من قال إن الصين خطر؟

من قال إن الصين خطر؟

من قال إن الصين خطر؟


20/07/2023

في المأثور الديني النبوي أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حذّر من خطر يأتي في آخر الزمان، ففي الحديث: (... ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتوكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً)، وإن قال المفسرون وبعض علماء الحديث، إنّ بني الأصفر هم الروم، فإنّ آخرين قالوا إنّهم الصينيون، أو ربما هم من الغايات الـ (80)، وأظنها الرايات، ومع أنّه يؤخذ في المسائل التي لا تحمل معنى مخصوصاً أو توضيحاً مباشراً، يؤخذ بعرف العرب في المعنى أو الدلالة، فإنّ عرف العرب آنذاك كان مصطلح بني الأصفر يطلق على الروم (أوروبا)، لكن لا يمكن نفي التفسير الآخر، وبهذا يكون أول تحذير من خطر الصين جاء من العرب. وسواء يعول على ذلك أو لا يعول عليه في الاشتباك مع الصين، إلا أنّ ما هو عليه الواقع اليوم هو الاشتباك الفعلي في المصالح والاشتباك الجدلي بين الصداقة والعداء.

لعلنا في عالمنا العربي المأزوم دوماً بالعداوات والصداقات التي تسمّى صداقات من باب التلطيف، إلا أنّها مصالح، لعلنا في فضائنا العام وفي وعينا السياسي العام أيضاً، نما هذا الشعور بالخطر شيئاً فشيئاً، بدءاً من الحمولة الدينية المتصلة بالفكرة، وليس انتهاء بالاعتبار السياسي والاقتصادي المنحاز على الدوام للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها أعمق نقطة في العداء مع الصين.

 العرب في المنتصف، تأكل أطرافهم تجاذبات السياسات والمصالح، وشراسة توجهات الهيمنة والإمبريالية، وبما أنّنا ما زلنا مكاننا سياسياً واقتصادياً ومعرفياً، فإنّ كل القوى ستبقى متهمة بالهيمنة والاستبداد والإمبريالية

 

إذن العرب ينظرون إلى الصين باعتبارها خطراً من زوايا متعددة؛ دينياً وسياسياً واقتصادياً، وقد أبرز بعض الباحثين دلالات ذلك، معتبرين أنّ العداء من زاوية الاقتصاد والتجارة مرتبط بجشع النظام التجاري الصيني الذي يبني علاقاته التجارية مع الآخرين بلا أيّ عائد قيمي، بمعنى أنّ الصين تمارس إغراق أسواقنا بمنتجاتها دون أن تعطي أيّ اعتبار للبعد التنموي، على عكس أوروبا وأمريكا على سبيل المثال التي تعطي قيمة فعلية للبعد التنموي عن طريق المنح والمساعدات الموجهة لأغراض تنموية في المؤسسات والمجتمعات العربية. فالصين تبني نموذجاً تجارياً مسيطراً بلا هوامش تنموية. لكنّ ذلك من الصعب التسليم به تماماً، على الأقل من قبيل إعطاء فرصة لمشروعات صينية ما زالت على الورق متعلقة بأفكار تنموية مثل الحد من الفقر، والأمن الغذائي، ومكافحة الأوبئة وتطوير اللقاحات، وتمويل التنمية، ومواجهة التغيرات المناخية، والتنمية الخضراء، والتصنيع، والاقتصاد الرقمي والاتصال في العصر الرقمي.

يبدو أنّ سؤال (توجه العالم نحو نظام دولي متعدد الأقطاب) سيبقى سؤالاً مفتوحاً، حتى تقرر الصين وروسيا تحديداً إغلاقه بإجابة حاسمة، إمّا أن تثبت في سياق الحرب الباردة الجديدة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وإمّا أن تتراجع ويبقى الوضع كما هو عليه، كما تريد وترغب أمريكا. وهذا بحدّ ذاته سبب كبير لعدم قدرة العرب على حسم مسألة العداء مع الصين، إنّنا مترددون لأنّ النظام الدولي متعدد الأقطاب ما زال نظاماً متردداً، وغير محسوم. وباعتقادي أنّ هذا التردد قد يكون أفضل بكثير من حسم الرهان على الصين وروسيا، فالكثير من الباحثين يعتبرونه رهاناً خاسراً، لأنّهما -الصين وروسياـ تمثلان طرفي الهيمنة والإمبريالية، هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ الغرب عموماً وأمريكا تحديداً ليست كذلك.  

المهم أنّ العرب في المنتصف، تأكل أطرافهم تجاذبات السياسات والمصالح، وشراسة توجهات الهيمنة والإمبريالية، وبما أنّنا ما زلنا مكاننا سياسياً واقتصادياً ومعرفياً، فإنّ كل القوى ستبقى متهمة بالهيمنة والاستبداد والإمبريالية.

أمريكا هي القوة الأغزر إنتاجاً لسياسات العداء والخصومة مع الصين، وهي صاحبة مشروع (الخطر الصيني)، الذي سوقته في العرب وفي أوروبا بقوة، وذات يوم أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أنّ الصين تسيطر على الشرق الأوسط، هذا الحديث المرسل شعبوي أكثر منه رؤية سياسية، لكنّه انقاد بقوة باتجاه حرب ما زالت مستمرة مع الصين، حرب تجارية واقتصادية بدأها عام 2018، من أجل الأسباب نفسها التي يعادي بها الصين، فالولايات المتحدة الأمريكية خائفة من الصين لأنّ الصين ماضية في استراتيجية الهيمنة والسيطرة، ولأنّه خائف على استراتيجية أمريكا في الهيمنة والسيطرة.

بما أنّ أمريكا ليست أفضل نفوذاً ولا أرقّ هيمنة، فالصين يبقى لديها فرصة جيدة لعلاقات جيدة مع العالم العربي، رغم كل أفكار الخطورة والخصومة والعداء

 

أوروبا عموماً تبدو منحازة لتصنيف الخطر الصيني، ومع أنّها تهرب من فكرة السقوط التدريجي كضحية محتملة للحرب الاقتصادية الصينية الأمريكية، إلا أنّها لا تستطيع أن ترى نفسها خارج السياق الأمريكي، يقول هذا أيضاً تقرير المجلة الأوروبية (modern diplomacy ) معتبراً أنّ أوروبا لا يمكنها أن تعتبر اتحادها كياناً مستقلاً كاملاً عن الوايات المتحدة الأمريكية، فهي كيان هجين بلا إرادة خاصة، لذلك ستبقى أوروبا منحازة لدائرة العداء والخصومة مع الصين، ليس لأنّ الأخيرة لديها سجل سيّئ السمعة في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي، كما تقول وثيقة ألمانية من (40) صفحة، بل لأنّ ألمانيا باعتبار الوثيقة تتحدث عنّا، مجبرة على الاقتناع بأنّ (الصين تغيرت)، ممّا يتطلب تغييراً في النهج تجاهها، ولأنّ النظام الدولي متعدد الأقطاب لم ينضج، ولا يمكن الدخول في رهانه الخاسر.

على كل حال، الصين ليست زاهدة في النفوذ والهيمنة السياسية، لكنّ هذا الأمر مؤجل، ويبدو أنّها ترغب بالدخول إليه من بوابة النفوذ الاقتصادي، وبما أنّ أمريكا ليست أفضل نفوذاً ولا أرقّ هيمنة، فالصين يبقى لديها فرصة جيدة لعلاقات جيدة مع العالم العربي، رغم كل أفكار الخطورة والخصومة والعداء. فكما نصح كيسنجر ترامب وبادين بألّا  تكون خصومتهما مع الصين خصومة طائشة، لا مانع من أن نستعير هذه النصيحة، فالصين كما قال ابن بطوطة في رحلته: "جعل الله الصناعة (10) أجزاء؛ فـ (9) منها في الصين، وواحدة في سائر الناس".

مواضيع ذات صلة:

ما التحديات التي تواجه عملية المنطقة الرمادية الصينية في شمال بحر ناتونا الإندونيسي؟

الحكمة الصينية.. آن أوان الالتفات شرقاً

ما مستقبل الانفتاح الصيني على دول الشرق الأوسط؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية