ما يقاسيه السّائح الخليجي بصمت

ما يقاسيه السّائح الخليجي بصمت

ما يقاسيه السّائح الخليجي بصمت


27/08/2023

العنود المهيري

لا حديث للخليجيين هذه الأيام سوى عن الحوادث العنصرية المؤسفة التي تواجههم كسياح في تركيا. وبينما من المريع – بطبيعة الحال - التعرّض للضرب والشتم والصراخ والتهديد والابتزاز، ومن الضروري أيضاً فضح هذه الممارسات ومحاسبتها، فإني أعتقد أن ثمة كماً هائلاً من التجاوزات "الخفية" ضد السائح الخليجي، والتي ربما لم يعد يلاحظها أصلاً لشدة تكرارها وشيوعها، أو "الاعتداءات المصغّرة"، وهي لا تقل سوءاً عن الاعتداءات الفعلية أقصد الـ .Macroaggressions.

أتذكر أني في زيارتي الوحيدة لتركيا، تطوّع أكثر من بائع ونادل "ليبشّرني" بأن ملامحي تركية حتى أنه ظن بأني مواطنة لبلده. والغريب حقاً أنهم جميعاً تقدّموا لمخاطبتي باللغة الإنكليزية رغم اعتقادهم أني كنت تركية مثلهم. سبحان الله! 

من الواضح إذاً أنه قد خفقت قلوب الكثير من الخليجيات قبلي لمثل هذا الإطراء السمج، ولكن لم يكن من الصعب عليّ إيجاد "الاعتداء المصغّر" في هذه الحيلة التسويقية. إنهم يخبروننا بملء أفواههم، وربما يلامسون الشعور بالنقص لدى البعض منا تجاه كل ما هو تركي، بأنهم أعلى منا درجة، حتى في الخلق والتكوين، ما يجعل تشبيههم لنا بالأتراك تشريفاً وامتداحاً. 

وها هو الكاتب التركي عدنان أوناي يحذّر بنفسه من العواقب الاقتصادية لمعاملة السياح الخليجيين على أنهم "آلات لطباعة النقود". إنها الصورة النمطية الأشد إيذاءً وإضراراً بنا عند السفر، ليس فقط لأنها تجلب لنا اللصوص والنشّالين، ومحاولات الاعتداء المسلح، والتي لا يختلف اثنان على شناعتها، ولكن لأنها على المستوى "المايكرو" أيضاً تؤدي إلى معاملتنا باعتبارنا أثرياء سذّجاً لا يعرفون قيمة الأشياء الحقيقية، ويستحيل أن يقيّموا جودتها، أو حتى يرصدوا التلاعب بأسعارها.

والاعتداءات "المجهرية" هذه ضد السياح الخليجيين أكثر من أن تُعد أو تحصى، سواء في تركيا التي تنهال عليها الانتقادات حالياً أم في غيرها. 

إنها في نظرات الآخرين المرتابة نحونا وكأننا عاجزون بفطرتنا عن مجرد الانضباط وحسن التصرف والالتزام بالنظام، فحتى الهفوة الضئيلة التي قد يقع فيها أي سائح مشوش، مثل عدم إدراكه لوجوب الاصطفاف في طابور ما، تجعل الحواجب تتقطب والوجوه تكفهر من حولنا، بما يشي بأننا نتعمّد العصيان والفظاظة. إنها في الافتراض أننا لن نبرع في استخدام التكنولوجيا، أو نجيد الإتيكيت، أو نحترم الأعراف الاجتماعية.

إنها في معاملتنا كجهلاء بسطاء، وتلقين البديهيات لنا. ولن أنسى يوماً الخليجي الذي مازح مضيفة في شركة طيران أوروبية بشأن الصخب الشديد للطائرة، فما كان منها إلا أن "شرحت" له وجود محرك ضخم يحلّق بنا في السماء. إنها في الاستغراب الشديد من إجاباتنا كنساء خليجيات إذا تبيّن أننا نخالف تصوّراتهم عن الحرملك المشرقي، وأنه "يُسمح لنا" بعيش حياة طبيعية. 

الاعتداءات علينا كسياح خليجيين لم تقتصر يوماً على الأيدي الممدودة، والأسلحة المُشهرة، وعصابات الابتزاز، ولكننا لم نرفع أصواتنا باستنكار التجاوزات المجهرية بعد. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية