منظمة التحرير الفلسطينية على وشك الموت

منظمة التحرير الفلسطينية على وشك الموت


10/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

عندما يتعلّق الأمر بمنظّمة التّحرير الفلسطينيّة؛ فهناك أنباء سارّة وأخرى سيّئة. النّبأ السيئ هو أنّ المنظمة على وشك الموت، لم يُحدّد بعد سبب الوفاة الوشيك، إمّا الشّيخوخة أو الجروح الذّاتيّة. النّبأ السّارّ هو أنّ سعي الشّعب الفلسطينيّ للحصول على هويّة ذاتيّة قوميّة وتقرير للمصير ما يزال قائماً وبصحّة جيّدة.

تأسّست المنظّمة عام 1964 لتجسيد حقّ الشّعب الفلسطينيّ في الاستقلال الوطنيّ وتقرير المصير، لطالما كانت إسرائيل غير متسامحة مع المنظّمة، ومنذ تأسيسها تقريباً، شنّت الدّولة حملة دعائيّة مكثّفة ضدّها. صوّرتها إسرائيل ككيانٍ إرهابيّ، وعميلٍ تخريبيّ للاتّحاد السّوفيتيّ السّابق، وعندما احتضنت حركة عدم الانحياز المنظّمة، اعتمدت إسرائيل على ثيمة عنصريّة من الحقبة الاستعماريّة واصفةً المنظّمة بأنّها ممثلة لشعوب العالم غير المتحضّرة في مواجهة الدّيمقراطيّات المتحضّرة.

الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة

الواقع أنّ معارضة إسرائيل الرّئيسية للمنظّمة، على حدّ تعبير قادتها، لم تكن "الإرهاب"؛ بل لأنّ المنظّمة كانت تمثّل الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة - والاعتراف بها يعني قبول حقّ الشّعب الفلسطينيّ في تقرير المصير.

كانت هذه مشكلة، عام 1975، عندما انتزعت إسرائيل تعهّداً أمريكيّاً بعدم التّعامل مع المنظّمة مقابل موافقة إسرائيل على خطّة فكّ الارتباط التي توسّطت فيها الولايات المتّحدة بين إسرائيل ومصر وسوريا. أعاق تعهّد "عدم التّحدّث" مع منظّمة التّحرير هذا الدّبلوماسيّة الأمريكيّة لمدة 17 عاماً.

إنّه لأمر مأساويّ أن تتحوّل حركة تحرير وطنيّ إلى قيادتين متنافستين غير تمثيليّتين، السّلطة الفلسطينيّة وحماس، وكلاهما يركّز على البقاء والاحتفاظ بـ "السّيطرة" على إقطاعيّات محتلّة

كلّف ذلك سفير الولايات المتّحدة لدى الأمم المتّحدة آنذاك، أندرو يونغ، وظيفته عندما كُشِفَ عن أنّه التقى بممثّل المنظّمة في الأمم المتّحدة في نيويورك. وصدر تشريع يحظر على المنظّمة تشغيل مكتب في الولايات المتّحدة أو حتّى زيارتها، وتعرّض أعضاء في الكونغرس الأمريكيّ للتّهديد و/أو التّنديد بسبب تحدّثهم مع المنظّمة.

أدّى هذا الرّفض الإسرائيليّ للمنظّمة والهويّة الفلسطينيّة إلى تعقيد الجهود الأمريكيّة لتنظيم مؤتمر مدريد للسّلام عام 1991. وافق الإسرائيليّون فقط على الحضور بشرط ألّا يكون المشاركون الفلسطينيّون أعضاءً في المنظّمة، وأن يكونوا حاضرين فقط كجزء من الوفد الأردنيّ.

اقر أيضاً: منصور عباس: زعيم سياسي ذو دهاء أم خادم لإسرائيل؟

كانت المفاوضات التي أعقبت مدريد مُحرِجة، في أحسن الأحوال، وأدّت إلى 11 جولة فاشلة من المحادثات. كُسِرَ الجمود عندما أخذ بعض ممثلي إسرائيل والمنظّمة على عاتقهم مهمّة التّفاوض خارج قيود عمليّة مدريد. الاتّفاق الذي توصّلوا إليه قُبِلَ لاحقاً من قِبل كلّ من الحكومة الإسرائيليّة ومنظّمة التّحرير. وفيه، أكّدت المنظّمة اعترافها بحقّ إسرائيل في الوجود، واعترفت إسرائيل بالمنظّمة باعتبارها الممثّل الوحيد للشّعب الفلسطينيّ.

فخ أوسلو

بشكل مأساويّ، اتّضح أنّ أوسلو عبارة عن فخّ، بينما أعاد الفلسطينيّون، في ثلاث مناسبات منفصلة، تأكيد اعترافهم بحقّ إسرائيل في الوجود، أصبح من الواضح أنّ إسرائيل لم تكن في نيتها قطّ تجاوز موقف ما قبل أوسلو وأنّه يجب على الفلسطينيّين ألّا يتوقعوا أكثر من "حكم ذاتيّ محدود" تحت السّيطرة الإسرائيليّة.

خلال العقود الثّلاثة التّالية، شدّدت إسرائيل هيمنتها على الحياة الفلسطينيّة، وهو ما تضمّن الاستيلاء على المزيد من الأراضي، وتوسيع البؤر الاستيطانيّة في الأراضي المحتلّة، وممارسة سيطرة قمعيّة متزايدة على الاقتصاد الفلسطينيّ، والموارد، وحرّيّة الحركة.

في الوقت نفسه، اتّخذ الفلسطينيّون خطوات أثبتت أنّها قاتلة للمنظّمة؛ دمجوا المنظّمة مع السّلطة الفلسطينيّة التي أنشأتها أوسلو، بالتّالي، عزلوا المنظّمة فعليّاً عن الشّتات الفلسطينيّ. أخضعوا السّلطة الفلسطينيّة للهيمنة الإسرائيليّة على اقتصادهم وأمنهم الداخليّ، معتمدين على حسن النّيّة الإسرائيليّة ونزوات المجتمع الدّوليّ. وفي هذه العمليّة، أصبحت السّلطة الفلسطينيّة متوسّلة للحصول على أموال ومُعالَة.

أدّى ظهور فصائل قويّة خارج الإطار التّقليديّ لمنظّمة التّحرير - حماس والجهاد الإسلاميّ، الحركتين الإسلاميّتين المتنافستين في فلسطين، إلى تعقيد هذا التّدهور فقط. إنّ رفضهما لبنود أوسلو وميلهما لأعمال العنف المدمّرة للذّات ضدّ المدنيّين، سواء باستخدام الانتحاريّين في الماضي أو إطلاق الصّواريخ مؤخّراً على إسرائيل، شدّد من خنق إسرائيل لغزة وعمّق الانقسام داخل النّظام السّياسيّ الفلسطينيّ، جاعلاً منظّمة التّحرير أقلّ تمثيلاً للشّعب الفلسطينيّ.

السلطة وحماس: ما الفرق؟

اليوم، تدير السّلطة الفلسطينيّة وحماس منظّمات موازية - واحدة في الضّفة الغربيّة والأخرى في غزّة. كلاهما يستخدم الأموال، المستمدّة من الضّرائب أو المانحين الخارجيّين، لتقديم خدمات محدودة وتغذية نظام رعاية واسع النّطاق يُكافئ من يعملون لصالحهما.

لإحياء الحركة الوطنيّة، من الضّروري إعادة تشكيلها من الأسفل إلى الأعلى، فالفلسطينيّون يريدون وحدة لا يمكن أن تستند إلى مجرد اندماج كيانين متحجّرين يخدمان الذّات

بينما أشارت أطراف خارجيّة وحتّى بعض الفلسطينيّين إلى أنّ الفساد كان السّبب وراء هزيمة حماس لحركة فتح، المجموعة التي هيمنت على السّلطة الفلسطينيّة ومنظّمة التّحرير، في انتخابات عام 2006 في غزّة، كشفت الاستطلاعات التي أجريناها في ذلك الوقت عن قصّة مختلفة.

أخبرنا من تمّ استطلاع رأيهم بأنّ كلا المجموعتين على القدر نفسه من الفساد، والسّبب الذي جعل النّاخبين يقولون إنّهم يدعمون حماس هو أنّ فتح كانت في السّلطة لمدة عشرة أعوام ولم يتغيّر شيء، كان الأمر تجسيداً للرّأي الكلاسيكيّ القائل "اطرد كبار السّنّ وامنح الشّباب الجدد فرصة"، بمجرد انتخابها، رفضت حماس تحمّل مسؤوليّة الحكم، وفضّلت أن تظلّ "المقاومة"، وتلا ذلك المزيد من الكوارث.

نحن الآن على بعد عقد ونصف العقد من ذلك؛ اجتمعت للتّوّ اللجنة المركزيّة الفلسطينيّة، الهيئة الحاكمة الاسميّة لمنظمة التّحرير التي كانت نابضة بالحياة في يوم من الأيّام، بكلّ المقاييس، كان الاجتماع هزلياً، قاطعه كثيرون وغاب عنه آخرون؛ لأن رئيس السّلطة، محمود عباس، طردهم، ولأنّ النّظام القائم هو نظام رعاية، فقد صدّق من حضروا على كلّ ما طُلب منهم المصادقة عليه، وصدرت قرارات جوفاء تُندّد بإسرائيل وتدعو إلى "الشّرعيّة الدّوليّة" والحقّ في قيام دولة فلسطينيّة على أساس حدود عام 1967، كانت هذه آخر لحظة لالتقاط الأنفاس لمؤسّسة محتضرة.

إقطاعيّات محتلّة

إنّه لأمر مأساويّ أن تتحوّل حركة تحرير وطنيّ كانت تحظى بالاحترام في السّابق إلى قيادتين متنافستين غير تمثيليّتين، السّلطة الفلسطينيّة وحماس، وكلاهما يركّز بشكل أكبر على ما يبدو على البقاء والاحتفاظ بـ "السّيطرة" على إقطاعيّات محتلّة.

من ناحية أخرى، من الملهم أن نشهد كيف يواجه الفلسطينيّون، عبر الأراضي المحتلّة وفي إسرائيل، الاحتلال بشجاعة كلّ يوم، باستخدام تقنيّات العصيان المدنيّ بشكل أساسيّ. في أعقاب اضمحلال وزوال التّنظيم الذي قاد الفلسطينيّين ذات يوم، فإنّ صمود الشّعب هو الذي يضمن، على حدّ تعبير الشّاعر توفيق زياد، بقاء الفلسطينيّين ومطالبهم العادلة "كشوكة صبّار في حلق إسرائيل".

لإحياء الحركة الوطنيّة، من الضّروري إعادة تشكيلها من الأسفل إلى الأعلى، يُظهر استطلاعنا أنّ الفلسطينيّون يريدون الوحدة، لكنّ الوحدة التي يحتاجونها لا يمكن أن تستند إلى مجرد اندماج كيانين متحجّرين يخدمان الذّات، لا يمكن أن تتحقّق الحياة الجديدة إلّا من خلال تمكين المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ، وهذا يعني إجراء انتخابات - مفتوحة ونزيهة وحرّة.

المصدر:

جيمس زغبي، ذي ناشونال، 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/24/the-plo-is-dying-where-does-that-leave-the-palestinian-cause/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية