مستقبل داعش بعد مقتل "الهاشمي القرشي"

مستقبل داعش بعد مقتل "الهاشمي القرشي"


16/02/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

احتفالاً بالعمليّة العسكريّة الأمريكيّة التي أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم داعش، أبو إبراهيم الهاشميّ القرشيّ، في إدلب السّورية، أعلن الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، أنّ العمليّة النّاجحة أظهرت أنّ القوّات الأمريكيّة يُمكن أن "تقتلع" التّهديدات الإرهابيّة في أيّ مكان في العالم.

ومع ذلك، تجنّب بايدن بشكل واضح القول إنّ موت القرشيّ سيُشكّل ضربة إستراتيجيّة للجماعة، هذا الإغفال جدير بالملاحظة ويمثّل فهم إدارة بايدن الواضح للوضع غير المستقرّ للصّراع ضدّ داعش.

من ناحية أخرى، يُمثّل موت القرشيّ نكسة كبيرة للتنظيم، والتّحدي الذي يواجهه هو إيجاد بديل للقرشيّ يُحافظ على الاستمراريّة مع مؤسّسي الحركة، بمن فيهم أبو مصعب الزّرقاويّ، الذي أسّس تنظيم القاعدة في العراق، سلف داعش، عام 2004، وأبو بكر البغداديّ، الزّعيم السّابق لداعش الذي تُوفي في عمليّة أمريكيّة، عام 2019.

كان القرشيّ رفيقاً مقرّباً للزّرقاويّ والبغداديّ، ممّا أتاح له الشّرعيّة والاستمراريّة عندما تولّى السّلطة بعد مقتل البغداديّ. ومع ذلك، فقد قُتل معظم أفراد هذا الجيل المؤسّس، ممّا يُثير مشكلات خطيرة حول القيادة والتّوجيه المستقبليّين للحركة.

موت القرشيّ لن يُعرقل العمليّات

من ناحية أخرى؛ فإنّ موت القرشيّ لن يُعرقل بشكل راديكالي العمليّات مترامية الأطراف للجماعة، والّتي تمتدّ عبر العديد من المسارح في جميع أنحاء العالم. لقد تحوّل تنظيم داعش، الذي يتمتّع بقدر متزايد من سعة الحيلة وخفّة الحركة، من خلافة مركزيّة تُدار من أعلى إلى أسفل إلى تمرّد لامركزيّ ريفيّ إلى حدّ كبير، لكنّه مع ذلك تمرّد مرِن. من غير المرجّح أن تُحدِث وفاة زعيم كبير آخر فرقاً واسعاً في هذا التّمرّد المنتشر والقاتل في سوريا والعراق وأفغانستان وغير ذلك.

تحوّل داعش، الذي يتمتّع بقدر متزايد من سعة الحيلة وخفّة الحركة، من خلافة مركزيّة تُدار من أعلى إلى أسفل إلى تمرّد لامركزيّ ريفيّ إلى حدّ كبير

في الواقع، إذا كانت التّجارب السّابقة بمثابة دليل؛ فإنّ مقتل القرشيّ سيكون له تأثير تكتيكيّ أكثر من تأثيره الإستراتيجيّ على التنظيم. على سبيل المثال، بعد هزيمة الخلافة الإقليميّة لداعش، عام 2019، وموت زعيمها الكاريزميّ، البغداديّ، في غارة أمريكيّة في العام نفسه، أعلن الرّئيس دونالد ترامب، في وقت سابق لأوانه؛ "هزمنا داعش"، والقوات الأمريكيّة في سوريا (والعراق) ستعود إلى الوطن.

استحضرت مباهاة ترامب بالانتصار الخطاب سيئ السمعة للرّئيس الأمريكيّ السّابق، جورج دبليو بوش، الذي قال فيه "أُنجزت المهمّة" مباشرة بعد غزو العراق واحتلاله بقيادة الولايات المتّحدة، عام 2003.

ومع ذلك، مثلما ثبت أنّ إعلان بوش الورديّ قصير النّظر بشكل مخجل، كذلك كان إعلان ترامب، ولم تُنجز المهمّة في العراق أو سوريا، ولم يُهزم داعش بعد بشكل دائم.

قبل وقت طويل من خسارة خلافته المادّيّة في العراق وسوريا، في عامي 2017 و2019 (على التّوالي)، كان التّنظيم يحيك المؤامرات بشكل يوميّ، من خلال إرسال مقاتلين وملازمين من المستوى المتوسّط ​​إلى الجبال والصّحارى وغيرها من المناطق الآمنة في العراق وسوريا، تمكّن التّنظيم من النّجاة دون أن يكون له قاعدة مادّيّة. وعلاوة على ذلك، أُرسِل أعضاء داعش أيضاً إلى أفغانستان وليبيا وأجزاء أخرى من أفريقيا لإنشاء القواعد وتوسيع العمليّات.

نتيجة لهذا التّخطيط المسبق، تمكّن داعش من الحفاظ على نفسه وفي خضم فقدان خلافته الإقليميّة في سوريا والعراق، مع ما يقدّر بنحو 10,000 مقاتل نَشِط ومُردكل ما يزالون على استعداد للتّضحية بأرواحهم من أجل قضيّة التّنظيم، فإنّ داعش اليوم لديه القدرة وقوّة الإرادة لمواصلة صراع طويل الأمد. أفراد العمليّات من المستوى المتوسّط ​​لديهم استقلاليّة عمليّاتيّة ويُمكنهم العمل بدون سلطة أعلى.

هجمات الكرّ والفرّ المميتة

في الأعوام الثّلاثة الماضية، نفّذ تنظيم داعش آلاف هجمات الكرّ والفرّ المميتة في العراق وسوريا وأماكن أخرى، ممّا أسفر عن مقتل المئات من قوّات الأمن والشّخصيات القبليّة، والزّعماء المحلّيّين، ووجهاء القرى، وفرض سلطته وسيطرته على المجتمعات السّنية الرّيفيّة.

قبل أيّام من الغارة التي قتلت القرشيّ، شنّ التّنظيم هجوماً معقّداً ومنسّقاً للغاية على سجن، في مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، يضمّ أكثر من 3,000 من أعضاء التّنظيم المشتبه بهم وحوالي 700 صبيّ من أطفال مقاتلي داعش.

فجّر انتحاريان بسيّارتين مفخّختين مدخل السّجن وسمحا لأكثر من عشرة مقاتلين بالدّخول، وأخذوا موظّفي السّجن كرهائن.

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"؛ أنّ الخلايا النّائمة لتنظيم داعش استولت أيضاً على مبانٍ وصوامع حبوب في أحياء سكنية في الحسكة وهاجمت تعزيزات أرسلتها "قوّات سوريا الدّيمقراطية"؛ التي يقودها الأكراد لاستعادة السّيطرة على السّجن.

تسيطر "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" على هذه المنطقة، وتتمركز القوّات الأمريكيّة هناك أيضاً، وتُظهر قدرة الخلايا النّائمة للتّنظيم على التسلّل إلى هذه المنطقة الحسّاسة تخطيطاً مسبقاً عمليّاتيّاً جريئاً ومتطوّراً.

حتّى مع مساعدة الولايات المتّحدة بالعربات المدرعة والمروحيّات الهجوميّة والغارات الجويّة، تطلّب الأمر أكثر من أسبوع بالنسبة إلى القوّات التي يقودها الأكراد لطرد مسلّحي التّنظيم من السّجن. في هذه العمليّة، قُتل العشرات من أعضاء الميليشيّات الكرديّة ومئات من أعضاء داعش، ممّا يدلّ على شدّة التّنظيم ومرونته.

إنّ تخطيط داعش لهجوم جريء وواسع النّطاق على السّجن كان سرّاً معروفاً، كانت القوّات التي يقودها الأكراد والولايات المتّحدة على علم مسبق بأنّ التّنظيم وعد، مراراً وتكراراً، بإطلاق سراح مقاتليه الأسرى. في الواقع، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، "قال مسؤول أمريكيّ كبير، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إنّ الهدف المحتمل للعمليّة هو تحرير بعض قادة التّنظيم الكبار، أو من المستوى المتوسّط ​​والمقاتلين ذوي المهارات المحدّدة، مثل صناعة القنابل".

قدّر المسؤول أنّ حوالي 200 سجين خرجوا من السّجن، هؤلاء المقاتلون، البالغ عددهم 200، سيضيفون المزيد من الوقود والقوّة النّاريّة إلى تمرّد التّنظيم المنتشر في سوريا والعراق والدّول المجاورة.

التّنظيم كان يجدّد صفوفه

هناك أيضاً أدلة متزايدة على أنّ التّنظيم كان يجدّد صفوفه بشكل مطّرد بمجنّدين أصغر سنّاً، خاصّة من العائلات ذات الأعضاء الأكبر سنّاً الّذين لديهم صلات بالتّنظيم، وكذلك من النّازحين داخلياً والسنّة المستبعدين.

لا ينبغي أن يكون هذا بمثابة صدمة عندما ينظر المرء إلى أنّه بعد أعوام من طرد داعش من المراكز الحضرية الرّئيسة في العراق، ما يزال البلد مليئاً بعشرات الآلاف من السّنّة النّازحين داخليّاً الّذين يُعاملون بازدراء وإقصاء، وتورّط أقارب أعضاء التّنظيم عن طريق الاتّصال وُوضعوا في معسكرات اعتقال، وهي حقيقة خلقت استياء وحتى ردكلة.

وبالمثل، في سوريا، لم يؤدّ تفكيك الخلافة الإقليميّة للجماعة، عام 2019، إلى الاستقرار أو الازدهار. حوّلت الحرب الأهليّة والمنافسات الجيوستراتيجيّة البلاد إلى نقطة جذب للمتطرّفين من جميع الألوان والمشارب، بما في ذلك القاعدة وداعش والميليشيّات الطّائفيّة.

لا عجب، إذاً، أنّ كلاً من البغداديّ والقريشيّ كانا متمركزين في إدلب بالقرب من الحدود السّوريّة التّركيّة، وهي منطقة تقع خارج سيطرة الحكومة السّورية، وموطن لملايين اللاجئين السوريّين والمقاتلين الأجانب.

الصّراع المدنيّ والعنف في مناطق الصّراع، في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وغرب أفريقيا، وأماكن أخرى هما المكونان الرّئيسان لبقاء وتوطيد تنظيم داعش والجماعات المماثلة

رفضت الحكومات الأجنبيّة إعادة آلاف المواطنين المتّهمين بالقتال في صفوف داعش وعشرات الآلاف من أفراد عائلاتهم، ولم تتمكّن "قوّات سوريا الدّيمقراطيّة" من تأمين السّجون ومعسكرات الاعتقال بشكل كامل. هناك خطر حقيقيّ من أن تُصبح هذه المعسكرات حاضنات للجيل القادم من مقاتلي داعش.

ومع ذلك، فإنّ التّنظيم ليس تهديداً إستراتيجيّاً، إنّه ضعيف وهشّ، وهو لم يعد يسيطر على مناطق كبيرة وصار متفرّقاً في كلّ مكان، لم تخسر دولة الخلافة فحسب، بل فقدت أيضاً كبار الملازمين والمسؤولين عن التّنفيذ الذين عزّزوا أراضيها وأبقوا السّكان تحت السّيطرة، يقتصر وجود التّنظيم الآن على المخابئ الرّيفيّة، والجبال، والصّحارى التي يشنّ منها هجماته.

ومع ذلك، فإنّ استمرار داعش في العراق وسوريا يُظهر الحاجة الملحّة إلى معالجة المظالم السّنّيّة المشروعة من خلال مداواة الجراح، والمصالحة، وإعادة إعمار الدّولتين العراقيّة والسّورية على أساس سيادة القانون والمواطنة، وإشراك الجميع. بطبيعة الحال، قول هذا أسهل من القيام به. لكن التّنظيم هو أحد أعراض انهيار مؤسّسات الدولة في قلب العالم العربيّ والإسلاميّ والتّدخّلات الخارجيّة المكثّفة والمتكرّرة في الشّؤون الدّاخليّة للمنطقة.

تعتمد الطّريقة الأكثر فاعلية لمنع عودة ظهور داعش على قدرة المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، جنباً إلى جنب مع القوى الإقليميّة والعظمى، على العمل نحو حلّ سياسيّ للعنف الطّائفيّ والشّروع في مشاريع بناء الدّولة القائمة على الشّفافية والشّرعية.

الصّراع المدنيّ والعنف في مناطق الصّراع، في سوريا والعراق واليمن وليبيا والصومال وأفغانستان وغرب أفريقيا، وأماكن أخرى هما المكونان الرّئيسان لبقاء وتوطيد تنظيم داعش والجماعات المماثلة. يمكن للمجتمع الدّوليّ أن يحرمهم من هذه المكوّنات من خلال المساعدة في إنهاء النّزاعات المحلّية الطّويلة والمنافسات الجيوسياسيّة. وهذا، أكثر بكثير من موت أيّ زعيم، سيساعد في وضع نهاية دائمة لداعش والجماعات المماثلة.

مصدر لترجمة عن الإنجليزية:

فواز جرجس، فورين بوليسي، 7 شباط (فبراير) 2022

https://foreignpolicy.com/2022/02/07/qurayshi-death-leader-islamic-state-current-strength/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية