هاريت توبمان.. لماذا سيضع بايدن صورتها على ورقة الـ 20 دولاراً؟‎‎

هاريت توبمان.. لماذا سيضع بايدن صورتها على ورقة الـ 20 دولاراً؟‎‎


31/01/2021

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن تكثيف جهودها لوضع صورة الناشطة المناهضة للعبودية هاريت توبمان على ورقة نقدية من فئة الـ 20 دولار، وذلك بعد أعوام من إعلان وزارة الخزانة الأمريكية أنّ صورة الناشطة الأمريكية ستحل مكان صورة الرئيس الأسبق ومالك العبيد أندرو جاكسون، قبل أن يتم تأجيل مشروع القانون في عهد دونالد ترامب إلى العام 2026.

ستكون توبمان أول شخصية أمريكية من أصول أفريقية يتم تكريمها بوضع صورتها على النقد وأول سيدة تطبع صورتها على أوراق النقد الأمريكية منذ 100 عام

 

وفي حال تنفيذ القرار، ستكون توبمان أول شخصية أمريكية من أصول أفريقية يتم تكريمها بوضع صورتها على النقد وأول سيدة تطبع صورتها على أوراق النقد الأمريكية منذ 100 عام، وفق ما أورد موقع "بي بي سي".

فمن هي هاريت توبمان، التي باتت مصدر إلهام لكل المناضلين ضد العنصرية، والساعين للحصول على المساواة والحقوق المدنية؟ 

ولدت للعبودية!

حالها كحال معظم العبيد في أمريكا في ذلك الوقت، لم يُسجّل تاريخ أو مكان ميلاد دقيق لتوبمان، لكنّ التقديرات تشير إلى أنّها ولدت بين عامي 1820 و1822، في مزرعة تملكها عائلة إدوارد بروديس في مقاطعة دورتشستر بولاية ماريلاند الأمريكية.

ستحل صورتها مكان صورة الرئيس الأسبق ومالك العبيد أندرو جاكسون

وعند ولادتها، كان اسمها "أرمانتا روس" لكنّ والديها "هاريت جرين" و"بن روس" كانا يطلقان عليها اسم "مينتي"، وفي وقت لاحق غيَّرت أرامانتا اسمها الأول إلى هاريت؛ تكريماً لوالدتها، التي كانت تعمل طاهية للمنزل الكبير بالمزرعة، فيما كان والدها عاملاً في الأخشاب، أمّا أخوتها وأخواتها الـ 8؛ فقد أجبروا على الانفصال عن بعضهم، بسبب واقع العبودية في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: النبي محمّد في المتخيّلات الأوروبيّة: محطّم الأصنام و محرر العبيد

وعندما بلغت هاريت سن السادسة، تمّ تأجيرها لعائلة سيدة تدعى سوزان؛ كمربية لطفل حديث الولادة، حيث كان يتوجب عليها مراقبته أثناء نومه، وفي حال كان الطفل يبكي كانت هاريت تتعرّض للضرب والجلد، وفق ما أورد  موقع "هيستوري" التوثيقي.

وفي أحد الأيام تعرّضت هاريت، التي أطلق عليها لاحقاً اسم "موسى شعبها" نسبة إلى النبي موسى الذي أنقذ بني إسرائيل من عبودية فرعون، للجلد 5 مرات قبل الإفطار وحملت آثار الندوب على جلدها بقية حياتها.

نضال مبكر

وبدأت العلامات المبكرة لمقاومة هاريت للعبودية وما يصاحبها من انتهاكات في سن الـ 12، عندما تدخلت لمنع سيدها من ضرب رجل مستعبد حاول الهرب، وضُربت حينها على رأسها بثقل يزن رطلين، أدى إلى إصابتها بصداع شديد ونوم قهري (مرض عصبي مزمن يعني فقدان قدرة الدماغ على تنظيم دورات النوم والاستيقاظ على نحو طبيعي) مدى الحياة.

اقرأ أيضاً: ثورة الزنج وحدت العبيد وانتصرت للفقراء.. فماذا كان مصيرها؟

وتقول المؤرخة النسوية ومديرة دراسات المرأة في كلية ميريماك، ديبرا ميشالس، في مقالٍ نشره موقع "متحف تاريخ المرأة" التوثيقي المهتم بتاريخ الحركة النسائية في الولايات المتحدة؛ إنّ هذه الحادثة تسببت في إصابة هاريت بحالة غريبة، وهي أنّها أصبحت تنام فجأة من دون سابق إنذار ولا يمكن لأي أحد إيقاظها، وقد لازمتها هذه الحالة طيلة حياتها.

وقالت هاريت عن الحادث فيما بعد: "كسر الوزن جمجمتي، حملوني إلى منزل مالكي وكنت أنزف بشدة حتى فقدت الوعي، لم يأخذوني إلى المستشفى كما لم يكن لديّ سرير، فتركوني جالسة على مقعد لمدة يومين دون أي عناية طبية".

وأضافت أنّه بعد يومين تمّ بيعها وإرسالها إلى الحقل للعمل، حيث كان الدم والعرق يسيلان على وجهها حتى قرّر المالك الجديد إعادتها إلى مالكها الأساسي.

نضال من أجل الحرية

في العام 1844 تزوجت هاريت بجون توبمان، وهو رجل أسود حر، وغيّرت اسم عائلتها من روس إلى توبمان، لكنّ زواجها لم يستمر سوى 5 أعوام؛ إذ إنّها هربت من منزل زوجها لمساعدة اثنين من أشقائها، هما بن وهنري، حيث كانا على وشك أن يتم بيعهما.

بدأت العلامات المبكرة لمقاومة هاريت للعبودية وما يصاحبها من انتهاكات في سن الـ 12، عندما تدخّلت لمنع سيدها من ضرب رجل مستعبد حاول الهرب

 

وفي خريف 1849، تمكّنت هاريت من إخراج أخويها من مزرعة ماريلاند عن طريق قطار الأنفاق الموجود تحت الأرض، والهرب بهما شمالاً باتجاه ولاية بنسلفانيا، لكنّهما قررا العودة وتركاها وحدها.

عندما وصلت هاريت إلى ولاية بنسلفانيا نجحت في إيجاد عمل كمُدبرة منزل في فيلادلفيا، لكنّها لم تكن راضية عن العيش بحرية بمفردها، لأنّها لطالما أرادت الحرية لأحبائها وأصدقائها أيضاً، لتعود بعد فترة قصيرة إلى ماريلاند، من أجل إحضار أبناء أختها عبر الأنفاق نحو فيلادلفيا، وبالفعل تمكّنت من ذلك.

وفي إحدى المرات حاولت إحضار زوجها جون توبمان، لكنّها وجدته قد تزوج مرة أخرى وقرّر البقاء مع زوجته الجديدة.

تمثال هارييت توبمان في أوبورن

ومع ذلك، استمرّت في مساعدة العبيد الآخرين، مخاطرة بحياتها على مدى 11 عاماً، ساعدت خلالها المئات من العبيد للفرار إلى الشمال، حيث تم حظر الرّق.

وفي العام 1850 صدر قرار يسمح بالقبض على العبيد الهاربين نحو الشمال واستعبادهم مرة أخرى، الأمر الذي جعل مهمة هاريت كقائدة لسكك الأنفاق تحت الأرض أكثر صعوبة وجعلها تقود الأشخاص الذين تقوم بتهريبهم من الجنوب نحو كندا.

ومع مرور الوقت، أصبح تهريب العبيد نحو الحرية كل ما يشغل بال هاريت، فحملت مسدساً من أجل حماية من تقوم بتهريبهم، كما بدأت تأتيها الأفكار لتسهيل مهمتها؛ مثل تخدير الأطفال الرضع والصغار حتى تمنع "صيادي العبيد" من سماع بكائهم أثناء الهرب.

مع بداية الحرب الأهلية الأمريكية، عملت توبمان كممرضة لقوات الاتحاد، واستخدمت معرفتها بالأدوية العشبية للمساعدة في علاج الجنود المرضى والعبيد الهاربين

 

ودفع نجاحها مالكي العبيد إلى رصد مكافأة قدرها 40 ألف دولار مقابل القبض عليها أو قتلها، وعلى الرغم من تلك المكافأة المغرية، لم يُقبض على هاريت ولم تفقِد "راكباً" طوال عملها؛ إذ تشير ديبرا ميشاليس في مقالها إلى جملة قالتها هاريت ذات مرة: "إنّ قطاري لم يخرج عن مساره أبداً، ولم أفقد راكباً واحداً على الإطلاق".

الحرب الأهلية

مع بداية الحرب الأهلية الأمريكية، عملت توبمان كممرضة لقوات الاتحاد، واستخدمت معرفتها بالأدوية العشبية للمساعدة في علاج الجنود المرضى والعبيد الهاربين.

كما عملت في الكشافة، وقدمت معلومات استخباراتية حيوية، بفضل عملها في السكك الحديدية عبر الأنفاق، حيث تعرّفت على المدن وطرق المواصلات التي تميّز الجنوب، وهي معلومات جعلتها شخصية مهمة بالنسبة لقادة الاتحاد العسكريين أثناء الحرب الأهلية.

انضمت المناضلة السوداء إلى كلٍ من إليزابيث كادي ستانتون وسوزان أنتوني في سعيهما للحصول على حق المرأة في التصويت

 

وبصفتها جاسوسة وكشَّافة لصالح جيش الاتحاد، تقمَّصت هاريت في أغلب الأحيان دور المرأة المسنة بهدف التخفي، حيث إنّها كانت تتجول في الشوارع الواقعة تحت السيطرة الكونفدرالية وتتعرّف من السكان المستعبدين على مواضع القوات الكونفدرالية وخطوط إمدادهم.

ولم تقتصر علاقة هاريت بهؤلاء المستعبدين على "المعلومات الاستخبارية" فحسب؛ فقد ساعدت عدداً كبيراً منهم في الحصول على الطعام والمأوى، بل والوظائف في الشمال.

نضال لم ينقطع 

بعد انتهاء الحرب الأهلية، استقرّت هاريت مع بعض أفراد عائلتها وأصدقائها على أرض كانت تملكها في أوبورن في نيويورك، وتزوجت رجلاً مستعبداً سابقاً ومحارباً سابقاً في الحرب الأهلية يدعى نيلسون ديفيس في عام 1869، وتبنت طفلة صغيرة اسمها "جيرتي".

وعند زواج هاريت من نيلسون، كان زوجها السابق جون توبمان قد توفي في عام 1867، أي قبل زواجها الجديد بعامين.

وعرفت هاريت باتباعها سياسة الباب المفتوح لأي شخص محتاج؛ إذ إنّها دعمت الأعمال الخيرية، من خلال بيع منتجاتها المزروعة محلياً وتربية الحيوانات وقبول التبرعات والقروض من الأصدقاء.

ثم انضمت المناضلة السوداء إلى كل من إليزابيث كادي ستانتون وسوزان أنتوني في سعيهما للحصول على حق المرأة في التصويت، كما عملت مع الكاتبة البيضاء سارة برادفورد في كتابة السيرة الذاتية للأخيرة.

في وقت لاحق، انخرطت توبمان بشدة في حياة الكنيسة، وتبرّعت بالأرض التي كانت تملكها لبناء منزل للمسنين، قبل أن تتدهور صحتها إثر الإصابة التي تعرّضت لها في طفولتها وظلّت تعاني منها طوال حياتها.

واستمرت صحة هاريت بالتدهور، وتمّ نقلها في عام 1911 إلى منزل المسنين الذي قامت هي نفسها ببنائه والذي يحمل اسمها أيضاً، وعاشت فيه عامين قبل وفاتها عام 1913.

دُفنت "موسى شعبها" مكللة بالأوسمة العسكرية في مقبرة فورت هيل في مدينة أوبورن بولاية نيويورك الأمريكية، تاركةً وراءها إرثاً كبيراً من الأعمال البطولية، لتصبح واحدة من أكثر الرموز شهرة في التاريخ الأمريكي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية