نفتالي بينيت: هل انتصرت القومية الصوفية اليهودية؟

نفتالي بينيت: هل انتصرت القومية الصوفية اليهودية؟


كاتب ومترجم جزائري
21/06/2021

ترجمة: مدني قصري

بفوزه في خلافة بنيامين نتنياهو سيصبح نفتالي بينيت أوّل رئيس لحكومة إسرائيلية منبثقة لا من حزب العمل التابع للصهيونية، ولا لفرعها القومي؛ فهو، بصفته زعيم حزب "يمينا" يجسّد الحركة الاستعمارية الأكثر نشاطاً للصهيونية الدينية ذات الإيحاءات الصوفية القوية.

داخل الصهيونية القومية المتطرفة، حَلم كثيرون بهذه الصهيونية الدينية قبله، نفتالي بينيت سيفعل ذلك؛ فهو أوّل رئيس لحكومة إسرائيلية منبثقة لا عما يسمَّى بالصهيونية "الاشتراكية"، التي سادت على هذه الحركة منذ بداية القرن العشرين، ثم على دولة إسرائيل، حتى عام 1977، ولا عن اليمين الصهيوني التقليدي، الملقب بـ "التعديلي"، الذي وحّد المحافظين والقوميّين المتطرّفين، وتولَّى إدارة الدولة لمدة 40 عاماً من الـ 44 عاماً الماضية.

بعد قيادته للبقية السياسية من الحزب القومي الديني التاريخي، الذي غيّر اسمَه عدّة مرّات، وصار اسمه العبري "مفدال/ (Mafdal)"، أصبح نفتالي بينيت زعيم حزب "يمينا"/ (Yamina) (يمين)، وهي حركة تجمع رجال الدين القوميّين المتطرفين، ومعهم على قدم المساواة اليهودَ العلمانيين المتطرفين؛ فهو نفسُه ينتمي إلى الفرع الأول؛ فهو لا يرتدي الكبة (القبعة) اليهودية فحسب، بل يرتدي واحدة مطرّزة لأكثر الفروع الدينية نشاطاً، وأقدمها في الصهيونية الدينية القومية.

فهو، من خلال تكوينه ومساره المهني، الوريثُ الروحي لغوش إيمونيم (Gouch Emounim)، كتلة الإيمان، تلك التي طفا ناشطوها الأوائل، بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، بفترة وجيزة، داخل الحزب القومي الديني والذي لعب دوراً بارزاً في استيلاء إسرائيل على الأراضي التي احتلتها منذ ذلك الحين، خاصة في الضفة الغربية، لقد تلاشت الكتلة الإيمانية ككتلة، لكنّها ما تزال مستمرّة حتى اليوم، بعد أن انقسمت إلى حركات مختلفة؛ فبدايةً من الاستيلاء المستمر على "أرض إسرائيل" في الأراضي التي احتلتها عام 1967 ونتيجة لذلك، مصادرة أملاك الفلسطينيين، ما فتئت الأفكار التي حملها وروّج لها تتجسّد منذ ذلك الحين في حقائق قائمة لم تتوقف أبداً.

"كنتم ما تزالون تتسلّقون الأشجار"

بالنظر إلى تقلّبات وانعطافات السياسات المؤسساتية الإسرائيلية، والتحالفات الأقلّ احتمالاً التي يراها الناس عندما يوافق اليسار الصهيوني على الدخول في حكومة يرأسها بينيت، فلا أحد يستطيع، حتى الآن، معرفة إلى أين ستذهب هذه الحكومة بالضبط، الآن في الحال، ولا كم من وقتٍ ستستمر في موقعها، لكنّ المعروف جيداً، في المقابل، هو: من أين أتى وماذا يريد.. يأتي بينيت من مدرسة فكرية تُفضّل صُوفيّة الأرض المتحالفة، على العقلية الاستعمارية والعنصرية القائمة؛ فهو يريد ترسيخها أكثر ممّا هي عليه بالفعل.

سيكون رئيس الوزراء بينيت تتويجاً لأكثر من نصف قرن من النمو في القوة الناعمة الدينية داخل المجتمع عبر الحركة التي قامت بتثبيت مفاهيم صوفية بشكل مهيب

في أيلول (سبتمبر) 2010، أثناء رئاسته لحركة "يشع" (Yesha)، الهيئة التمثيلية للمستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وافق بينيت على مناظرة تلفزيونية مع أحمد الطيبي، النائب الفلسطيني، هذا الأخير انجرف بعيداً، ووصف بينيت بـ "المستعمِر". في البداية، ظلّ بينيت هادئاً، قبل أن يردّ قائلاً: "سأقولها ببساطة ووضوح: "أرض إسرائيل لنا، لقد كانت أرضنَا قبل نشوء الإسلام بوقت طويل"، لكنّ الطيبي عاند وأصرّ ووصفه بـ "المغتصِب"؛ لذلك فتح بينيت الأبواب على مصراعيها: "كنتم ما زلتم تتسلّقون الأشجار عندما كانت الدولة اليهودية موجودة بالفعل".

اقرأ أيضاً: هل تتراجع إسرائيل حقاً عن إقامة مستوطنة على جبل صبيح في الضفة الغربية؟

عند هذا الحدّ فقدَ نفتالي بينيت أعصابَه، لم تكن الفكرة التي عبّر عنها عن مساواة العرب بالقردة، كما فعل المتعصّبون البيض في الجنوب الأمريكي ضدّ السود، غريبةً عليه، لكن على عكس عدد كبير من حاخامات المستوطنات اليهودية، أو نشطاء اليمين المتطرف الاستعماري الإسرائيلي، وهم غالباً شخصيات زاهدة، وكثيرون منهم ينضح بالعدوان العنصري اللامحدود، فقد بذل بينيت دائماً جهوداً كبيرة لإظهار وجهٍ متحضّر وحديث، وعقلانيّ تقريباً، وهو ما لم تعد جمعيةُ حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم (B’Tselem) تطلق عليه سوى عبارة "التفوق اليهودي" إزاء الفلسطينيين. ومع ذلك؛ فهو يجسّد أيضاً شكلاً من أشكال لهجة الحرية غير المقيّدة التي تجذّرت بشكل متزايد في الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو بين الحين والآخر يُظهِر ما يبدو أنه طبيعته العميقة بالذات؛ ففي آب (أغسطس) 2013 قال: "لقد قتلتُ عرباً كثيرين في حياتي، وليس عندي مشكلة في ذلك، علاوة على ذلك، لم يُسبّب له هذا البيان أيَّة مشكلة أيضاً".

وُلد بينيت عام 1972، لعائلة يهودية من كاليفورنيا، استقرّت في إسرائيل بعد شهر واحد من حرب حزيران (يونيو) 1967، وتنقّل في طفولته المبكرة بين إسرائيل والولايات المتحدة وكندا، مقلداً رحلات والده المتخصّص في جمع التبرعات. في البداية، كان والداه يهوديَّين متديّنَين باعتدال، لكن سرعان ما وجد ابنُهما نفسَه داخل حركة الشباب الصهيونية الدينية، حركة "بني عكيفا" Bnei Akiva؛ فهذه الحركة، إذاً، حلقةٌ مهمّة للغاية في الاضطرابات والبلبلة التي تعيشها الصهيونية الدينية.

اقرأ أيضاً: "إخوان" إسرائيل و"إخوان" حماس

في البداية، كانت قيادة الحزب القومي الديني جزءاً من الحافة (الحاشية) المعتدلة للصهيونية فيما يتعلق بقضايا الأراضي، وبشكل أكثر عمومية في علاقتها ببيئتها العربية، كانت قيادتُها أكثر تردّداً عندما دخلت إسرائيل الحرب عام 1967، وكانت ما تزال معادية لغزو لبنان عام 1982، لكنّ رياح القوميّة الصوفيّة ما لبثت أن غزت قواتها بعد انتصار عام 1967، ما دفع شباب "مادفال "Mafdal إلى الوقوف في وجه القيادة القديمة التي كان يُنظر إليها على أنّها خوّافة وفزّيعة، وإلى الوقوف بقوّة في عملية استيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة، عندما كان بينيت مراهقاً، كانت حركته الشبابية "بني عكيفا" ملتزمة تماماً بتلك الحركة الناشئة.

المعنى الحقيقي للكلمة رائد

أنشأت هذه الحركة عام 1974 "غوش إيمونيم" (Gouch Emounim)، كتلة الإيمان، التي جمعت من حولها مدرسة دينية (مدرسة تلمودية)، تُدعى "مركاز هراف" (Merkaz HaRav) (مركز الحاخام)، وهي الحافة الأيديولوجية الأكثر نشاطاً ليس فقط في مجال الاستيطان، لكن أيضاً في مجال الرفض الراديكالي لأيّ حلّ (تسوية) إقليمي مع الفلسطينيين، في وقت مبكر من عام 1967، صَرَخَ أحدُ أشهر قادتها، حنان بورات، أمام حائط المبكى: "ها أنا ذا، للكهنوت، للمملكة، لأقتل، ولـِأُقتَل. يا رب، أنا هنا… هكذا أفهمُ المعنى الحقيقي لكلمة رائد".

 نشأ بينيت في هذا الجوّ، لقد اعتقد أنّه سيكون أحد "الرواد الجدد"، إذ رأى أنّ الجيل السابق لم يُكمل طريقة إلى الغزو، في الوقت الذي يعتزم جيلُه الاستيلاءَ على إسرائيل الكبرى، كلّ فلسطين الانتدابية.

اقرأ أيضاً: حكومة "الإخوان - الإسرائيليين"

"من أجل ملكوت" الربّ على الأرض، سيكون بينيت أيضاً "رائداً حقيقياً"، ستكون رحلتُه رحلة العديد من أتباع هذه المدرسة، التي تجمع بين الإيمان المِسْياني (الرسولي) وإستراتيجية متقَنة للغاية للاستثمار في هياكل الدولة و"الحرب الثقافية" ضدّ النخب العُمّالية القديمة، التي تُعدّ قاتمة وخالية من المحتوى الأيديولوجي، لا ينوي "الرواد الجدد" احتلالَ الأرض فحسب، بل أيضاً جعل هذا الطموح القلبَ الأيديولوجي والروحي للأمة، إنّهم يبنون مستقبلاً يقترب من الافتداء.

مبادرة قصف كنا

بعد تجنيده، عام 1990، انخرط بينيت في ألمع مسارٍ ممكن لأتباع هذه الحركة، خدم في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، وتعرف اختصاراً باسم "سيريت ماتكال (" (Sayeret Matkal (فرقة الأركان)، وهي وحدة النخبة المرموقة في الجيش الإسرائيلي، ثمّ في فرقة ماجلان (Maglan) الخاصة، وتخصّص في العمليات المحفوفة بالمخاطر.

في 18 نيسان (أبريل) 1996، عندما شنت إسرائيل هجوماً واسعاً على حزب الله في لبنان، شارك بينيت برتبة قائد، فعندما تعرّضت وحدتُه للقصف بقذائف الهاون لَعَنَ بينيت القيادة العسكرية لبطئها الشديد، في رأيه، في اتخاذ الإجراءات المناسبة، ووفقاً للعديد من الصحفيين الإسرائيليين؛ فقد قرّر تجاهلَ توجيهات رؤسائه، وأمر بقصف قرية كنا، التي تضم مبنىً للأمم المتحدة الذي لجأ إليه العديد من القرويين، هناك عُثِر على 102  من المدنيين قتلى تحت الأنقاض، و4 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فتصدرت "مذبحة كنا" عناوين وسائل الإعلام العالمية، وخلص تحقيقُ الأمم المتحدة إلى وصف قصف كنا بـ "قصف إسرائيلي متعمّد"، وهو ما رفضته الحكومة الإسرائيلية.

اقرأ أيضاً: "الغزل الحرام" بين "الإخوان" وإسرائيل وإيران

عام 2018؛ أدلى ديفيد زونشين، النقيب السابق لقوات ماجلان كوماندوز، الذي أصبح خاضعاً لأوامر بينيت عام 1996، والذي أصبح رئيساً لمجلس إدارة بتسيلم، بشهادته لصالح بينيت، حول الوقائع التي حدثت في كنا، متهماً إياه في الوقت نفسه بتحمّل "مسؤولية كبيرة في الانهيار الأخلاقي الذي غرقت فيه إسرائيل، في هذا الانهيار سجّل زونشين تقريرَه العام لصالح الفلسطينيين.

نفتالي بينيت: السرُّ هو السلام من الأسفل، الخيار الوحيد لإسرائيل هو فرض إرادتها، مع منحِ الفلسطينيين الراغبين في ذلك، تحسناً مشروطاً بطيئاً في حياتهم اليومية

بعد أن طوّر مهاراته التي اكتسبها جزئياً خلال مسيرته العسكرية على مدى ست سنوات، حقّق بينيت ثراءً مذهلاً، من خلال إنشائه، مع زملائه، عام 1999، شركتَيْن مبتدئتَين لبرمجيات "الحماية الإلكترونية" تحت اسم "Cyota and Soluto"، واللتين باعهما لصناديق أمريكية في عامي 2009 و2013 بمبلغ إجمالي يقدر بأكثر من 250 مليون دولار (205 مليون يورو)، يمكنه أخيراً أن يلجأ إلى ما يطمح إليه منذ فترة طويلة: السياسة، وسرعان ما أصبح رئيساً لديوان بنيامين نتنياهو (2006-2008).

اقرأ أيضاً: كيف سينعكس تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة على المنطقة؟

عام 2010؛ أصبح بينيت رئيس "يشع"، المنظمة الجامعة التي تدافع عن مصالح المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، وفي 20 كانون الأول (ديسمبر) 2011؛ أجرى مقابلة مع نجمٍ من الشاشة الصغيرة، نسيم ميشال، قال له هذا الأخير: "أنت ضابط رفيع المستوى، لو تلقيتَ أُمراً بإخلاء مستوطنة (في الأراضي المحتلة)، فماذا عساك فاعل؟"، فأجاب: "ضميري لن يسمح لي بالطاعة"، سأطلب من رئيسي أن يعذرني، ولن أطلب من الجنود الآخرين اتّباعي، لكنني، شخصياً، لا أستطيع"، هكذا تبنّى بينيت موقفاً متمرّداً، لكنّه يعلم أنّ كثيرين في إسرائيل سينظرون إليه كتعبيرٍ عن استقامة مثالية.

توحيد الحركة الاستعمارية

ومع ذلك، فإذا انخرط بينيت في الفصيل المتطرف للحركة الدينية الاستعمارية، فإنّه ينأى بنفسه عن إستراتيجيته السياسية التاريخية، لطالما أراد هذا الفصيل من الحزب القومي الديني أن يجعل الصهيونيةَ الدينية الطليعةَ المستقلة لأولئك الذين يدافعون عن سيادة الدولة اليهودية على كلّ أرض إسرائيل، لكنّ بينيت لا يؤمن بذلك؛ فهو يعتقد أنّه، بما أنّ الحركة الاستعمارية الراديكالية ليست مؤلفة من المتديّنين فقط، فإنّها لن تفوز إذا لم يتحِّد مكوّناها، الديني والعلماني معاً، فهو في الأساس يعتقد أنّ اليمين المتطرف الاستعماري "العلماني" الإسرئيلي يشاركه القومية الإثنية نفسها، من النمط "الباريسي" (barrésien) نسبة للكاتب الفرنسي موريس باريس (Maurice Barrès) (1)، والمشروع نفسه، المتجذر في عبادة "الأرض".

عام 2013؛ أنشأ بينيت حزب البيت اليهودي، وهو حزبُ يوحّد هذين الفصيلين، أمّا زوجته الثانية فهي غير ملتزمة دينياً، وتُدعَى إييليت شاكيد، بقدر ما أراد بينيت أن يكون متحضراً بقدر ما كانت هذه الأخيرة صورة كاريكاتورية لليمين المتطرف الانتقامي، وفي أحد الأيام قدّمت نفسها على أنّها "فاشية" في إعلانٍ لحملة سياسية. في يوم آخر، أوضحت أنّ الحفاظ على الطبيعة اليهودية للدولة يأتي أولاً، حتى لو كان الثمن رفض منح حقوق متساوية للمواطنين غير اليهود (المواطنين الإسرائيليين الفلسطينيين)، يحمل بينيت الاعتقاد نفسه، لكنّه يسعى إلى الحدّ من الخلافات.

اقرأ أيضاً: حكومة إسرائيلية جديدة تقصي نتنياهو... ما تعليق السلطة الفلسطينية وحماس وأمريكا؟

منذ ذلك الحين، سعى إلى هذا الخطّ الرامي إلى توحيد اليمين المتطرف مع العلمانيين، مما ساعد على تفكيك الحركة الاستعمارية الدينية إلى عدة تشكيلات صغيرة، لكنّه نجح في صنع نقطة انطلاق خاصة به تسمح له بالوصول إلى رئاسة الحكومة.

لكن نفتالي بينيت ليس سوى سياسي شاب نسبياً وذكي، كما أشهر أيضاً بعض المبادئ الأساسية، الأول: أرض إسرائيل هبة من الله "لقد كانت لنا منذ 3800 عام"، وهي غير قابلة للتجزئة.

 الثاني: في دولة إسرائيل، لا يمكن لأيّ مواطن غير يهوديّ أن يتمتع بحقوق مساوية لحقوق اليهود.

الثالث: "حلّ الدولتين" ليس حلاًّ، كما أوضح بصراحة: "إذا وَسِعَ الفلسطينيين أن يكبسوا على زرٍّ فيجعلوننا نختفي نهائياً، فهم  قادرون، والعكس بالعكس".

ما دام الصراع غير قابل للاختزال، فلا جدوى من محاولة إيجاد حلّ سياسي، لقد قال، عام 2014: "السرُّ هو السلام من الأسفل"، الخيار الوحيد لإسرائيل هو فرض إرادتها، مع منحِ الفلسطينيين الراغبين في ذلك، تحسناً مشروطاً بطيئاً في حياتهم اليومية، منحُ القليل جداً لبعض الفلسطينيين، ثم، إذا أبدوا استقامة سيُمنَحون المزيد قليلاً، ...إلخ. نوع من خلاصة الروح الاستعمارية، وريثما يستسلمون للأمر الواقع، تجب محاربة "الإرهاب"؛ أيْ أيَّ تلميح أو ميلٍ أو تعبير فلسطيني بسيط عن الاستقلال (كان بينيت أحد دعاة القانون الإسرائيلي الذي ألغى مصطلح "النكبة" في الكتب المدرسية).

أما بالنسبة إلى نهاية القصة، فقد قدّم بينيت عدّة سيناريوهات، كلّ واحدة منها مُطمئنة أكثر من السابقة، في مقال نُشِر في صحيفة "نيويورك تايمز"، عام 2014، قال إنّ الفلسطينيين سيحصلون في نهاية المطاف على 35 إلى 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية (دون تحديدِ أنّها ستكون مجزّأة، وأنّ القدس الشرقية لن تكون ضمن الأراضي)، سوف يستفيدون من شكل من أشكال الحكم الذاتي غير الحكومي؛ إذ أوضح قائلاً: "سيكون كياناً تحت الدولة"، يدير فيه ​​الحكامُ الشؤونَ اليومية، وحيث تحتفظ إسرائيل بسلطتها على القضايا السيادية، كان هناك زمنٌ عندما كان هذا يسمَّى بانتوستان، أشارت "خطةٌ" وضعَها في شباط (فبراير) 2012، تسمَّى "مبادرة من أجل الاستقرار الإسرائيلي"، إلى أنّه ينوي ضمّ المنطقة ج من الضفة الغربية على الفور، أو 63٪ من مساحتها، (والتي ستضاف إلى نسبة الـ 8٪ التي التي ضمّتها إسرائيل رسمياً في القدس الشرقية وما حولها)، كان ينوي منح الجنسية الإسرائيلية لبعض الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة ج، وقد تغيّر عددهم كثيراً في تصريحاته: 75000، قال في آب (أغسطس) 2018، أو حوالي 20٪ منهم، أمّا الـ 80٪ الباقون فيمكنهم، إنْ رغبوا، أن يصبحوا مواطنين أردنيين، وماذا لو لم يرغبوا في ذلك؟ بينيت لا يهمه الأمر، سوف يبقون بلا حقوق.

اقرأ أيضاً: قراءة في حكومة إسرائيل الجديدة.. مزيج سياسي بأغلبية هشة

أمّا غزة، فهو ينوي مطالبة مصر بمعالجة قضيتها، بالنسبة إلى البقية، قال بينيت، عام 2016، إنّه يجب ضمّ ما تبقى من 60 إلى 70 في المئة من الضفة الغربية، وكلّما كان ذلك أسرع فهو أفضل.

 "يجب أن نتصرّف بحزم، وأن نفرض حُلمنا، وهذا الحلم هو أن تكون يهودا والسامرة جزءاً من دولة إسرائيل ذات السيادة"، وقال، في آب (أغسطس) 2018؛ إنّه في مستقبلٍ غير محدّد سيتمّ ضم الضفة الغربية بأكملها.

من مؤيدي الديمقراطيات العَضَلِيّة

أخيراً، لم يكن بينيت فقط مؤيّداً متحمّساً للقانون الخاص بالدولة القومية للشعب اليهودي، المُدرَج فيما يسمَّى بالقوانين الإسرائيلية "الأساسية" (أي ذات البُعد الدستوري)، التي تُرسي، للمرّة الأولى، فرقاً قانونياً بين المواطنين اليهود وغير اليهود (95 % فلسطينيون)، كما أنّه مؤيد للديمقراطيات العَضَلِيّة القوية، وهكذا، فعندما كان وزيراً للتربية والتعليم (2015-2019)، فرض بمرسومٍ مَنْعَ المدارس الحكومية من الترحيب بممثلي سلسلة من الجمعيات الإسرائيلية المعادية لاحتلال الفلسطينيين، ابتداء من "كسر حاجز الصمت" (Breaking the Silence)، وهي جمعية غير حكومية تضمّ جنوداً سابقين يكشفون حقيقة هذا الاحتلال لشعبٍ آخر.

سيكون رئيس الوزراء بينيت تتويجاً لأكثر من نصف قرن من النمو في القوة الناعمة الدينية داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي، هذه الحركة التي قامت بتثبيت مفاهيم صوفية بشكل مهيب، كانت في البداية هامشية للغاية داخل الصهيونية، كتلة الإيمان هذه، الطليعة المتشدّدة، التي اختفت اليوم، تُوسِّع اليوم نفوذَها إلى عدد لا يحصى من الحركات والأحزاب السياسية، ورثتُها موجودون في الليكود، والآن في الأوساط الدينية الأرثوذكسية المتشدّدة، المنبثقين هم أنفسهم من معاداة الصهيونية، إنّهم موجودون في يمينا، حزب بينيت، وفي الحزب الصهيوني الديني الجديد الذي يرحِّب بالكاهانيين، اليهود المتعصّبين الذين نفذوا مؤخراً مسيرات ليلية ضدّ الفلسطينيين في القدس.

بعبارة أخرى؛ أصبحت الكتلة الإيمانية هي الحزب الديني غير الرسمي. وللمرّة الأولى، وفيما وراء المعارك الداخلية في هذا المعسكر، وصل أحدُهم إلى القمة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine


الهامش:

(1) موريس باريسMaurice Barrès  ( 1862 – 1923): كاتب وسياسي فرنسي، ويعدُّ رئيساً صورياً للقومية الفرنسية.

المحور الأول في فكره هو "تقديس الأنا": يؤكد باريس أنّ واجبنا الأول هو الدفاع عن أنفسنا ضدّ "البرابرة Barbares"؛ أي ضدّ كلّ ما يهدّد الأنا بإضعافها في تنمية فكرها.

المحورُ الثاني يلخّصه التعبير الاصطلاحي "الأرض والأموات" la terre et les morts، والذي يتلخّص في ثلاثة مجلدات روائية تعبِّر عن الحسّ الوطني: "المقتلعون" (1897)، و"نداء للجندي" (1900)، و"أرقامهم" (1902)، ويعدّ هذا الأخير شاهداً على تطور موريس باريس نحو القومية الجمهورية والتقليدية، والتعلق بالجذور والأسرة والجيش والأرض.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية