معالم على طريق التجربة السياسية للإخوان في الصومال

معالم على طريق التجربة السياسية للإخوان في الصومال


14/12/2021

تختلف تجربة الإخوان المسلمين في الصومال عن مثيلاتها في البلاد العربية، لعدة عوامل، منها؛ طبيعة التدين في المجتمع، والسيولة السياسية الكبيرة، والبنى التقليدية العشائرية القوية، وحجم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية الكبيرة جداً، وغير ذلك من العوامل، التي جعلت تجربة إخوان الصومال مختلفة في تعاطيها المحلي والدولي مع الأحداث.

وعلى عكس كلّ تجارب الإخوان في الدول العربية، لم يحظ إخوان الصومال بالأفضلية لدى الحكومتين القطرية والتركية، إذ يؤيدان الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، الذي لا ينتمي إلى أيٍ من التيارات الإسلامية التقليدية أو الحركية، في وجه خصوم ينتمون صراحةً إلى فكر الإخوان المسلمين مثل الرئيسين السابقين؛ شريف شيخ أحمد، وحسن شيخ محمود.

فعالية لإخوان الصومال

ولا يعرف الكثير من الصوماليين عن وجود جماعة الإخوان المسلمين في بلادهم، ليس جهلاً من شعب منغمس في متابعة القضايا السياسية المتعددة؛ بل لأنّ الفكر الإخواني لم يجد أرضية دينية للتمايز عن بقية المجتمع؛ بسبب شيوع التدين بين الأغلبية، ولهذا انخرط الإخوان مدعومين بالمال الأجنبي في الحياة السياسية، مثل معظم الفاعلين السياسيين في البلاد، وفق معادلة القبيلة والمال الحاكمة.

من الدعوة إلى السياسة

واقتصر نشاط حركة الإصلاح التي مثّلت في بدايتها فرع جماعة الإخوان المسلمين في شرق أفريقيا، ثم لاحقاً بعد الانشقاقات اقتصرت على الإخوان في الصومال، على النشاط الدعوي بطرق سرية، في ظل نظام الرئيس الراحل محمد سياد بري، الذي واجه النشاط السياسي بالقمع، وبعد سقوط هذا النظام على يد المعارضة القبلية المسلحة عام 1991، عاد عددٌ من مؤسسي وقيادات الحركة إلى البلاد. وانصب اهتمامهم على التغلغل في المجتمع عبر النشاط التربوي والتعليمي الواسع، وتجنبوا المعترك السياسي مباشرةً إبان الحرب الأهلية التي اندلعت عقب سقوط نظام سياد بري، حتى تدشين المرحلة الانتقالية بعد مؤتمر عرتا للمصالحة الصومالية في جيبوتي عام 2000.

الفكر الإخواني لم يجد أرضية دينية للتمايز عن بقية المجتمع؛ بسبب شيوع التدين بين الأغلبية، ولهذا انخرط الإخوان مدعومين بالمال الأجنبي في الحياة السياسية، مثل معظم الفاعلين السياسيين

وكان لحركة الإصلاح الإخوانية حضور كبير في مؤتمر عرتا في جيبوتي، وتمكن حوالي عشرين عضواً من أعضائها من الحصول على عضوية البرلمان ومنصب نائبي رئيس البرلمان.

ويقول المفكر والمستشار الصومالي، عمر الشيخ نور سيد علي: "كان لحركة الإصلاح دور كبير في تأسيس الحكومة الحكومة الانتقالية، في مدينة عرتا بجيبوتي، وتولى الرئاسة عبد القاسم صلاد حسن، وهو من الإخوان".

انشقاقات متعددة

وتأسست حركة الإصلاح في مدينة الرياض السعودية عام 1978، على يد خمسة من شباب الحركة الإسلامية وهم: الشيخ محمد أحمد نور جريري، وعلي الشيخ أحمد أبو بكر، ومحمد يوسف عبدالرحمن، والشيخ أحمد رشيد حنفي، وعبدالله محمد عبدالله، وأصبحت في عام 1987 عضواً في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وممثلة له في منطقة القرن الأفريقي.

أحد قيادات حركة الإصلاح القديمة، علي باشا عمر حاج

وشهدت أول انشقاق في العام 1982، بانشقاق مجموعة "الجماعة الإسلامية" بزعامة إبراهيم الشيخ إسحاق، وهو قيادي كيني من أصل صومالي.  وفي عام 1992 انشق عن الحركة مجموعة تنتمي إلى الإقليم الصومالي في إثيوبيا "أوغادينيا".

اقرأ أيضاً: حركة الشباب تعلن مسؤوليتها عن تفجير سيارة مفخخة في الصومال... تفاصيل

وفي عام 2007 اجتمع حوالي أربعين من قيادات وكوادر الحركة وأعلنوا إقالتهم إدارة الحركة وتعيين إدارة جديدة محلها، وهي خطوة قوبلت بالرفض من قيادة الحركة ومن مكتب الإرشاد، لكنهم أصروا على موقفهم وأصبحوا تنظيماً مستقلاً عن الحركة باسم حركة الإصلاح (الإسلامية)، وفق بحث نشره الكاتب والباحث الصومالي، محمد أحمد عبد الله.

اقرأ أيضاً: الصومال: تقرير رسمي يكشف شبهات فساد بالملايين.. ما القصة؟

ويقول المفكر والداعية عمر الشيخ: "من بين المجموعة التي أسست حركة الإصلاح الإسلامية المنشقة، الآتي؛ محمد علي إبراهيم، والشيخ عثمان إبراهيم أحمد، ومحمد شيخ أحمد (محمد الحاج)، وعمر طاهر، وجعلوا مراقبهم العام شيخ عثمان إبراهيم أحمد، ومن بعده محمد علي إبراهيم".

اقرأ أيضاً: الصومال تعلن حالة الطوارئ الإنسانية العاجلة... ما القصة؟

وفي عام 2013 شهدت الحركة انشقاق ثلاثة من الخمسة المؤسسين، وهم؛ محمد غريري، والشيخ أحمد رشيد حنفي، ومحمد يوسف، إلى جانب نائب المراقب العام، علي بيري، عن الجناح الذي يقوده الدكتور علي باشا عمر، ويضم المؤسس عبد الله محمد عبد الله، متهمين قيادتها بـ"الانحراف عن نهج الحركة ورفض كل الجهود الرامية لحل الخلافات الداخلية".

اقرأ أيضاً: من هم أبرز المرشحين للانتخابات الرئاسية في الصومال؟

ووقع هذا الخلاف الأخير في عهد الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، والذي ينتمي إلى المجموعة المنشقة، وأعاد الفريقين المنشقين في 2007 و 2013 الاندماج، ويوضح ذلك عمر الشيخ قائلاً: "المجموعة التي انشقت في عام 2013 سمت نفسها "حركة التغيير"، واندمجت مع مجموعة عام 2007، وأصبح اسمهم الحركة الإسلامية في القرن الأفريقي (دمج الجديد)، لكن أهل الصومال نطقوها باسم "دم الجديد".

الداعية عمر الشيخ: انشق غريري بمجموعته، وأعلن ألا وجود للإخوان في الصومال

وتابع في تصريح لـ"حفريات": "أصبح محمد أحمد الحاج المراقب العام للحركة الإسلامية في القرن الأفريقي (دمج الجديد) من ٢٠١٢ - ٢٠١٧، ثم وقع شقاق بين غريري ومحمد الحاج؛ بسبب موقف الشيخ غريري الرافض لأنّ يتولى منصب المراقب العام مَن ليس من المؤسسين الخمسة، وكان هو والشيخ أحمد رشيد حنفي من المؤسسين داخل حركة دمج الجديد، وحدث شقاق، فانشق غريري بمجموعته، وأعلن ألا وجود للإخوان في الصومال، وعاد إلى كندا".

اقرأ أيضاً: لماذا لا ترغب "أميصوم" في الانسحاب من الصومال؟

وأفاد أنّ "مجموعة من دم / دمج الجديد الباقية كانت من الشبان،  ورأوا أنّ اسم "دم / دمج الجديد" أصبح مسبة في حقهم، فقاموا بصوملة الألقاب والمصطلحات، وبات يُسمون أنفسهم حزب المجتمع الصومالي، برئاسة عمر طاهر".

الباحث محمد يوسف لـ"حفريات": لا أظن أنّ الانتماء للإخوان أو التنظيم الدولي  للجماعة له تأثير قوي على المشهد السياسي في الصومال؛ لوجود أبعاد أخرى في العملية الانتخابية

ووفق الداعية والمفكر عمر الشيخ، فخريطة الإخوان في الصومال اليوم هي: الحركة الإسلامية في القرن الأفريقي "دمج الجديد"  بزعامة محمد يوسف. وحركة التغيير بزعامة الشيخ أحمد غريري. وحزب المجتمع الصومالي برئاسة عمر طاهر. وحركة الإصلاح القديمة برئاسة محمد حسين عيسى.

ويُعدد الباحث محمد أحمد عبد الله أسباب الانشقاقات بما يلي: العصبية القبلية حيث الانتماء القبلي معيار التقييم وأساس التعامل، والصراع على السلطة والمال، وعدم وجود هيكل رأسي يُصعد كفاءات وقيادات، ويستوعب طموح وطاقات الأعضاء، واستمرار دور المؤسسين في توجيه الحركة.

الإخوان والرئاسة

ومن المفترض أنّ تُعقد الانتخابات الرئاسية غير المباشرة في البلاد، بعد اكتمال إجراء انتخابات مجلس الشعب، والتي تواجه مشاكل عديدة؛ بسبب تدخل رؤساء الولايات في العملية الانتخابية، وعدم التزام اللجان الانتخابية الإقليمية بقرارات اللجنة الفيدرالية.

وكانت مفوضية الانتخابات لممثلي أرض الصومال أوقفت انتخابات 16 مقعداً من مقاعد مجلس الشعب بعد الإعلان عن فتح باب الترشح لهم، وذلك بعد تجدد الخلافات بين رئيس مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، عبد الله حاشي، ونائب القائم بأعمال رئيس الحكومة، مهدي جوليد، المنحدرين من أرض الصومال.

الرئيس السابق، حسن شيخ محمود

وكذلك أعلنت المفوضية إلغاء نتائج انتخابات اثنين من مقاعد مجلس الشعب في ولاية جنوب الغرب، بعد اتّهامات لرئيس الولاية بالتدخل في العملية الانتخابية. ويسعى رؤساء الولايات إلى ضمان فوز مرشحين موالين لكي يتحكموا في اختيار رئيس الجمهورية، والذي يتمّ اختياره في اقتراع سري مباشر، لأعضاء البرلمان بغرفتيه؛ مجلس الشعب ومجلس الشيوخ.

وحول مرشحي الرئاسة المنتمين لفكر الإخوان المسلمين، يقول الباحث السياسي الصومالي، محمد يوسف: "هناك مرشحون رئاسيون ينتمون لتنظيمات إخوانية، أو يتبنون فكراً إخوانياً،  ومنهم الرئيس الأسبق، شريف شيخ أحمد، ويمثل حركة آل الشيخ وهي قريبة للحركة الإسلامية في السودان، وكان يقود آل الشيخ خلال فترة حكمه من 2009 - 2012، وخلفه رئيس ينتمي للإخوان، وهو حسن شيخ محمود".

اقرأ أيضاً: تحذيرات من تكرار سيناريو أفغانستان.. هذه مخاطر انسحاب "أمصيوم" من الصومال

وهناك إلى جانب ذلك، رئيس حزب ودجر، عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي، والشهير بمواقفه العدائية للدور القطري في الصومال، وذلك بحسب إفادة المفكر والداعية عمر الشيخ.

وأبلغ يوسف "حفريات": "لا أظن أنّ الانتماء للإخوان أو التنظيم الدولي للجماعة له تأثير قوي على المشهد السياسي في الصومال؛ لوجود أبعاد أخرى في العملية الانتخابية، قد تكون أهم من الانتماء الأيديولوجي، وهما؛ القبيلة، والمال الأجنبي".

محددات البيئة الصومالية

وكان من المفترض أنّ تُجرى انتخابات العام 2016 الرئاسية وفق النظام الانتخابي المباشر، مثلما هو مُتبع في الأنظمة الديمقراطية في دول العالم، وتمّ تأجيل ذلك إلى العام 2020، وهو الأمر الذي تأجل بعد أزمة سياسية كبيرة بين فرماجو والولايات، بسبب عدم توفر الظروف الأمنية والفنية والسياسية للتحول من نظام 4.5 العشائري إلى نظام الانتخاب المباشر، إلى جانب حرص كل فصيل على الإبقاء على مكتسباته السياسية.

الباحث محمد يوسف: هناك مرشحون رئاسيون ينتمون لتنظيمات إخوانية

وفي ظل هذا النظام يعتبر المال العامل الأول في كسب النفوذ السياسي، نظراً لتحكم أفراد بعينهم في العملية السياسية، التي تبدأ مع رؤساء القبائل والعشائر، الذين كان لهم الدور الأساسي في اختيار المندوبين، الذين يقومون بالتصويت في عملية اختيار مرشحي مجلس الشعب، وهؤلاء بدورهم يختارون رئيس الدولة.

وكذلك لا يستطيع الإخوان استثمار الورقة الدينية لجذب الأصوات الانتخابية كما هو حالهم في البلاد العربية، إلى جانب أنّ طبيعة المجتمع الصومالي الذي ينتشر فيه التدين الصوفي بقوة، تجعل هذه الورقة غير فعالة، بل وستثير ردّ فعل من الجانب الصوفي والسلفي، وهو الذي لم يظهر حتى الآن.

اقرأ أيضاً: لماذا تجدّد الصراع مع الصوفية في الصومال؟

وأشار المفكر والداعية الصوفي، عمر الشيخ، إلى أنّ "معظم علماء الصومال من الصوفية لا مشاكل لديهم مع الحركات الإخوانية؛ لأنّ الإخوان يعتقدون بنفس منهج الصوفية؛ السني الأشعري الشافعي، وأضافوا العمل السياسي، وهذا القبول مشروط بحال الإخوان، وقد يتغير إذا تغير تعاملهم تجاه التراث الصوفي السائد".

ولم ينجح الإخوان خلال وجودهم السياسي في موقع السلطة سواء في الرئاسة والحكومة في تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية وأمنية، ولا يختلفون في ذلك عن بقية القوى السياسية، وذلك لأنّ الواقع الصومالي صبغ الجميع بمحدداته التي تلعب القبيلة فيها دوراً كبيراً، وهو ما يجعل الإخوان حتى اليوم في الصومال لا يشكلون خطراً اجتماعياً، لأنّ دعوة الأسلمة التي يرفعونها لا تضيف جديداً لمجتمع يغلب عليه التدين.

اقرأ أيضاً: قتلى في هجوم إرهابي لحركة الشباب بالصومال... تفاصيل

وحتى في قضية التعامل مع جهات أجنبية، لم يختلف موقف الإخوان عن غيرهم، فهم دعموا دخول القوات الإثيوبية ضدّ نظام المحاكم الإسلامية الذي غلبت عليه الجماعات السلفية، وبالمثل لكل مرشح رئاسي سواء إخواني أم لا، داعم خارجي، وعلاقات خارجية مع دول الجوار الأفريقي، والدول العربية والدول الغربية.

الرئيس السابق، شريف شيخ أحمد

وبدأ العمل بنظام المحاصصة العشائرية في البلاد في مؤتمر المصالحة الصومالية بمنطقة عرتا في جيبوتي، عام 2000، والذي أسس لاستعادة الصومال مؤسساته الدستورية، لتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية، وينصّ النظام المعروف بقاعدة (4.5) على منح الكتل العشائرية الكبيرة، المهيمنة على البلاد، وهي در، ودارود، وهوية، ودغل ومرفلي، حصة واحدة لكل منها، والنصف المتبقي لبقية الأقليات غير المنتمية للتجمعات الكبرى، وتنطبق هذه التقسيمة على أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 275 نائباً، وتحصل كل كتلة من الأربعة على حصة 61 عضواً، ويتبقى 31 عضواً للأقليات القبلية، وكذلك في مجلس الشيوخ، والوظائف الحكومية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية