نُذر انقسام داخل جماعة العدل والإحسان المغربية

نُذر انقسام داخل جماعة العدل والإحسان المغربية


16/02/2022

أثارت استقالة قيادي بارز مؤخرا من جماعة العدل والإحسان الإسلامية في المغرب تساؤلات عن نذر انقسام بدأت تلوح في أفق الجماعة ومدى تأثيرها على تماسك الحركة التي عُرفت بانضباطها الداخلي وغياب الانشقاقات داخلها رغم التغييرات التي طرأت عليها منذ تأسيسها.

وتقدم القيادي البارز في مدينة مكناس حمزة الراس باستقالته من الجماعة موجها وابلا من الانتقادات إليها متوعدا بكشف حقيقة التنظيم وهو ما يعكس حالةً من الغضب داخله من قبل بعض الأعضاء وهو ما زاد من علامات الاستفهام بشأن انقسام محتمل.

شكلت استقالة حمزة الراس وهو من القيادات البارزة في جماعة العدل والإحسان خروجا عن المألوف، فالجماعة التي لطالما تباهت بأنها متماسكة داخليا ومن الصعب خروج قياداتها عن السيطرة باتت وحدتها موضع تساؤل جدي خاصة وأن الراس توعد بكشف حقائق عن التنظيم.

وقال الراس بحسب مقطع فيديو نشره مدعما إياه بوثيقة استقالته إنه “اتضح جليا أن الجماعة متناقضة مع نفسها ويلفها الغموض وازدواجية الخطاب والمواقف، لم أعد مقتنعا بأساليبها وطرقها الاستغلالية التي تكرّس العبودية وتسلّط الأطر وهيمنتها على المنتسبين للجماعة، وكذلك بعد مراجعة فكرية وقناعة شخصية، خلصت على إثرها إلى أنني كنت أشق طريقا غير صحيحة ظاهرها مملوء بالورود وباطنها بالأشواك، والمكر والخداع، طريق أدت بي في الكثير من الأحيان إلى المحن والاعتقالات التي كانت الجماعة سببا فيها وتخلت عنا بعد الوقوع فيها”.

وتطرح هذه الاستقالة المفاجئة، بما حملته من تصعيد كلامي ستكون له تداعيات على مصداقية الجماعة، علامات استفهام عن مستقبل التنظيم.

ويقول المفكر والكاتب المغربي سعيد ناشيد إن “الجماعة تعيش حالة انهيار شأنها شأن بقية جماعات الإسلام السياسي، وهذا الانهيار يأتي أساساً بعد انهيار وعودها وأطروحاتها المستمدة من رؤية شيخها الراحل”.

وأضاف ناشيد في تصريح لـ “العرب” أن “جماعة العدل والإحسان كانت تروّج لنفسها بأنها أكثر الجماعات تماسكا وقوةً وقدرةً على التجييش، لكنها انهارت وانهارت وعودها، لقد حاولت في كل مرة سواء في الحراك الريفي أو غيره تجنيد الشعب المغربي لتحقيق نبوءة شيخها عبدالسلام ياسين بشأن عودة الخلافة لكن انهيار حركة العشرين من فبراير وآمالها في طريقة تجييشها للناس كانت بداية نهايتها، وطبيعي أن الشباب سيصاب بخيبة أمل ويتحرك في اتجاهات مختلفة منها العودة إلى السلوك المدني والحياة السياسية الطبيعية، واختيار معركة الحداثة”.

وتُعد جماعة العدل والإحسان من أكبر التنظيمات الإسلامية والدعوية في المغرب حيث أسسها عبدالسلام ياسين وظل مرشدها العام إلى غاية وفاته في العام 2012، وتسلم وقتها محمد عبادي في الرابع والعشرين من ديسمبر قيادة التنظيم لكن بلقب الأمين العام حيث تم الاحتفاظ بلقب المرشد العام لمؤسسها الراحل ياسين.

تُحذر أوساط سياسية وفكرية في المغرب من أن الانشقاقات التي قد تشهدها جماعة العدل والإحسان قد تفضي إلى المزيد من التشدد خاصة أنها ستكون هناك ردة فعل على تخلي البعض عن أطروحات التنظيم واختيار طريق ثانٍ لسلكه.

ويقول ناشيد إنه “لا يمكن فصل أزمة العدل والإحسان عن الأزمات التي تعصف بتيارات الإسلام السياسي، فالأزمة التي يعيشها الإسلام السياسي تطال اليوم كل التنظيمات الخارجة من رحمه، كل أطروحاتها انهارت خاصة في سياق ما سمّي بالربيع العربي الذي بقدر ما دفع بآمال الإسلام السياسي إلى أقصى حدودها بقدر ما عجل بانهيارها، في كل المناطق التي أمسكوا فيها بالسلطة كان تدهور الوضع الأمني والاقتصادي هو العنوان الأهم سواء في مصر أو تونس أو غيرهما ثم وعود هذه التيارات بتغيير الأنظمة وقلبها والإطاحة بها وكل تلك الأوهام التي تم ترسيخها قد انهارت”.

ويحذر الكاتب المغربي من أن الأزمة ستكون لها تداعيات على تماسك التنظيم محذرا من أن “الخيبة التي مُنيت بها الجماعة وشبابها قد تدفع الأخيرين  إلى المزيد من التطرف وهذا ما يجب أن ننتبه إليه”.

في المقابل، ينفي متابعون آخرون أن تكون لاستقالة الراس تداعيات على تماسك جماعة العدل والإحسان حيث يقول هشام عميري الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط أن “الجماعة تعتبر من التنظيمات الأكثر تنظيما وتماسكا في العالم العربي والإسلامي، فتقديم قيادي لاستقالته من الجماعة ليس جديداً على هذا التنظيم، بل سبقته عدة استقالات لمؤسسين للنواة الأولى للتنظيم الطلابي للجماعة في التسعينات نظرا لوقوع مجموعة من الخلافات داخل الجماعة، كما أن هذه الخلافات والتهديد بالانشقاق وقعت كذلك بعد وفاة مرشد الجماعة عبدالسلام ياسين، والخلاف هنا وقع حول من سيخلفه من أجل قيادة الجماعة ومع التعاطي مع مجموعة من القضايا بعد وفاة مرشدها”.

وتابع عميري لـ “العرب” أن “الاستقالة اليوم لن تؤثر على هذا التنظيم وذلك يرجع إلى عاملين، العامل الأول والذي يتمثل في كون جماعة العدل والإحسان كما قلت سابقاً، هي من أكبر الجماعات الإسلامية تماسكا وتنظيما في العالم العربي والإسلامي، وبالتالي لن تؤثر هذه الاستقالة على هذا التنظيم. فأما العامل الثاني يتجلى في الخطاب التربوي والسياسي للجماعة، فالخطاب التربوي يتميز بالتخطيط والحصن المنيع الذي يحمي التنظيم من أي فشل أو تهديد يهدد وحدتها، فهي تختار أعضاءها بعناية والتدرج في سلم الجماعة”.

 لكن عميري يُقر بأن الجماعة باتت غائبة عن القضايا السياسية والاجتماعية في المملكة مقارنة مع الفترة التي تولى فيها الراحل عبدالسلام ياسين قيادتها.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية