هجوم غرب سيناء... ما الرسائل والدلالات؟

هجوم غرب سيناء... ما الرسائل والدلالات؟


10/05/2022

هجوم إرهابي هو الأعنف منذ نهاية تموز (يوليو) 2020، تبنّته ولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش، وحمل العديد من الدلالات ولا سيّما بعد استهدافه البنية التحتية في شبه جزيرة سيناء التي شهدت مؤخراً نهضة تنموية حقيقية بعد عقود طويلة من التهميش والإقصاء من خطط الإنماء.

والسبت الماضي، أعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة عقيد غريب عبد الحافظ إحباط هجوم إرهابي، هو الأعنف منذ الهجوم على نقطة عسكرية في بئر العبد في شمال سيناء في نهاية تموز (يوليو) 2020، استهدف محطة رفع مياه بمنطقة شرق قناة السويس غربي سيناء، الأمر الذي اعتبره مراقبون رداً من العناصر الإرهابية على حملة التطهير الواسعة ضد العناصر المتطرفة، ونجاح عمليات التنمية والإعمار بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة.

 ضغط أمني وعسكري

رأى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أنّ الدولة المصرية اتّبعت مقاربة شاملة من أجل تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية من خلال تطهير سيناء من البؤر الإرهابية، ممّا ترتب عليه ضغط أمني وعسكري على نشاط العناصر التكفيرية أدى إلى تقويض نفوذهم وتراجع نشاطهم.

وفي محاولة بائسة من ولاية سيناء لإثبات أنّ تنظيمها ما يزال موجوداً، شرعت مجموعة من العناصر التكفيرية في الهجوم على نقطة رفع مياه غرب سيناء السبت الماضي، وقد تم التصدي لها من قبل عناصر القوات المسلحة المكلفة بالعمل في النقطة، ممّا أسفر عن استشهاد ضابط و(10) جنود وإصابة (5) أفراد.

هجوم إرهابي هو الأعنف منذ نهاية تموز (يوليو) 2020

وفي تصريحات لقناة "إم بي سي مصر" أمس الإثنين، صرح اللواء نصر سالم، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية أنّ "عملية "سيناء 2018" قضت على نحو 95% من البنية التحتية للإرهاب في سيناء"، التي كانت وما زالت مطمعاً لأعداء مصر، قائلاً: "مصر كسرت رقبة الإرهاب بتعمير سيناء".

صرّح اللواء نصر سالم، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أنّ عملية "سيناء 2018" قضت على نحو 95% من البنية التحتية للإرهاب بسيناء

وأبدى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في دراسة له أعدتها الباحثة تقى النجار، عدة ملاحظات تتعلق بتوقيت الهجوم وطبيعة أهدافه، فضلاً عن الرسائل التي يسعى تنظيم داعش لإيصالها من خلال هذا الهجوم.

 توقيت الهجوم

يتزامن توقيت الاستهداف مع تبنّي التنظيمات الإرهابية مؤخراً عدداً من العمليات الإرهابية في الجنوب الليبي، حيث تتبع هذه التنظيمات استراتيجية قائمة على إعادة هيكلة نهجها الإقليمي في أفريقيا، في محاوله لفتح ساحات جديدة لنشاطها، ولا سيّما في ضوء الضغط الأمني الذي تتعرض له في ساحات مختلفة، إذ تبحث عن مساحات جديدة للمناورة بهدف استمرارها في تهديد السلم والأمن الإقليميين.

 دعاية إرهابية

تسعى التنظيمات الإرهابية لتعزيز صورتها الجهادية من أجل لفت انتباه وسائل الإعلام، ولا سيّما في ضوء ضعف قدرتها، وانحسار نشاطها، وفقدان قدرتها على التجنيد، وخسارتها الحواضن الاجتماعية الرئيسية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تهدف إلى إثبات الوجود عبر إرسال رسالة مفادها قدرتها على تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، حتى وإن كانت واهية، وذلك على الرغم من تعرضها لضربات أمنية وعسكرية دمرت بنيتها التحتية، وقضت على العديد من قياداتها، وقطعت خطوط الدعم والإمداد اللوجستي لها، وفق دراسة المركز المصري التي جاءت بعنوان "الهجوم الإرهابي في سيناء: دلالات استهداف البنية التحتية".

هدف سياسي

وأشارت الدراسة إلى أنّ هناك جملة من الأهداف السياسية المتعلقة بالعملية الإرهابية، يتعلق أولها بتقديم صورة مغلوطة عن الدولة المصرية بهدف تصويرها على أنّها غير قادرة على حماية أمن مواطنيها، ممّا ينعكس بشكل سلبي على دور مصر الدولي والإقليمي الذي شهد صعوداً ملحوظاً بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013، أمّا ثانيها، فيهدف إلى تشويه الإنجازات المصرية المتعلقة بتطوير البنية الأساسية، وتدشين عدد كبير من المشروعات القومية، بجانب دخول الدولة المصرية مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي المتعلق بفتح حوار وطني يضم كافة القوى السياسية المصرية المختلفة.

طبيعة الهدف

وذهبت الدراسة إلى أنّ العناصر التكفيرية سعت لاستهداف محطة رفع مياه في غرب سيناء، الأمر الذي يشير إلى التحول الذي طرأ على طبيعة المستهدف، فبعد أن كانت العناصر التكفيرية تركز في عملياتها في سيناء على استهداف مرتكزات للقوات المسلحة والشرطة، فقد تحول ذلك النمط إلى استهداف متعلق بالبنية التحتية في سيناء.

يتزامن توقيت الاستهداف مع تبنّي التنظيمات الإرهابية مؤخراً عدداً من العمليات الإرهابية في الجنوب الليبي

 سرعة الاستجابة

في البيان نفسه الذي حمل أوجاعاً وحزناً بالغاً للشعب المصري، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية أنّ قوات الجيش المصري تطارد العناصر الإرهابية وتحاصرهم.

واعتبر المركز المصري أنّ ردّ فعل الدولة المصرية في التعامل مع العملية اتسم بـ"درجة شديدة" من سرعة الاستجابة والتكامل، وتبلور ذلك الطرح منذ إصدار الصفحة الرسمية للمتحدث الرسمي للقوات المسلحة البيان الذي يكشف ملابسات العملية، وتزامن ذلك مع نعي الحكومة المصرية شهداء العملية الإرهابية، مؤكدة على عزم الدولة المصرية استكمال مسيرة التنمية والبناء.

 

استهدف الهجوم الإضرار بمرفق قناة السويس وسمعة مصر عبر تسويق صورة دولية بأنّ العبور في قناة السويس غير آمن

 

وتبع هذا المشهد قيام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بترؤس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة صباح أول من أمس بهدف استعراض تداعيات الحادث الإرهابي، ووجّه باستكمال "تطهير بعض المناطق في شمال سيناء من العناصر التكفيرية".

 أباطيل الشر

تبنّت الدولة المصرية مقاربة شاملة في مكافحة الإرهاب، حيث انطلقت المقاربة، بحسب الدراسة، من (3) مبادئ رئيسية؛ يتعلق أولها بكفالة وتحقيق أمن المواطن، وينصرف ثانيها إلى إعادة هيبة الدولة وسيطرتها على كافة أرجاء الوطن، ويتصل ثالثها بإعادة الثقة للأجهزة الأمنية المعنية بضبط الأمن وتحقيق الاستقرار، وذلك عبر الاعتماد على مجموعة متكاملة من المحاور: الأمني، والعسكري، والتشريعي، والفكري، والاقتصادي، والاجتماعي، والتنموي؛ الأمر الذي انعكس على تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية، وتراجع نشاطها، وانخفاض عدد عملياتها.

 

تسعى التنظيمات الإرهابية لتعزيز صورتها الجهادية من أجل لفت انتباه وسائل الإعلام، لا سيّما في ضوء ضعف قدرتها، وانحسار نشاطها، وفقدان قدرتها على التجنيد، وخسارتها الحواضن الاجتماعية الرئيسية

 

وتبلور ذلك الطرح في التقرير الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات تحت عنوان "مصر 2013-2020: حقائق الواقع تهزم أباطيل الشر"، في 29 حزيران (يونيو) 2020، الذي أشار إلى انخفاض عدد العمليات الإرهابية في مصر من (182) عملية إرهابية خلال عام 2014 إلى (45) عملية إرهابية خلال عام 2018، إلى أن جاء عام 2019 الذي شهد (4) عمليات إرهابية فقط، ليبرهن على نجاعة المقاربة المصرية في مكافحة الظاهرة الإرهابية.

 إشادة دولية

أشاد تقرير صدر حديثاً عن مجلس الأمن الدولي حول التهديد الذي يشكله تنظيم "داعش" للسلام والأمن الدوليين بالدور الذي لعبته الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب، وما ترتب عليه من انخفاض نشاط تنظيم "أنصار بيت المقدس" في مصر، مشيراً إلى أنّ تنظيمي داعش والقاعدة لم ينفذا أيّ هجمات إرهابية في مصر منذ 2019، بـ"فضل السياسة التي اتّبعتها الدولة المصرية في مكافحة الإرهاب، وذلك على المستويين العسكري والتنموي."

وتحاول التنظيمات الإرهابية، وفق الدراسة، إعطاء دفعة معنوية لعناصرها، بعد أنّ فقدت قدرتها على التجنيد في ضوء الهزائم المتكررة التي مُنيت بها في ساحات مختلفة على وجه العموم وداخل الأراضي المصرية على وجه الخصوص؛ حيث سعت بتلك العملية الإرهابية إلى تأكيد الزعم المتعلق باستمرار نشاطها. ومن ثم يمكن القول إنّ هذه العملية تأتي للتأكيد على الضعف الهيكلي، والتنظيمي، واللوجستي، الذي تعاني منه التنظيمات الإرهابية في الوقت الحالي.

مواضيع ذات صلة:

دماء في سيناء.. معركة مصر مع الإرهاب طويلة

هجوم غرب سيناء يفضح ضعف "فلول الإرهاب"

الإرهاب في سيناء: الجذور والمآلات




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية