة من جانب روسيا البوتينية على سوريا

بيْد أنّ وكالة تاس الروسية للأنباء، نقلت عن نائب رئيس الوزراء الروسي حديثه الصريح بأنه "من المنتظر أن توقع روسيا قريباً عقداً لاستئجار ميناء طرطوس من سوريا"، والذي سيشمل قيام روسيا بتوسيع وتحديث إمكانيات الميناء، بغية تقديم خدمات وتسهيلات لأسطولها، كما أن البرلمان الروسي، في العام 2017، سبق ووافق على اتفاق مع دمشق، مؤداه ترسيخ وجود روسيا في سوريا، ويمهد الطريق أمام وجود عسكري دائم، من خلال قواعد بحرية وجوية هناك.
ومن خلال تصفح الموقع الرسمي للشركة العامة لمرفأ طرطوس، يبدو أن ثمة خطوات إجرائية، يجري بالفعل تنفيذها في سياق التعاون الروسي السوري الجديد؛ إذ تشير المنصة الرسمية، وهي بوابة إلكترونية حكومية، أنه من ضمن خطتها، في العام ٢٠١٩، تدشين دورة في اللغة الروسية، تكون مخصصة للعاملين في الشركة العامة لمرفأ طرطوس؛ حيث ستنقسم الدورة إلى قسمين، نتيجة العدد، وستخضع لإشراف مدير التدريب والتأهيل بالشركة.

اقرأ أيضاً: لماذا نفى نصر الله التنافس والاشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟
وتكشف المنصة، في السياق ذاته، أنّ مجلس الوزراء السوري، قام بمتابعة للمشاريع الاستثمارية، المعدة وفق قانون التشاركية، خلال جلسته الأسبوعية الأخيرة، حيث ناقش عملية إدارة واستثمار وتشغيل مرفأ طرطوس، من قبل الأصدقاء في جمهورية روسيا الإتحادية، بحسب وصفهم، بالإضافة إلى تطويره حتى يصبح منافساً على المستوى الإقليمي، ومن ثم، يسهم بتحقيق جدوى اقتصادية، وتعزيز الإيرادات المالية التي تعود بالفائدة المشتركة بينهما، فضلاً عن الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه المرفأ في تأمين احتياجات سورية من مختلف المواد.
 قواعد روسية في دمشق

مفتاح عودة الروس إلى الشرق الأوسط
يعد ميناء طرطوس هو الأكبر في سوريا؛ إذ يحتل بموقعه الجغرافي أهمية تجارية، وسياسية وجيوسياسية مهمة، بينما يشغل المرفأ مساحة، تقدر بنحو 3 مليون متر مربع، ويتميز بقربه من مراكز الإنتاج ومصبات النفط، كما يتصل بشبكة من الطرق البرية، بالإضافة إلى الشبكة العامة لخطوط السكك الحديدية، التي تربطه بالمحافظات السورية كافة، ناهيك عن الدول المجاورة من الخليج العربي وحتى إيران.

اقرأ أيضاً: روسيا وتركيا تتسببان في هروب عدد من عناصر داعش.. تفاصيل
شهد ميناء طرطوس تواجداً روسياً قديماً ومؤثراً، يسبق تواجدها في سياق تاريخ الأزمة السورية الراهنة، وتبعات موجة الربيع العربي، التي سرعان ما تحولت إلى حرب، يقودها النظام ضد المعارضة، والجماعات المسلحة، حيث كان الإتحاد السوفيتى، وتحديداً، في العام 1970، يستخدم الميناء لتزويد حلفائه في دمشق بالسلاح، فجرى تجهيز الميناء لاستقبال شحنات السلاح، وجعله نقطة مركزية في سبيل دعم الأسطول السوفياتي، الموجود فى البحر المتوسط، والقيام بأعمال الصيانه والتزود بالوقود، كما كانت ترسو فيه القطع البحريه السوفياتية والغواصات.

اقرأ أيضاً: هل تضغط تركيا على روسيا عبر استثمار ورقة "جبهة النصرة" في إدلب؟
إذاً، تمتلك موسكو مركزاً للخدمات اللوجيستية للأسطول الروسي، الموجود في ميناء طرطوس، منذ سبعينات القرن الماضي، والذي يعد المركز الروسي الوحيد في الشرق الأوسط، وعلى شواطئ البحر المتوسط، منذ ذلك التاريخ، وخاصة، بعد طرد الخبراء السوفيات من مصر، في عهد الرئيس الراحل، أنور السادات.
ظل ميناء طرطوس الشيفرة السرية بين دمشق وموسكو، في سبيل الدعم العسكري الذي حظي به نظام الأسد، وصموده، طوال سنوات الحرب الثمانية، منذ العام 2011؛ فمن خلال ذلك الميناء يستقبل الأسلحه الروسية، ويقوم بإعادة إرسال المعدات، بهدف صيانتها، حيث اعتمدت روسيا على تواجدها الإستراتيجي في الميناء، وقاعدة حميميم التي تم بناؤها جنوبي شرقي اللاذقية، لشن مئات الغارات الجوية على العديد من المدن السورية.
ماذا عساها تصنع الإتفاقية المبرمة بين النظام السوري وروسيا؟
لكن الإتفاقية ستحول هذا التواجد المؤقت لروسيا إلى وجود دائم فى البحر المتوسط، ومن خلاله ستعزز من نفوذها السياسي والعسكري، حيث سيكون بمقدورها التحرك بصورة أكثر مرونة وبمناورة أوسع عند الإنتقال من قواعدها، لإرسال غواصاتها وقطعها البحرية إلى البحر المتوسط، وبخاصة، عندما تتحرك من قاعدتها في أوكرانيا، بدون أن تضطر للعبور من مضيق البوسفور، الذي يمر عبر الأراضي التركية، والذي يمثل حجر عثرة لموسكو، بعدما قامت أنقرة بتعديل إتفاقية الملاحة في البوسفور، لتتمكن من غلق المضيق في أي وقت.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من يحكم سوريا فعلياً والأسد مجرد غطاء لترتيبات إقليمية ودولية للاعبين الرئيسيين

وكما يشير معهد واشنطن، فإنه بإمكان القوات الروسية الكبيرة، المتواجدة بهذه الصورة الإستراتيجية، منح النظام السوري ميزة حاسمة في ميادين القتال، والتي تعمل فيها قواته، حيث تتيح بالتالي للنظام السوري السيطرة على مراكز حيوية، وبسط نفوذه عليها، واستنزاف موارد الثوار البشرية والعسكرية استنزافاً مضاعفاً، كما يعزز التدخل العسكري الروسي المتزايد لصالح النظام السوري، التحالف الأمريكي التركي في سوريا، بصورة أكثر؛ فبالنسبة إلى أنقرة، تشكل موسكو عدواً تاريخياً؛ إذ إنّ الأتراك العثمانيين شنوا على الأقل 17 معركة ضد الروس، ولم يحققوا فيها أي فوز. وبالتالي، قد تضطر تركيا إلى الاصطفاف، بشكل وثيق، إلى جانب سياسة الولايات المتحدة في سوريا، بهدف تجنب أي احتكاك عسكري ضد روسيا على أرض المعركة.
قوت روسيا في سوريا

تسديد فاتورة باهظة
ويعتبر الباحث السياسي مصطفى أمين عامر أنّ إعلان موسكو عن تأجير ميناء طرطوس في سوريا لمدة 49 عاماً، للنقل والاستخدام الاقتصادي، "يعد بمثابة استمرار للاحتلال الروسي لسوريا، ولكن تحت مظلة القانون".
بيد أن الرئيس السوري، بشار الأسد، عليه أن يسدد للروس فاتورة دعمهم إياه، سياسياً وعسكرياً، وانخراطهم في المعارك الدائرة مع المعارضة، والجماعات المسلحة، ميدانياً، حسبما يوضح أمين عامر، كما أنّ القضية الرئيسية، الآن، "يمكن توصيفها بأن النفوذ الروسي تجاوز كل حدود التعاون، وأضحى استعماراً كاملاً، ليس فقط للأراضي السورية، وإنما للقرار السوري أيضاً".

اقرأ أيضاً: روسيا: تفكيك شبكة تجمع الأموال لداعش.. من يديرها؟
ويعتقد عامر أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو من يحكم سوريا فعلياً، والأسد مجرد غطاء لترتيبات إقليمية ودولية للاعبين الرئيسيين؛ "فالرئيس الروسي، هو من يحدد متى يشن عملية عسكرية شاملة، في محافظة إدلب، شمالي سوريا، وهو من يحدد الإرهاب والإرهابيين، وهو من أنشأ في أيلول (سبتمبر) العام 2018، بالاتفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منطقة منزوعة السلاح في المحافظة ذاتها، وهو من يعمل مع المعارضة السورية، للانتهاء من تشكيل لجنة لصياغة الدستور السوري الجديد، وكذلك، أسس ونفذ مناطق خفض التصعيد التى ساعدت القوات السورية على استعادة السيطرة على معظم أنحاء سوريا، منذ ثورتها التى استمرت ثماني سنوات.

اقرأ أيضاً: إعادة أطفال داعش من العراق إلى روسيا..تفاصيل
وأوضح الباحث المصري، أنّ روسيا بذلك الإتفاق تكون قد أوجدت نفوذاً بحرياً دائماً، في شرق البحر المتوسط، خاصة، أنه يأتي بعد اتفاق توسيع مركز إمداد الأسطول الروسي، في قاعدة طرطوس نهاية العام 2017، وهو ما يسمح بتواجد 11 سفينة حربية، بما في ذلك النووية منها، في آن واحد، وذلك لمدة 49 عاماً، مع إمكانية التجديد التلقائي، لفترات تصل حتى 25 عاماً.
وحول تداعيات ذلك من الناحية الإقليمية، يعتقد أمين عامر، أنّ تلك الخطوة ستثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر البحر المتوسط  منطقة نفوذ إستراتيجية، وربما، يدفعها الى إتخاذ خطوات مماثلة بدول مجاورة لسوريا، كما أنّ هذه الخطوة ستساهم لجهة دعم العلاقات القوية بين موسكو وأنقرة؛ فعبر ميناء البوسفور التركي سيمر الأسطول الروسي البحري، من ميناء سيفاستبول، المطل على البحر الأسود إلى طرطوس.

اقرأ أيضاً: أمريكا وروسيا.. دعوة لمفاوضات نووية
ويؤكد الباحث المصري أنّ تأجير ميناء طرطوس ماهو إلا خطوة واحدة، من بين خطوات سابقة ولاحقة، "لبسط النفوذ والهيمنة من جانب روسيا البوتينية، وسياساتها الإستراتيجية تجاه سوريا والمنطقة"، مرجحاً أن تسعى موسكو إلى إعادة وجودها في الشرق الأوسط، وفق ترتيبات إقليمية مغايرة، ستشكل تداعياتها الإستراتيجية مرحلة جديدة، من النفوذ والتأثير للقوى الدولية الكبرى في العالم العربي والإسلامي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية