نحو مقاربة أكثر تقدمية لدراسة الحركة السلفية الجهادية

نحو مقاربة أكثر تقدمية لدراسة الحركة السلفية الجهادية

نحو مقاربة أكثر تقدمية لدراسة الحركة السلفية الجهادية


16/04/2023

سيتطلب الصراع المستمر ضد الحركة السلفية الجهادية التفكير على مستوياتٍ متعددة لتحقيق نهجٍ تقدمي حقيقي، وقائم على الأدلة. سيركِّز هذا المقال على تطوير فهمٍ حقيقي لما يلي:

الهدف الأساسي للحركة السلفية الجهادية: العقيدة الدينية الموجودة في مئات الآلاف من الصفحات، من النصوص، إلى جانب مئات الساعات من المحتوى الصوتي والمرئي.

أساليب الاتصال الاستراتيجي التي تقوم عليها دعوة الحركة السلفية الجهادية. العمل الدعوي الذي غالبًا ما تشير إليه الأبحاث الغربية على أنه تجنيدٌ أو تطرف. وسيشمل هذا الفهم كيفية استغلال الجماعات السلفية الجهادية للإنترنت، من أجل التواصل الاستراتيجي.

لا يمكنك التخلص من العقيدة الدينية

العقيدة الدينية مكون ثابت في الحركة السلفية الجهادية. إن فهم العقيدة الدينية، العنصر المهم للحركة السلفية الجهادية، سيظل محوريًا لسياسة مكافحة الإرهاب. وعلى الرغم من أنه يمكن للقوة العسكرية والعمليات الأمنية أن تضعف الفعالية العملياتية للحركة السلفية الجهادية، فإن النضال ضد الحركة هو صراع تعطيل الأفكار أو المفاهيم المحددة التي تلتف حولها الحركة.

يجب أن يكون هذا الجهد قائمًا على الأدلة. لا يمكن الخلط بينه وبين العديد من الموضات العابرة وخيالات الباحثين، الذين يقولون إن هذه الجماعات تغري المجندين الجدد بأشياء مثل النوتيلا، وموسيقى الراب، والقطط، والألعاب، والوحشية، والإباحية الدموية، أو الآيس كريم في يوتوبيا جهادية، التي ظهرت لسنوات كتفسيراتٍ في صفحات منشورات دراسات الإرهاب التقليدية.

ابتداء من عام 2023، لا تزال الجماعات السلفية الجهادية قوية على الرغم من الادّعاءات الغربية بأنها قد هُزمت. لسوء الحظ، أثبتت هذه الادّعاءات الغربية بأن الجماعات الجهادية العالمية قد هُزمت مرارًا وتكرارًا، أنها تعبيرات عن تفاؤلٍ غربي عميق، وليست تحليلات قائمة على الأدلة. وقد أظهرت الحركة السلفية الجهادية العالمية مرونة دائمة، ووسّعت قدرتها العملياتية، وجنّدت جيلًا كبيرًا وأكثر تنوعًا من الأتباع أكثر من أي وقتٍ مضى. كل هذا على الرغم من مقتل الآلاف من المقاتلين السلفيين الجهاديين، والعديد من القادة الجهاديين.

للحدِّ من فعالية الجماعات السلفية الجهادية، يجب أن يكون للسياسة الغربية رؤية واضحة لعقيدة الحركة وهدفها واستراتيجيتها وتكتيكاتها بالاعتماد على تحليلٍ قائم على الأدلة لما تتواصل به الحركة مع جمهورها المستهدف.

في المقابل، فإن الكثيرَ من وجهات النظر التقليدية تؤكد أن تراجع الجماعات السلفية الجهادية وهزيمتها متجذر بقوة في فرعٍ من فروع العلوم السياسية، وقد أظهرت البحوث السابقة أن وجهات النظر داخل العقيدة الحالية لدراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي قد انعكست في كثيرٍ من الأحيان فيما يلي:

وجهات نظر مؤلفيها المتمحورة حول الغرب، بدلًا من التحليل القائم على الأدلة لكيفية تواصل السلفيين الجهاديين مع جمهورهم المستهدف.

التقليل المنهجي من قيمة المصادر العربية، و”تقليص” أهمية المفاهيم الدينية ذاتها التي تقوم عليها الحركة.

التقليل من قيمة العقيدة الدينية السلفية الجهادية، المُعبّر عنها باللغة العربية، يبرره الباحثون الذين يزعمون أنهم يستطيعون “كشف” الدوافع الحقيقية للحركة السلفية الجهادية، من خلال الاعتماد على نظرياتهم السطحية المفضلة لأشياء مثل الجريمة، وموسيقى الراب، والإباحية الدموية، والقطط الصغيرة، والنوتيلا، وتناول الآيس كريم، فيما يسمى بـ”اليوتوبيا الجهادية”.

يجب أن يكون تعطيل الحركة السلفية الجهادية قائمًا على الأدلة، مع التركيز على:

مراجع العقيدة الدينية في المواد التي تنتجها الحركة.

ما الذي تعنيه للمؤيدين المحتملين.

الكيفية التي من المحتمل أن يفهمها الجمهور المستهدف.

وهذا يعني أن الفهم الحقيقي للعقيدة الدينية المهمة للحركة السلفية الجهادية يجب أن يكون عنصرًا مركزيًا في سياسة مكافحة الإرهاب. ذلك أنه في حين يمكن للقوة العسكرية أن تضعف الفعالية العملياتية للحركة السلفية الجهادية، وتدمر الأسلحة والبنية التحتية التي تعتمد عليها، فإنه لا يمكن للقوة العسكرية أن تعطل الأفكار والمفاهيم التي تلتف حولها الحركة.

ظهور Swarmcast 2.0 يتطلب نهجًا استراتيجيًا لتعطيل تقدم الحركة السلفية الجهادية

لقد شهد عام 2022 ظهور برنامج (Swarmcast 2.0) الذي يحاول من خلاله مجاهدو الإعلام -العاملون في وسائل الإعلام الذين يعملون على دعم الجماعات السلفية الجهادية وخارجها- التأثير على جمهورهم المستهدف الأساسي الناطق باللغة العربية.

الآن أصبح Swarmcast2.0 القائم على (الويب 3.0) أو (Web3) أكثر دينامية وأمانًا وتشفيرًا ولا مركزية ومرونة من الإصدار الأصلي الذي ظهر بحلول عام 2014. إنه يتحايل أو يجعل العديد من التكتيكات الحالية التي تهدف إلى تعطيل النشاط عبر الإنترنت للمجاهدين الإعلاميين، عديمة الفعالية.

ونتيجة لهذه التطورات، هناك حاجة مُلّحة بشكلٍ متزايد إلى نهجٍ على المستوى الاستراتيجي للتعطيل، ناهيك عن اتباع استراتيجيات تعاونية. لم يعد من الممكن كبح ذلك بسبب الخطاب المريح والمطمئن لـ”سردية نجاح” دراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي.

إن سرعة الشبكات السلفية الجهادية وخفة حركتها ومرونتها إلى جانب الاستعداد لتبني السلوكيات الناشئة وتكنولوجيا (الويب 3.0) قد مكّنت مجاهدي الإعلام من تحقيق حضورٍ مستمر على الرغم من الجهود المستمرة لتعطيل اتصالاتهم.

توضح قاعدة الأدلة الحالية أن مجاهدي الإعلام يواصلون توسيع نطاق وصولهم من خلال تبني نموذج اتصال متعدد المنصات، بما في ذلك العديد من المنصات التي تضم أعدادًا كبيرة من المستخدمين. وبما أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يستخدمون في المتوسط 7 منصات كل شهر، فإن اعتماد استراتيجية متعددة المنصات يوفّر للحركة السلفية الجهادية نقاط دخول متعددة للوصول إلى جمهورها المستهدف.

يتناقض هذا بشكلٍ كبير مع السرد السائد، الذي تقدمه كلٌّ من دراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي، والروابط التجارية المدعومة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي الكبيرة. تزعم رواية “النجاح” هذه أن “التحسينات الواسعة في الإشراف على المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت على وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسة دفعت الإرهابيين والمتطرفين العنيفين إلى مساحاتٍ أصغر وأكثر تخصصًا على الإنترنت، وأصبح العديد من الجهات الفاعلة الإرهابية أكثر اعتمادًا على البنية التحتية لمواقع الويب”. وكما قال مدير منظمة “التكنولوجيا ضد الإرهاب”، آدم هادلي، فإن “المنصات الأصغر وخدمات وسائل التواصل الاجتماعي هي المكان الذي انتقل إليه المتطرفون، بعد منعهم من قبل الشركات العملاقة مثل فيسبوك وتويتر”.

في دراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي، أصبحت هذه السردية السائدة، ومع ذلك، هناك مشكلتان مترابطتان مع “سردية النجاح” هذه.

أولًا، أظهرت البحوث السابقة أن هناك مبالغة في قدرة عمالقة التكنولوجيا، مثل فيسبوك وتويتر، على حرمان الجماعات السلفية الجهادية من الوصول إلى المنصات التي تديرها.

على الرغم من الموارد الكبيرة والجهود التي تبذلها المنصات الكبرى، يمكن التعرّف بسهولة على الشبكات والمحتوى السلفي-الجهادي على جميع منصات التواصل الاجتماعي الأربعة الكبرى، أي فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب وتويتر.

هذا لا يعني أن هذه الشركات لم تحقق أي نجاح، في الواقع أزالت شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى كمية هائلة من المواد. هذا يعني فقط أن تحقيق بعض النجاح بعيد جدًا عن الادّعاء بطرد الجماعات السلفية الجهادية من المنصات الرئيسة.

ثانيًا، المشهد الذي يحتله عمالقة التكنولوجيا في عام 2014 ليس هو نفسه كما هو اليوم.

على سبيل المثال، يتمتع تويتر بشهرة قوية بين صانعي السياسات، وباحثي دراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي. ومع ذلك، وبسبب التغيرات في المشهد التكنولوجي، فإن بعض ما يسمى بالمنصات “الأصغر” أو “المتخصصة” التي تستخدمها الحركة السلفية الجهادية لديها الآن قواعد مستخدمين أكبر بكثير من تويتر.

على سبيل المثال، لدى تلجرام، الدعامة الأساسية للمنظومة الجهادية عبر الإنترنت، ما لا يقل عن 100 مليون مستخدم أكثر من تويتر، وتشير بعض التقديرات إلى أن تلجرام قد يكون لديه قرابة ضعف عدد المستخدمين. كجزء من برنامج (Swarmcast 2.0) تواصل الحركة السلفية الجهادية استغلال تلجرام، من خلال منظومة كبيرة مترابطة من القنوات السلفية الجهادية.

يُستخدم “واتساب” من قبل مجموعاتٍ عدة، بما في ذلك تنظيم القاعدة وداعش وطالبان وحماس إلى جانب 2 مليار مستخدم مسجل. غالبًا ما تتم مشاركة الروابط إلى المجموعات على واتساب عبر الشبكات بما في ذلك تلجرام.

الأدلة على أن المنصة الاجتماعية المُفضلة في العالم، مع 2 مليار مستخدم، لا تزال تُستغل من قبل داعش والقاعدة وطالبان يجب أن تقوّض الثقة في الادّعاءات المقبولة عمومًا في دراسات الإرهاب التقليدية عبر الأطلسي، وبعض أجزاء مجتمع مكافحة التطرف العنيف بأن الجماعات السلفية الجهادية قد طُردت من ما يُسمى عمالقة التكنولوجيا إلى منصات أصغر.

وغالبًا ما تدعم سردية “النجاح” هذه من خلال الإعلانات عن العمليات الكبرى ضد الجماعات السلفية الجهادية والتعليقات من “الأكاديميين المدمجين”. الادّعاءاتُ بأن الجهود التي تقودها وكالة “يوروبول” قد “دمرت بحزم وجود داعش على تلجرام”، وأن التنظيم “لم يعد موجودًا على الإنترنت”، لم تصمد على المدى القصير والطويل، حيث حافظ التنظيم على وجود مستمر على المنصة.

وبالمثل، في نهاية عام 2022، أعلنت منظمة “التكنولوجيا ضد الإرهاب” أنها مسؤولة عن “توجيه ضربة كبيرة” ضد “الملاحم”، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، من خلال إزالة موقعها الإلكتروني.

لسوء الحظ، كان الموقع قد عاد بالفعل إلى الإنترنت بحلول الوقت الذي أرسلت فيه المنظمة البريد الإلكتروني الذي يعلن عن هذه الضربة الكبيرة.

على اليسار، نسخة مُحدّثة من موقع الملاحم، وعلى اليمين إعلان منظمة التكنولوجيا ضد الإرهاب. إخراج الموقع من الخدمة لفترة وجيزة ليس هو الغرض الوحيد للإزالة. وكما قالت منظمة التكنولوجيا ضد الإرهاب في بريدها “[إنها] تعترف بأن هذا الموقع من المرجّح أن يظهر مرة أخرى في مكانٍ آخر، ولكن في رأينا فإن مثل هذه الإجراءات جديرة بالاهتمام. إنها تعطل قدرة الجهات الإرهابية على نشر موادها على الإنترنت العام، وتكسر الروابط إلى المحتوى الإرهابي على الموقع الذي تمت مشاركته في مكان آخر عبر الإنترنت”.

وُزِّع الرابط الجديد على نطاقٍ واسع عبر الويب والمنصات الاجتماعية، قبل وصول إعلان البريد الإلكتروني عن إزالة الموقع السابق. هذا يعني أن الروابط الخلفية كانت مُعطلة عند إزالة الموقع الأصلي. ومع ذلك، غالبًا ما تكون هذه الروابط الخلفية القديمة مدفونة بعمق في رسائل التواصل الاجتماعي، بينما يظهر عنوان الرابط الجديد للموقع بشكلٍ بارز على منصات متعددة للمستخدمين الجدد والحاليين للوصول إليه.

في النهاية، كما ذكرنا أعلاه، مثل كل شيء تقريبًا حول الطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا، والوصول إلى الويب في عام 2022، لم يعد الأمر كما كان من قبل. ومع ذلك، فإن هذا التغيير في السلوك ليس بالضرورة نتيجة “النجاح” الغربي ضد الجماعات السلفية الجهادية، كما أنه في الواقع لم يصبح من الصعب على المجاهدين الإعلاميين العمل بطريقةٍ فعالة استراتيجيًا.

فقط عندما تركز جهود التعطيل على مستوى استراتيجي حقيقي، يستهدف الطبيعة متعددة المنصات لبرنامج (Swarmcast 2.0)، يمكن أن يكون هناك توقع معقول بأن الإجراء المتخذ لمنع استغلال الإنترنت من قبل الجماعات المتطرفة سيكون له تأثيرٌ ذو مغزى على نشاطها. سيشمل ذلك ما يلي:

استراتيجية تقنية (الويب 3.0): في حين تبنّت الحركة السلفية الجهادية بالفعل (الويب 3.0)، فإن جهود تعطيل اتصالاتها مُتخلّفة كثيرًا.

أسابيع من العمل: الحركة السلفية الجهادية أكثر من مستعدة لبذل “أيام من العمل”، حيث يستغرق إنهاكها أسابيع من العمل المستمر مما يجبرها على استنزاف استخدام حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، وأرقام الهواتف، وعناوين البريد الإلكتروني بسرعة.

نقلة نوعية إلى عمل مستدام متعدد المنصات: الحركة السلفية الجهادية أكثر من مستعدة لمقاومة الجهود التي تستهدف وجودها على منصة واحدة. يوفر نموذج الاتصال متعدد المنصات الخاص بهم المرونة ضد الجهود المبذولة على أي منصة فردية، حيث المؤيدون للسلفيين الجهاديين مثل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العاديين، لديهم حسابات على منصات متعددة. إذا فقدوا حساباتٍ على إحدى المنصات، فإن كل ما عليهم هو إعادة التواصل عبر روابط مشتركة على منصة ثانية أو ثالثة.

إذا استمرت دراسات الإرهاب، وصانعو السياسات، في تسويق “سردية النجاح”، بدلًا من فهم التطوّر المستمر المعقد المتزايد لبرنامج (Swarmcast 2.0)، سيكون هناك خطر متزايد من استخدام جهود التعطيل للأساليب التي تعتمد على (الويب 2.0) في عالم (الويب 3.0).

الخطر الذي تُشكّله سرديّة النجاح والاعتماد على مناهج تعطيل (الويب 2.0) في عالم (الويب 3.0) بشكلٍ متزايد، يشبه الاعتماد على تشبيه دارسي دينوتشي، حيث يخطط المرء للعب لعبة “بونج” القديمة (Pong) ولكن يجد نفسه في لعبة “المصفوفة” الحديثة (The Matrix).

عن "عين أوروبية على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية