متى تستيقظ النخب السياسية الباكستانية لتهديدات "طالبان"؟

متى تستيقظ النخب السياسية الباكستانية لتهديدات "طالبان"؟

متى تستيقظ النخب السياسية الباكستانية لتهديدات "طالبان"؟


14/08/2023

عمر فاروق

رغم أن «طالبان» تطرق الأبواب، فإن المجتمع الباكستاني والنخب السياسية لا يزالون مشغولين بصراعاتهم ومعاركهم السياسية، فالنخب السياسية الباكستانية تبدو أكثر اهتماماً بدفع أجندتها السياسية الضيقة الخاصة بها، فيما يتعلق بتحديد هوية رئيس الوزراء القادم.

إن تهديد «طالبان» هو آخر ما يهتم به المجتمع الباكستاني والنخب السياسية في نقاشاتهم على المستوى الوطني، في وسائل الإعلام الوطنية والمؤسسات التي تمثل طوائف المجتمع مثل البرلمان. فالخطاب السياسي في المجتمع الباكستاني يركز بقوة على النزاعات السياسية التي تُشن للسيطرة على المؤسسات الحكومية.

كانت هناك زيادة ملحوظة في وتيرة الاعتداءات الإرهابية في المناطق الحدودية الباكستانية- الأفغانية، وفي إقليم بلوشستان الجنوبي؛ حيث تشن الجماعات الانفصالية محاولات تمرد محدودة. وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، وقع هجوم انتحاري على تجمع ديني في منطقة قبلية باكستانية، نُسب إلى «داعش- خراسان». وكانت هناك زيادة كبيرة في وتيرة الهجمات الانتحارية في المناطق القبلية الباكستانية والمراكز الحضرية، منذ سيطرة «طالبان» على أفغانستان في أغسطس (آب) 2021.

ومع ذلك، فشل كل هذا في إيقاظ النخب السياسية الباكستانية من سباتها العميق -باستثناء قائد الجيش الجنرال عاصم منير الذي يصدر من حين لآخر تحذيرات لـ«طالبان الأفغانية» بعدم حماية «طالبان الباكستانية»- ولم يكن هناك سوى عدد قليل من التصريحات الرسمية ذات المغزى التي خرجت على استحياء من الدوائر الحكومية بشأن تهديدات طالبان.

لم يناقش البرلمان الباكستاني تهديدات «طالبان» إلا في مناسبة واحدة خلال هذه الفترة. ومع ذلك، لم تأتِ أي مساهمة سياسية ذات مغزى من البرلمان. وظل المجتمع المدني الباكستاني في حالة سبات عميق، ولم تشر أي من منظمات المجتمع المدني الرئيسية إلى هذه التطورات الشريرة في بياناتها أو خطاباتها، أو غيرها من الوثائق.

يبدو أن المجتمع الباكستاني يغط في النوم، فهو لا يدرك أن الإرهاب يطرق الأبواب مرة أخرى. لا نكاد نرى إشارة تذكر عن قلق المجتمع المدني بشأن ما بات واضحاً للغاية للعقول العسكرية التي تعيش بيننا. فإن «طالبان» تحرز تقدماً، وصحيح أنها ليست في وضع يسمح لها بالسيطرة على أي أرض في المناطق الحدودية الباكستانية الأفغانية -ويرجع ذلك أساساً إلى الوجود المكثف للجيش الباكستاني في هذه المناطق– لكنها من الممكن أن تتسبب في كثير من المتاعب، ويمكن أن تعطل الحياة المدنية في المناطق القبلية، وكذلك في المراكز الحضرية في باكستان.

ما يشهده المجتمع الباكستاني على حدوده الغربية هو تهديد استراتيجي. ويرى الخبراء العسكريون أن الدولة والحكومة الباكستانية لا تملك رفاهية تحمل موجة العنف المتصاعدة على حدودنا الغربية، كمشكلة علاقات عامة أو مجرد دعاية. فحركة «طالبان باكستان» وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة المختبئة على جانبي الحدود الباكستانية- الأفغانية، تشكل تهديداً عسكرياً استراتيجياً حقيقياً. ولن نستطيع إبعادها بالاستعانة بفتاوى الزعماء الدينيين، ذلك -ببساطة- لأنها تشكل تهديداً عسكرياً يتطلب رداً عسكرياً قوياً.

يقترن خمول النخب السياسية الباكستانية بانقسامها العميق حول قضايا مهمة تتعلق بالأمن الوطني. على سبيل المثال: مسألة تعريف الإرهاب بدقة باتت تشق طريقها مرة أخرى إلى الخطاب السياسي السائد، وسط المحاكمات الجارية للنشطاء السياسيين بتهم الإرهاب في محاكم مكافحة الإرهاب.

المشكلة أن هذا ليس مجرد خلاف تعريفي أو أكاديمي؛ لكنه ذلك الصراع الكفيل بشق المجتمع من الوسط على المستوى السياسي. سيؤدي هذا إلى إحياء الجدل القديم حول: من هو الإرهابي؟ ما هي الجماعات التي يجب أن تقاتلها قوات الدولة؟ هل هي ببساطة تلك الجماعات المسلحة التي تحارب الدولة؟ أم هي تشمل أيضاً غير المسلحين الذين يهاجمون المنشآت العسكرية؟ صحيح أن الجيش لم يرد على هجوم المدنيين العزل بالطريقة التي رد بها على هجمات الجماعات المسلحة؛ لكن جرى إطلاق العنان للآلية الجبرية الكاملة للدولة على هذه الجماعات المدنية.

سوف يطارد هذا السؤال حكومتنا ودولتنا في المناقشات المستقبلية حول الإرهاب والعنف، في وقت يجب أن نركز فيه على وضع استراتيجيات حول التعامل مع الإرهاب والعنف على حدودنا الغربية.

عن "الشرق الأوسط" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية