مفهوم التمكين عند جماعة الإخوان المسلمين

مفهوم التمكين عند جماعة الإخوان المسلمين

مفهوم التمكين عند جماعة الإخوان المسلمين


31/03/2024

هناك عدد من المفاهيم التي تشكل عقل الحركة الإسلامية، وتحدد أهدافها، وترسم مساراتها، كما أنّها تساهم في خلق حالة الصراع المستمر الذي تعيشه تلك الحركات، ومن بين هذه المفاهيم الرئيسة مفهوم التمكين، ويتردد هذا المفهوم كثيراً على لسان المنتمين للحركة الإسلامية بمختلف صورها، فهو يمثل لهم غاية وهدفاً يسعون للوصول إليه، وفي سبيله يخوضون المعارك ويدخلون الصراعات ويضحون بالغالي والنفيس، وهو مفهوم ينتج عنه ويترتب عليه العديد من الأفكار الفرعية والعديد من الإجراءات والخطوات التي تستهدف تحقيقه، وسوف نتحدث عن مفهوم التمكين من خلال ما خطّه أحد مفكري جماعة الإخوان وهو علي محمد الصلابي، وهو من إخوان ليبيا من خلال كتابه "فقه النصر والتمكين".

التمكين من منظور الإخوان

التمكين عند جماعة الإخوان، كما عبّر عنه الصلابي، يعني أن يُمكَّن لدين الله في الأرض فيحكم ويسود. يقول في كتابه: "إنّ التمكين لدين الله هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل لأجل الإسلام"، ويحدث التمكين عندما تُقام الدولة الإسلامية التي تطبق الشريعة وتعمل على نشر رسالة الإسلام في العالم وفق رؤية الإخوان، وعن أهداف التمكين يذكر الصلابي هدفين، هما: إقامة الدولة الإسلامية، ونشر الدعوة، فيقول: "وإذا رجعنا إلى نصوص القرآن والسنّة، فسوف نجد أنّ من أهداف التمكين أن يتمكن المجتمع المسلم من إقامة سلطة سياسية تستند على مبادئ واضحة"، وبعد إقامة الدولة تسعى لبسط نفوذها عن طريق الجهاد ليشمل ملكها كل الأرض وتدين الدنيا كلها للإسلام ولا يوجد حائل يمنع الناس عن وصول الدين إليهم، وهذا هو الهدف الثاني؛ وهو نشر الدعوة "وممارسة الدعوة بعد التمكين هي الممارسة المجدية القادرة على الوصول إلى أهدافها".

التمكين عند جماعة الإخوان، كما عبّر عنه الصلابي، يعني أن يُمكَّن لدين الله في الأرض فيحكم ويسود

 

ويضع الصلابي (4) مراحل للتمكين؛ وهي: أوّلاً مرحلة الدعوة التي تستهدف تعريف الناس بتعاليم الإسلام وحثهم على الالتزام بها، وثانياً مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة وإعدادها تربوياً وعقلياً وبدنياً، وثالثاً مرحلة المغالبة التي تهدف إلى محاولة انتزاع الحكم من السلطة التي لا تطبق الإسلام، وتشمل عدة وسائل؛ منها اختيار النماذج الصالحة المتخصصة في كل المجالات لكي تكون قادرة على إدارة الدولة حال الوصول إلى الحكم، وكذلك العمل السياسي المتمثل في المنافسة السياسية وإحراز بعض التقدم فيه، كما تعني المقاومة المسلحة حال الضرورة إليها، فمرحلة المغالبة تعني كما يقول الصلابي "طبيعة هذه المرحلة تكمن في كلمة واحدة: الجهاد، ونعني به الجهاد بكل أنواعه؛ جهاد اللسان، وجهاد العمل بكل أنواعه، وجهاد قتال أعداء الله، وجهاد المرابطة في سبيل الله، وجهاد الاستعداد لكل معركة في سبيل الله، وجهاد لكل عمل يتطلبه الإسلام، ولا بدّ لكل فرد وصل إلى هذه المرحلة أن يكون جهده ووقته وماله في سبيل الله"، أمّا المرحلة الرابعة من مراحل التمكين، فإنّها تتحقق بالوصول إلى الحكم وقيام الدولة الإسلامية المنشودة، ثم العمل على بسط نفوذها على بقاع الأرض، والعمل على حمايتها دوماً من كل خطر يتهددها؛ "إنّ مرحلة التمكين هي ذروة العمل الإسلامي المنظم، وهي تمثل الثمرة الناضجة، ومرحلة التمكين في الدعوة إلى الله تعني أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يُمكّن لدينه في الأرض عن طريق المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وأنّ هذا التمكين يسبقه الاستخلاف والملك والسلطان، ويعقبه أمن بعد خوف".

النصر والتمكين يتحقق وفق هذه الرؤية بوصول المؤمنين الذين يعملون على إقامة الدين إلى الحكم، ليس على حدود الدولة القطرية فقط، ولكنّه حكم يشمل كل أقطار العالم الإسلامي

 

وتتشابه مراحل التمكين كما وضعها الصلابي مع تلك المراحل الـ (7) التي وضعها البنا، والتي تصل به إلى هدفه الأكبر وهو الخلافة، وهو الأمر الذي يعبّر عن أنّ رؤية الصلابي هذه مستقاة من رؤية البنا، ومعبّرة بالتالي عن رؤية الجماعة، حيث إنّ مرحلتي الدعوة واختيار العناصر وإعدادها تقابلها عند البنا مراحل إعداد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، ومرحلة المغالبة تقابلها مرحلتا الحكومة المسلمة وتحرير الأوطان، ومرحلة التمكين تقابلها مرحلتا الخلافة وأستاذية العالم.

ملاحظات حول مفهوم التمكين

1. يؤدي الخلط الغريب للإخوان بين الدين وبين التنظيم واعتبار أنّهم هم الذين يفهمون الإسلام فهماً صحيحاً، وأنّهم أصحاب الحق المطلق، إلى قناعة بأنّ كل الحكومات الموجودة هي حكومات غير إسلامية لأنّها لا تطبق الشريعة، وبما أنّهم هم من تتوافر فيهم الصفات المطلوبة في الحكومة المسلمة، فإنّهم الأجدر بالحكم والسلطة، فهم يرون أنّ إقامة الدين واجبة، وأنّ الدولة وسيلة لذلك، ولذا؛ فلا بدّ من أن يكون في السلطة من يستطيع القيام بهذه المهمة، ومن غيرهم قادرٌ على القيام بذلك! وربما هذا ما يفسر إصرارهم على الصراع على السلطة وتمسكهم بالحكم أيّاً كانت النتائج. 

2. النصر والتمكين يتحقق وفق هذه الرؤية بوصول المؤمنين الذين يعملون على إقامة الدين إلى الحكم، ليس على حدود الدولة القطرية فقط، ولكنّه حكم يشمل كل أقطار العالم الإسلامي، وهو ما يُعبَّر عنه بالخلافة، ثم عمل الدولة الإسلامية الكبرى على بسط نفوذها على العالم لتبليغ الدعوة، ويكون هذا الحكم قائماً على تطبيق الشريعة وفق الرؤية التي يراها من بيدهم السلطة. وهذا فهم قاصر يحصر التمكين في مجرد وصول طائفة إلى الحكم، رغم أنّ القرآن تحدث عن بعض الأمم غير المسلمة التي كانت ممكنة في الأرض نتيجة امتلاكهم مقومات الحضارة، وهذا ما يقوله بعض المفكرين من أنّ التمكين يعني امتلاك أسباب القوة بمعناها الواسع وامتلاك مقومات الحضارة، فنصر الإسلام لا يتحقق بمجرد وصول من يدّعون فهم الإسلام دون غيرهم إلى الحكم، ولا بمجرد قيام دولة تعمل على تطبيق بعض أحكام الشريعة كما تراها وتفسرها هي، فقد مرت فترات طويلة في التاريخ الإسلامي كانت تُطَّبق خلالها أحكام الشريعة بشكل كبير، ورغم ذلك كانت من أشدّ فترات الضعف في تاريخ المسلمين، فالنصر والتمكين يكون بامتلاك العلم والمعرفة وإقامة حضارة يُشار إليها بالبنان تنفع الناس ويسعون إلى الأخذ والتعلم منها، فالتمكين كما يرى الدكتور أسامة الأزهري في كتابه "الحق المبين" هو "نتيجة وأثر لمجموع أوامر القرآن بالإيمان والأخلاق، والهداية والجد والعمل والعمران والحضارة، والبحث العلمي المنتج لمنظومة العلوم الإنسانية على قاعدة الوحي وأساسه، فإذا انطلق المسلمون في تلك المقدمات، وأقاموا تلك المبادئ، أوجد الله لهم بين العالم صيتاً حسناً، وسمعة عالية، بحيث يشيع لهم في العالمين أفضل الذكر، ويعرف العالم عنهم الحضارة والعمران، وتأصيل دوائر العلوم في مختلف المجالات، فتطلب الحضارات ما عندهم من أسرار العلم والمعرفة، ويرحلون إلى ديارهم للتعلم، ويرون منهم أحسن الأخلاق وأزكاها، فتكون الأمة دالة على الله تعالى بمسلكها وتطبيقاتها، قبل الدلالة إليه بالعلم والنقاش والمناظرة، فهذا الأثر الذي يشيع في الأمم من استحكام قواعد الحضارة ودوائر العلوم عندهم، هو الذي يسميه الله تعالى تمكيناً، فلم يكن المسلمون مشغولين بتحقيق قضية التمكين عبر تاريخهم لأنّها نتيجة، وليست إجراء ولا مقدمة".

3. هذا المفهوم يؤدي إلى صراعات لا تنتهي، ودائرة من الحروب لا تتوقف، إذ إنّها رؤية تغرق في اليوتوبيا ويتمتع أصحابها بخيال واسع، فالأمور لا تسير بتلك البساطة، فليس بمجرد امتلاك بعض مفردات القوة سواء البشرية منها أو المادية تستطيع جماعة أن تحقق كل هذه الخطوات، وتصل إلى الحكم في عدة دول، ثم تعمل على توحيد قيادة الدول تحت سلطة واحدة، ثم تسعى لتكوين إمبراطورية عالمية! إنّه تصور يتخطى الواقع وتحدياته وصعوباته بسذاجة بالغة، يُغرق في الأماني دون الوقوف على الإمكانات التي يتطلبها الأمر، ويسعى لأهداف ربما ليست مطلوبة في حدّ ذاتها.

4.هذا التصور لا يجعل دوراً للمجتمع في عملية التمكين، ولكن يجعله فقط من خلال الجماعة؛ فهو يفترض تكوين تنظيم تتوافر فيه شروط معينة يكون بديلاً للمجتمع، يعمل على التوسع في قاعدته، ويعمل على امتلاك الإمكانات المادية والبشرية، وتوفير المتخصصين في كل المجالات حتى يكون جاهزاً ليحلّ محلّ السلطة القائمة بأيّ وسيلة، ثم يتوسع أكثر ليحكم العالم، فهو يبغي تنظيماً يقود مجتمعاً، ومن المفترض أن يتبعه ذلك المجتمع طواعيةً أو إجباراً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية