مرشد "الإخوان" الغائب

مرشد "الإخوان" الغائب

مرشد "الإخوان" الغائب


11/12/2022

منير أديب

عيّنت جبهة "الإخوان المسلمين" في لندن خلفاً لإبراهيم منير الذي رحل عن دنيانا قبل قرابة شهر ونصف الشهر، وهو كان أوصى باختيار قائم بأعمال المرشد من غير أعضاء اللجنة الإدارية العليا أو حتى مجلس شورى "الإخوان"، وهو ما يُعد خروجاً عن اللوائح المنظمة للتنظيم.

تأخرت جبهة إبراهيم منير في الإعلان عن القائم بعمل مرشد "الإخوان"، اذ قامت اللجنة الإدارية بفتح الوصية التي تركها منير مقلداً فيها المؤسس الأول حسن البنا، والذي اختار فيها مرشداً بعده وهو المستشار حسن الهضيبي؛ تقلد الأخير شؤون التنظيم بعد وفاة البنا، وتقلد الدكتور صلاح عبد الحق شؤون التنظيم بعد وفاة منير.

اعتقد إبراهيم منير أن التنظيم يعيش في الظروف نفسها التي كانت تعيش فيها الجماعة في بداياتها الأولى والخاصة بالخلافات بين مؤسس التنظيم، كما تحكي أدبياته، وبين الذراع العسكرية التي أنشأتها الجماعة تحت اسم النظام الخاص، ولذلك وقع اختياره على مستشار محكمة النقض وقتها، الذي طلب منه البنا عدم الإفصاح عن انتمائه للتنظيم في بدايات الانتماء، ثم أوصى بأن يتولى شؤون الجماعة من بعده.

قام خليفة البنا بقمع قادة الذراع العسكرية للجماعة أو النظام الخاص، ولم يكن الخلاف بينهما على استخدام العنف من عدمه بل على قيادة التنظيم، فبينما يرى حسن الهضيبي أنه المرشد العام ومن حقه توجيه الجماعة بكل مؤسساتها، كان يرى النظام العسكري للجماعة أنه الذراع الطولى واليد الباطشة، وأنهم أصحاب القرار في ما يخص ممارسة العنف، فالعاملون في حقل الدعوة لهم الحق في ما يتخذون من قرارات تخصهم، أما العاملون في حقل الجهاد فلهم الحق في اتخاذ ما يرونه أيضاً من قرارات تخصهم.

رأى إبراهيم منير، قبل أن يرحل بعينه الثاقبة، أن الجماعة تمزقت جبهات عدة، وكل جبهة تمزقت من داخلها، وأن الصراع الدائر بين الجبهات المناوئة سوف يتجدد داخل جبهته ولكن بعد وفاته، ولذلك اختار رجلاً من خارج دائرة الصراع الموجود بين كل من محمد البحيري ومحيي الدين الزايط وحلمي الجزار.

صحيح أن اللجنة الإدارية ومجلس الشورى هما المعنيان باختيار القائم بعمل مرشد "الإخوان"، ولا اعتبار لأي وصيّة ما لم تتم الموافقة عليها من مؤسسات الجماعة، ولكن تبقى هذه الوصيّة مقدسة طالما رحل صاحبها، وهو القيادي صاحب الصفة التنظيمية، بخاصة أن الصراعات بين البحيري والزايط والجزار لا تخفى على العين المجردة، وهنا انحاز الجمع من مجلس الشورى واللجنة الإدارية لاختيار عبد الحق لهذه الإعتبارات.

هذا الاختيار قد يقطع الطريق أمام الخلافات داخل جبهة إبراهيم منير نفسها، ولكنه لن يقطع الخلافات مع الجبهات الأخرى المناوئة، ولذلك تحركت سريعاً جبهة محمود حسين بتصريح صحافي بلسان احدى المتحدثات عنه واصفة أي اختيار لأي قيادة من غير "إخوان مصر"، بأنه اختيار غير لائحي!

فخلافات "الإخوان" هي جزء من البنية الفكرية للتنظيم الذي أنشأه حسن البنا قبل مئة عام، ولا يمكن تصور التنظيم أو الفكرة من دون وجود خلافات واختلافات لم تظهر على السطح عندما كانت الجماعة قوية، وربما يكون ظهورها دليل ضعف التنظيم وعلامة دالة عليه.

قيادات التنظيم الذين كانوا يطنبون الأذن في زهد المناصب، هم أكثر الأعضاء فساداً وهم الأكثر بحثاً عن هذه المناصب داخل التنظيم، طبعاً يفعلون ذلك باسم اللائحة الداخلية مستدلين بالقرائن والشواهد التي تعطيهم هذا الحق، مثلهم مثل الذي يسرق ولكنه قبل أن يبدأ فعلته يُسمي بالله، وكأنه يُريد أن يضفي رضا نفسياً على أفعاله، كل جبهة تفعل ما يحلو لها وتتنابذ مع الجبهة الأخرى في الوقت نفسه باسم اللائحة.

وقع الاختيار على صلاح عبد الحق الذي يعمل طبيباً، وقد قضى عمره في العمل في قسم التربية داخل الجماعة، وسبق واتهم في القضية نفسها التي اتُّهم فيها منظر الجماعة الأول، سيد قطب، والتي عرفت باسم تنظيم عام 1965، والذي حاول فيها الأخير الانقلاب على السلطة في مصر، لولا أن تم القبض عليه وحكم عليه بالاعدام في هذه القضية.

من أسباب اختيار إبراهيم منير الطبيب صلاح عبد الحق، أن الأخير شخص توافقي، يمتاز بالهدوء، وربما هي أهم ميزة تتمتع بها هذه الشخصية، حيث يُشبه منير في شخصيته، رغم أنه ليس لديه أي قدرات في القيادة، ولم يتول منصباً قبل ذلك، فقد أفنى عمره في التربية، وعادة يعمل في هذا القسم من يُطلق عليهم "دراويش الدعوة"، شخصيات دينية لا تتولى مناصب تنظيمية ولكنهم يتفرغون فقط للتربية الروحية داخل التنظيم.

فهو شخص لا يتمتع بأي حس قيادي، ولم يعرف القيادة يوماً، وهنا أصر إبراهيم منير على أن يقضي على التنظيم مرتين، مرة في حياته عندما فجر خلافاته مع عضو مكتب الإرشاد وأمين عام الجماعة محمود حسين، فانشق التنظيم نصفين، ومره أخرى بعد وفاته، عندما أوصى باختيار قائم بعمل المرشد لا يتمتع بأي قدرات إدارية أو تنظيمية.

يُضاف لهذا وذاك أن صلاح عبد الحق، ليس لديه مشروع فكري ولن يكون قادراً على حسم أي خلاف داخل التنظيم، وهو ما سوف يُعطي مساحة أكبر للمتحولقين حول الرجل، وبالتالي سوف تتضارب القرارات داخل التنظيم، نظراً الى عدم وجود قائم بعمل المرشد قادر على الضبط والحزم وفي الوقت نفسه شخصية الرجل غير مؤهلة للقيادة، وهو ما يجعل أكثر من قيادة تتدخل بالقرارات والتأثير فيه، وهو ما يزيد من الانقسام والتشظي.

دفن إبراهيم منير وصيته في حياته حتى خرجوا بها بعد دفنه، وها هو اليوم يدفن من خلالها تنظيم "الإخوان" بانحياز قادة الجماعة الى ما جاء فيها؛ فرغم وفاة منير إلا أنه لا يزال المرشد الغائب للجماعة، وهذا دليل على هشاشة التنظيم الذي يحكمه من لا يكتفون بالحكم في حياتهم ولكنهم يطلبونه أيضاً بعد وفاتهم.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية