مفاهيم الدم عند الإخوان... كتاب جديد يؤرخ لسيرة العنف والتطرف

جعلت جماعة الإخوان من القتل شريعة، وواجباً في بعض الأحيان، ونسجت من مفاهيم الدين الكثير من الأفكار والمعتقدات المغلوطة التي رسخت هذا الفكر لدى عناصرها، وقد حفل تاريخ الإخوان بسيرة طويلة من وقائع العنف والقتل ضد كل من يختلف معهم في الفكرة، أو يقف عائقاً أمام مشروعهم السياسي، وفي هذا السياق يفند كتاب حديث صادر عن مركز (رع) للفكر والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان (مفاهيم الدم عند الإخوان) رحلة العنف داخل التنظيم. 

يقدّم الكتاب قراءة معمقة في كتاب "رسائل الإمام الشهيد حسن البنا" وبعض أجزاء من كتاب "الدعوة والداعية"، فضلاً عن بعض أجزاء من محاضرات حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 ومرشدها الأول، كنموذج استهدفته الباحثة أسماء دياب للدراسة والتحليل النقدي، بهدف استخلاص المفاهيم الفكرية والتنظيمية التي أصّل لها البنا، واعتمدتها كل الجماعات الإرهابية كدستور ومصدر للتأصيل لما قامت به من أعمال عنف وإرهاب خلال القرنين، السابق والحالي.  

تشريح العقل الإخواني 

يتناول الكتاب آليات تسرب بعض تلك المفاهيم إلى وجدان بعض الشباب غير المؤدلجين، ومحاولة تحليلها وتقديم مفاهيم مجابهة لها من خلال منظومة منهجية علمية ومحددة، اعتمدت الباحثة في ذلك على عرض الردود الشرعية من القرآن الكريم باعتباره على رأس مصادر التشريع الإلهي باعتباره قطعي الثبوت، وتفسيراته التي تلقتها الأمّة بالقبول منذ مئات الأعوام، ومن السنّة النبوية الصحيحة العملية والقولية، ثم على آراء بعض العلماء من الأزهر الشريف.

كما اعتمدت الباحثة في كتابها (مفاهيم الدم عند الإخوان) على السوابق التاريخية، وما استقر في العلوم السياسية في شأن الرد على التأصيل لبعض مفاهيم الدم، ولم يؤصل له البنا من الجانب الشرعي، وللإلمام بالأمر من كل جانب استعانت الباحثة بعرض بعض الآراء لمفكرين معنيين بمجابهة الفكر المتطرف والردّ عليه من خلال كتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم، وقد وقع الاختيار على (3) من المفكرين والعلماء. 

 الأوّل هو الدكتور علي عبد الرازق من علماء الأزهر الشريف، ووزير الأوقاف المصرية عام 1947م، وهو أوّل من فتح باب التأصيل الشرعي لمنظومة فكرية مناهضة للفكر المتطرف، من خلال كتابه (الإسلام وأصول الحكم)، عقب سقوط نظام الخلافة الإسلامية كنظام حكم كان سائداً قبل (100) عام.

الثاني هو المفكر العربي علي محمد الشرفاء، وهو كاتب إماراتي له إسهامات بارزة في مجابهة الفكر المتطرف، وقد تمثلت أفكاره في العديد من الكتب؛ ومنها (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، و(المنهاج الإلهي)، وغيرها الكثير من الكتب التي تحاول تقديم نموذج إصلاحي تنويري للخطاب الديني، هذا بالإضافة إلى مئات المقالات التي تعكس الرؤية الإصلاحية نفسها.

يتناول الكتاب آليات تسرب بعض تلك المفاهيم إلى وجدان بعض الشباب غير المؤدلجين، ومحاولة تحليلها وتقديم مفاهيم مجابهة لها من خلال منظومة منهجية علمية ومحددة.

كذلك عرضت الباحثة لآراء المفكر الفلسطيني د. عدنان إبراهيم، من المفكرين الإصلاحيين من مذهب أهل السنّة والجماعة، وله إسهامات تتسم بالعقلانية الشرعية في الردّ على الأفكار المتطرفة وتقويضها بمنهجية علمية مستنبطة من النصوص الشرعية وملمّة بشتى العلوم الإنسانية الحديثة. 

الدم في منهج الإخوان 

احتوى كتاب (مفاهيم الدم عند الإخوان) على (28) مفهوماً؛ (7) مفاهيم فكرية، منها مفهومان رئيسيان هما (الخلافة، الأستاذية)، و(5) مفاهيم تابعة للمفهومين الرئيسيين، وهي: (نظام الحكم، مفهوم الوطن، الجهاد، الحاكمية، الاستعمار)، وتمثل المفاهيم الفكرية رأس الهرم في المنظومة المتطرفة التي تُعدّ أهدافاً مركزية لجماعة الإخوان المسلمين وأخواتها. 

بالإضافة إلى (21) مفهوماً تنظيمياً؛ منها (3) مفاهيم رئيسية (البيعة، وتربية النشء، ونظام الأسر)، و(18) مفهوماً تابعاً لتلك المفاهيم التنظيمية الرئيسية؛ وهي: أركان البيعة   (الفهم، الإخلاص، العلم، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الإخوة، الثقة)، و(السرّية، التكفير، التقية، الاستعلاء بالإيمان، الولاء والبراء، المرأة، الجندية، المال)، تلك المفاهيم التنظيمية "الحركية" تمثل مناهج أصّل لها البنا لإعداد الفرد الإخواني وتأهيله ليصبح أداة طيعة لتنفيذ أوامر الجماعة التي تسعى للوصول إلى الأهداف المركزية (المفاهيم الرئيسية).

وقسّمت الباحثة كتاب (مفاهيم الدم) إلى (4) فصول، بالإضافة إلى فصل تطبيقي ختامي؛ الفصلان الأول والثاني يحتويان على المفاهيم الفكرية الرئيسية والتابعة، والفصلان الثالث والرابع يحتويان على المفاهيم التنظيمية "الحركية" الرئيسية والتابعة، وأخيراً الفصل الختامي، ويحتوي على (12) قضية، كمثال تطبيقي على بعض الأحداث التي تمثل جرائم عنف وإرهاب، وقد وقعت تلك الحوادث بفعل عناصر من جماعة الإخوان المسلمين أو بالمشاركة معهم، وتم التأصيل لتلك الأفعال في سياق مفاهيم الدم التي تناولها الكتاب.

الخلافة... أخطر مفاهيم الدم 

بدأ كتاب (مفاهيم الدم عند الإخوان) من خلال الفصل الأول بالتعرّض لمفهوم "الخلافة" باعتباره أخطر المفاهيم الفكرية الرئيسية التي تمثل رأس هرم المفاهيم، ويمثل المفهوم هدفاً رئيسياً مدوّناً في ميثاق تأسيس الجماعة، فقد أسست الجماعة عام 1928، بعد (4) أعوام من سقوط الخلافة كنظام للحكم، وأُلغي العمل بنظام الإمبراطوريات في العالم، بهدف عودة نظام الخلافة مرة أخرى، وانبثقت من الجماعة عدة جماعات وتنظيمات وأحزاب تعمل للغرض نفسه. 

احتوى كتاب (مفاهيم الدم عند الإخوان) على (28) مفهوماً؛ (7) مفاهيم فكرية، وتمثل المفاهيم الفكرية رأس الهرم في المنظومة المتطرفة التي تُعدّ أهدافاً مركزية لجماعة الإخوان المسلمين وأخواتها.

وعرضت الباحثة مفهوم "الخلافة" عند حسن البنا وفي الفقه الإسلامي؛ "الخلافة تكون لوراثة النبوة"، بغرض وضع أساس علمي للمفهوم، ثم تمّ عرض تأصيل حسن البنا  لوجوب العمل بنظام الخلافة في كل العصور، فأوجب البنا على المسلمين (الإخوان) وجوب العمل على إعادة نظام الخلافة، واعتبر البنا أنّ هذا الهدف هو رأس أولويات الجماعة.

تفريخ الإرهاب 

يطرح الكتاب في فصله الرابع سؤالاً، وهو: كيف اهتمّ البنا بفكرة "تربية النشء" على المنظومة الفكرية التي أصل لها من خلال صناعة حاضنة إخوانية وهي "نظام الأسر"، وخصص البنا رسالة بعنوان "نظام الأسر"، فصّل فيها شكل تلك الأسر وواجبات كل فرد داخل هذه الأسر الإخوانية، وعرض كتاب (مفاهيم الدم) للمفهومين التنظيميين "تربية النشء" و"نظام الأسر" كمفهومين رئيسيين.

ثم عرض الكتاب لـ (8) مفاهيم تابعة لها، يربّى عليها الفرد الإخواني داخل الجماعة (السرّية، التكفير، التقية، الاستعلاء بالإيمان، الولاء والبراء، المرأة، الجندية، المال).

وفي سياق متصل؛ تناول كتاب (مفاهيم الدم عند الإخوان) مفهوم "السرّية" عند الإخوان، وقد صنفته الباحثة كأوّل مفهوم تنظيمي تابع لمفهوم "نظام الأسر"، لما له من أهمية خاصة في رسائل حسن البنا، الذي لم يخصص له رسالة معنونة وإنّما نص عليه في أجزاء من رسائل متفرقة. 

وقد رصد كتاب (مفاهيم الدم) (4) أجزاء من رسائل البنا، ويؤكد بالدلالة على الحفاظ على السرّية، وعرض الكتاب للردّ عليها من آراء العلماء، ثم عرض الكتاب المناهج التي أُلفت لدراسة كيف يكون العمل سرّياً داخل التنظيم.

وصنفت الباحثة في كتابها (مفاهيم الدم عند الإخوان) مفهوم "الجندية" كمفهوم سابع تنظيمي تابع، وقد أصّل البنا لأتباعه المفهوم في أكثر من (6) مواضع من الرسائل، ممّا يعكس مدى أهمية المفهوم لدى البنا، الذي يربّى عليه الفرد لصناعة عناصر مؤهلين جسدياً لتنفيذ أهداف الجماعة، وقد تم الرد على تأصيل البنا في ضوء القرآن الكريم والهدي النبوي وآراء العلماء، ثم تمّ عرض بعض المناهج التي تدرّس داخل الأسر الإخوانية بخصوص هذا الغرض.

تعرّض الكتاب لمفهوم "الخلافة" باعتباره أخطر المفاهيم الفكرية الرئيسية التي تمثل رأس هرم المفاهيم، ويمثل المفهوم هدفاً رئيسياً مدوّناً في ميثاق تأسيس الجماعة، فقد تأسست الجماعة عام (1928)، بعد (4) أعوام من سقوط الخلافة. 

وختاماً؛ عرض الكتاب من خلال الفصل الختامي لـ (12) قضية، وضّح من خلالها كيف أسهمت مفاهيم الدم التي تناولها كتاب (مفاهيم الدم عند الإخوان)، بالرصد والتحليل والنقد في صناعة أحداث تلك القضايا في فترات زمنة مختلفة بفعل عناصر من جماعة الإخوان أو بالمساهمة معهم، واتضح من خلال القضايا المدعمة بالوثائق كيف أسهمت المنظومة الفكرية الضالة لـ (حسن البنا) في إراقة الدماء عبر التاريخ.