مستشرقون وكتاب عالميون رأوا في الإسلام مثالاً

مستشرقون وكتاب عالميون رأوا في الإسلام مثالاً

مستشرقون وكتاب عالميون رأوا في الإسلام مثالاً


15/04/2023

شريف صالح

في مشروعه النقدي ركَّز المفكر الراحل إدوارد سعيد (1935 ـ 2003) على دحض النظرية الاستعمارية؛ فالغرب المستعمِر روج لحروبه ونهب خيرات الشعوب المستعمرَة بخطابات زائفة، مثل إدخال الحداثة ونشر الديمقراطية. وفي سبيل ذلك قدم نفسه "مثالاً" يُحتذى في كل شيء، فمفهوم الحضارة يعني "تقليد الغرب"، وكأن شعوباً مثل الصين والهند ومصر لم تعرف حضارات. وكأن الإسلام لم تكن له حضارة عظيمة تجلت في بقاع شتى.

وخص سعيد نقد الغرب في كتاب بالغ الأهمية بعنوان "تغطية الإسلام" بترجمة محمد عناني. فخطورة المنحى الاستعماري أنه يجعل أبناء الشعوب المستضعفة ينظرون إلى أنفسهم وتقاليدهم وأديانهم ومذاهبهم، بأعين الغرب المستعمِر والمتحيز، ويحكمون على تراثهم بنظرة دونية. وبحسب المفكر الراحل فإن الصور التي تمثل عالم المسلمين تُنتقى بعناية لتلبية احتياجات "سوق أخرى".

لا تمتلك دوائر الثقافة والإعلام في العالم العربي، كفاءة دحض وفضح التحيز ضد الإسلام، ولا كشف الرسائل السلبية المغلفة بعناية. مثلما لا تهتم هذه الدوائر، بمن يغردون على الجانب الآخر، من مستشرقين ومفكرين ومبدعين كبار ينتمون إلى الحضارة الغربية، لكنهم اجتهدوا في فهم الإسلام، بل إن بعضهم وهب حياته للدفاع عن قضايا المسلمين، والحفاظ على تراثهم.

تصحيح النظرة 

في كتابه "الإسلام الأسس" لكولين تيرنر (ترجمة نجوان نور الدين) يتحدث عن تأثير أحداث 11 سبتمبر (أيلول) في صدور طوفان من الكتب الحديثة، وإعادة نشر كتب قديمة، بغرض التكسب وتصيد الفرص، نظر معظمها إلى الإسلام على أنه سبب "لمرض خبيث له العديد من الأعراض". ما دعا تيرنر إلى نشر كتابه هذا لتوضيح حقيقة الإسلام للغربيين. أي بلغتهم وعلى يد واحد منهم. ويؤسس فرضيته الأولى على أن تنوع المذاهب والمدارس الفقهية في الإسلام، أمر يجب استحسانه، فوفقاً للحديث الشريف "اختلاف أمتي رحمة".

أما الفرضية الثانية فتتعلق بضرورة فصل التصورات والممارسات الإسلامية عن "الوحي" أو القرآن الكريم، فثمة فجوة وأحياناً تناقضات بين سلوكيات بعض المسلمين، وما ينادي به القرآن الكريم. وفي الفصل الأول الذي خصه لرسول الإسلام يصدره بمقولات لنوابغ الغرب عن النبي، ومن ذلك قول لامارتين: "إنه محمد... مؤسس عشرين إمبراطورية دنيوية أرضية وإمبراطورية روحية واحدة؛ فبكل ما يقاس به عظمة الإنسان من مقاييس، قد نتساءل: هل هناك من هو أعظم منه على وجه الأرض؟".

صحراء العرب

بترجمة عبد الحميد السحار ومحمد فرج نشر المستشرق بودلي كتابه "الرسول: حياة محمد"، يشرح كيف تعرف إلى الإسلام أثناء وجوده في كشمير قبيل الحرب العالمية الأولى، وتأثره بصلاة أحد المسلمين هناك، ودهشته من إيمان المسلمين بمختلف الأنبياء. وكيف شجعه ذلك لاحقاً للعيش في الصحراء العربية حيث يقول: "أصبحت الخيمة المصنوعة من وبر الجمل داري، والبدو أصدقائي، والصحراء المترامية بلادي" حيث عاش سبع سنوات تعرف فيها بعمق إلى سماحة الإسلام، وسمع القرآن "باللغة العربية المكية العظيمة". ويضيف: "أحسستُ من دون أن أصبح مسلماً روعة هذا الدين الذي يخلي بين العبد وخالقه في الصحراء، وسمعت عن محمد، الرجل الذي وحد حفنة من القبائل المتنافرة المتنافسة، وجعلهم دعامة إمبراطورية من أعظم إمبراطوريات العالم قوة، وسمعت عنه أنه الرجل ذو القلب الحار، الذي حول الوثنيين وعبدة الأصنام إلى مؤمنين صادقين، يؤمنون بإله واحد، وباليقين بالموت والبعث في الحياة الأخرى".

الملاحظة المهمة والتي تعد مفتاحاً لكتاب بودلي، تتمثل في قوله: "تبين لي أن بساطة تعاليم محمد، ومثله العليا الموقرة في الصحراء، قد غُمرت تحت فيض من الروايات والفقه والأحاديث". فقد شعر أن سيرة النبي لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل.

ويهتم في الفصل الأول بإعطاء نبذة عن مكة كما رآها، وبيت الله الحرام، وتاريخ العرب وانقسامهم ما بين ظاعن ومقيم. ثم يعطي فكرة عن الوضع السياسي آنذاك ونزاع الفرس والروم. بعدها يبدأ في الفصل الثاني الحديث عن طفولة النبي. وبطبيعة الحال يستعمل بودلي تعبيرات خاصة به، فهو مثلاً يعتبر الإسلام بمثابة ثورة عالمية حدثت في فترة قاسية من عمر البشرية، ويصف الجد الأكبر للنبي "هاشم" بأنه "جابي ضرائب مكة الرسمي". فهو كمراقب من خارج الثقافة، لا يلم بالتعبيرات التراثية العربية، فيلجأ كثيراً إلى مفردات معاصرة، تقرب صورة الإسلام وأبرز شخصياته التاريخية، إلى القارئ الغربي بالأساس.

كتاب "سيرة النبي محمد" لكارين أرمسترونغ (ترجمة فاطمة نصر ومحمد عناني)، أكثر حداثة من كتاب بودلي، وربما يفوقه شهرة، وأكبر حجماً أيضاً. صدر عام 1992، وبعد سنوات قليلة صدرت ترجمته العربية في أكثر من طبعة. إن أرمسترونغ كاتبة بريطانية، وتدرك حجم الكتابات المتحاملة على الإسلام في ثقافتها الغربية، وأهم ما يميز شهادتها أنها ليست فقط باحثة في الأديان، وإنما كانت راهبة في يوم من الأيام، حتى أدركت أن حياة الأديرة غير ملائمة لتصوراتها الدينية. فكرست حياتها وكلمتها ضد الشر السائد، وممارسات الغرب "المستنير" ضد الشعوب الأخرى، وصد الأحقاد وتوضيح المفاهيم المغلوطة. والطريف أن كتابها سبق أحداث 11 سبتمبر، لكنه كان رداً على موجة كراهية أخرى انتشرت عقب قضية كتاب "آيات شيطانية" لسلمان رشدي.

وفي مقدمتها تستغرب كارين استبعاد "الإسلام" من دائرة الأديان الكبرى التي ينظر إليها بنيات طيبة مثلما يفعل الغرب مع ديانات أخرى كالبوذية، على رغم أنه أقرب في روحه إلى التراث اليهودي المسيحي للغرب. وترد الصورة السلبية والزائفة للإسلام، إلى إرث الحروب الصليبية. كما تشير إلى دور الصحافة ووسائل الإعلام الغربي في خلق صورة نمطية سلبية عن الإسلام وربطه بأعمال المتطرفين الإرهابية.

خطاب عقلاني

تتناول كاثرين ممسين في كتابها "غوته والإسلام" (ترجمة شيرين حامد) علاقة الأديب الألماني بالدين الإسلامي والتراث الشرقي عموماً، وكيف دعا إلى تبني خطاب عقلاني متزن بعيداً من نظرة الاستعلاء والكراهية. واهتمت المؤلفة بتقصي جذور القصص العربية في التراث الألماني، ومن ذلك أثر "ألف ليلة وليلة" على ملحمة "شبيل مان"، منتقدة النظرة العدائية التي زادت خلال السنوات الماضية، وما تسميه "القولبة" أي وضع كل شيء في قالب واحد بطريقة متعسفة وظالمة. وهو ما عانى منه الإسلام والمسلمون منذ القرن السابع عشر، حيث "لم يكن العدل حليفاً لهم إلا نادراً"، عبر كتابات مبدعين كبار مثل غوته وليسينجغ وهيردير. كما تسهب في الإشارة إلى تأثير "ألف ليلة وليلة" في الأدب الألماني منذ أن ترجمها الفرنسيون قبل أكثر من ثلاثة قرون، وبالطبع كان غوته في مقدمة المتأثرين حيث قال إن "بغداد ليست بعيدة للمحبين" وظهر تأثير المدينة جلياً في كتابه "ديوان الغرب والشرق".

وبسبب إعجابه بالقرآن الكريم وقع غوته في فتنة اللغة العربية، وشجعه هيردير عندما كان في الثانية والعشرين على دراستها، كما اطلع على ترجمات القرآن، واشتهر باقتباساته منه في نصوصه ورسائله، وكانت سورة "البقرة" من أقرب السور إلى قلبه. ورداً على الدراما السلبية التي نشرها فولتير عن شخصية النبي، كتب غوته "الدراما المحمدية" وركز فيها على مشهدين: بعثة النبي وتكليفه بالرسالة، وما عاناه في سبيل ذلك.

رؤية تولستوي

لا شك أن تولستوي أحد كبار المبدعين على مر العصور، وسجلت له العديد من الأقوال والمواقف المنصفة للإسلام، ومن ذلك كتابه "حكم النبي محمد" بترجمة سليم قبعين. وهو ليس كتاباً بالمعنى المفهوم، وإنما تجميع لأقوال تولستوي عن النبي، وبعض الأحاديث النبوية، ورسالة الإمام محمد عبده إلى تولستوي، ورثاء أمير الشعراء أحمد شوقي له. وكان الدافع وراء علاقة تولستوي بالإسلام، ما أحس به من تحامل المبشرين ضده، مما دفعه للرد عليهم بنشر أحاديث مختارة للنبي، قال عنها إنها "حكم عالية، ومواعظ سامية، تقود الإنسان إلى سواء السبيل". ويضيف: "وقد امتاز المؤمنون كثيراً عن العرب بتواضعهم، وزهدهم في الدنيا، وحب العمل، والقناعة، وبذلوا جهدهم لمساعدة إخوانهم في الإيمان لدى حلول المصائب بهم". أما رسالة الإمام محمد عبده إلى أديب روسيا الكبير فجاء فيها: "أيها الحكيم الجليل موسيو تولستوي... لم نحظ بمعرفة شخصك، ولكننا لم نحرم التعارف مع روحك، سطع علينا نور من أفكارك، وأشرقت في آفاقنا شموس من آرائك".

هذه مجرد أمثلة لعقول مستنيرة ومنصفة نحن أحوج ما نكون إليها في ظل خطابات التشدد وبعض الممارسات العنصرية من هنا وهناك.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية