هل التصعيد الإيراني في الإقليم مقدمة لتنازلات كبرى؟

هل التصعيد الإيراني في الإقليم مقدمة لتنازلات كبرى؟


03/10/2019

ما بين العملية التي استهدفت منشآت النفط السعودية في المنطقة الشرقية، والعملية التي تمثّلت بـ "معركة" مرسومة بـ "المكان والزمان" بين حزب الله وإسرائيل، والمقاومة التي يبديها الحشد الشعبي العراقي، التابع للقيادة الإيرانية، والضغوط التي يتعرض لها من داخل وخارج العراق، وأخيراً الإعلانات المتوالية من قبل الحوثيين، بمسؤوليتهم عن عملية "أرامكو"، ولاحقاً المزاعم بتنفيذ عملية واسعة ضدّ الجيش السعودي، وأسر مرتبات ثلاثة ألوية عسكرية، هذا إضافة إلى إعلانات إيرانية برفع نسب تخصيب اليورانيوم، خلافاً للاتفاق النووي عام 2015، يلحظ المتابع أنّ هناك تصعيداً إيرانياً في الإقليم، يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا التصعيد في إطار معركة "عضّ الأصابع" التي شكّلت سقفاً، حددت بموجبه مستوى الصراع بين القيادة الإيرانية ووكلائها وبين أمريكا، أم أنّه مجرد رسائل إيرانية لتحسين مواقعها قبل إعلانها القبول بالتفاوض مع أمريكا؟

يبدو أنّ سيناريو الحرب بين أمريكا ومعها حلفاؤها وبين القيادة الإيرانية أصبح آخر السيناريوهات المطروحة بتوافق الجانبين

يبدو أنّ سيناريو الحرب بين أمريكا، ومعها حلفاؤها، وبين القيادة الإيرانية، أصبح آخر السيناريوهات المطروحة، بتوافق الجانبين؛ إذ تؤكّد التصريحات العلنية من قبل الجانبين "عدم الرغبة أو التخطيط للحرب"، بالتزامن مع تأكيدات متبادلة من الجانبين، أنّهما في حال تعرض أيّ منهما لاعتداء من الجانب الآخر، فسيكون الردّ مزلزلاً، ويبدو أنّ هذا التهديد والوعيد يتردّد في أوساط الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والحشد الشعبي العراقي، بصورة أكبر مما هي عليه بالولايات المتحدة، بالتركيز على أنّ الاعتداء على الجمهورية الإسلامية، سيفجّر حرباً شاملةً في المنطقة، ستطال القواعد والجنود الأمريكيين وإسرائيل.

اقرأ أيضاً: أحزاب الله الإيرانية

إنّ السياقات العامة لتطورات الصراع بين إيران وأمريكا، تشير إلى أنّ الاتجاه العام يذهب باتجاه "التسوية"، فرغم فشل الوساطة الأوروبية في عقد لقاء قمة بين الرئيسَين؛ الأمريكي والإيراني، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة قبل أسبوعين، كانت "قاب قوسين أو أدنى" إلا أنّ خيار التفاوض ما يزال قائماً ومطروحاً، وهو ما أكّده الخطاب الذي ألقاه الرئيس روحاني في الأمم المتحدة، والتصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي وفريقه، بعد فشل عقد اللقاء على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، ومن الواضح، وفق تلك التصريحات، الإيرانية والأمريكية؛ أنّه تمّ قطع شوط طويل بتلك المفاوضات، خاصّة في الملفين؛ النووي والصاروخي الإيرانيَّين، فيما ما تزال قضية "وكلاء" إيران، والأدوار التي يمارسونها في الإقليم؛ حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، جماعة الحوثيين اليمنية، إضافة للميليشيات الإيرانية في سوريا، موضع بحث وتفاوض.

اقرأ أيضاً: إيران وتركيا.. أوهام بسط النفوذ في المنطقة

التصعيد الذي تمارسه إيران بشكل مباشر من قبل الحرس الثوري الإيراني، أو عبر وكلاء إيران، يعكس وجهاً آخر لإيران، يتمثل في تصاعد الخلافات بين التيار المتشدّد بقيادة المرشد الأعلى للثورة "خامنئي"، والتيار الإصلاحي الذي يمثله الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، جواد ظريف، وهناك كثير من الأدلة التي تؤكد تصاعد هذا الخلافات، بما في ذلك "نجاحات" التيار المتشدد في إفشال اللقاء بين روحاني وترامب في الأمم المتحدة، وقبله إفشال الزيارة المفاجئة لظريف إلى فرنسا، بالتزامن مع عقد قمة السبع الكبار قبل أسابيع، ورغم عدم وضوح مآلات هذا الخلاف حتى اللحظة، إلا أنّه يحسب لـ "عقوبات" ترامب "غير المسبوقة"؛ أنّها جرّت المرشد والتيار المتشدد ليكون عنوان تحركه "حماية الاتفاق النووي" الذي كان موضع رفض وتهمة توجّه للتيار الإصلاحي بإنجازه وحيداً مع القوى الكبرى، في تداعيات تلك العقوبات، التي دفعت الشعب الإيراني لرفع شعارات "الموت للمرشد والموت لروحاني"، وهو ما يعني أنّ انتفاضة جديدة محتملة في إيران في ظلّ الضغوطات الاقتصادية، ستطيح بالقيادة الإيرانية بتيارَيها؛ المتشدّد والإصلاحي.

التصعيد الذي تمارسه إيران بشكل مباشر يعكس وجهاً آخر لطهران يتمثل في تصاعد الخلافات بين التيارين؛ المتشدّد والإصلاحي

وإذا كان الرئيس الأمريكي يمارس أقسى الضغوط على القيادة الإيرانية من خلال العقوبات، لإجبارها على التفاوض، واستخدام ذلك في حملته الانتخابية القادمة، دون أن ينتقل لاستخدام خيارات أخرى مؤجلة، من بينها التنسيق مع "معارضات" إيرانية، داخلية وخارجية، لإطلاق شرارة انتفاضة جديدة، تدلّ كافة المؤشرات أنّ أسبابها الكامنة متوفرة، وهو ما تحسب له القيادة الإيرانية ألف حساب؛ فإنّ القيادة الإيرانية تمارس السياسة نفسها، من خلال تصعيد "محسوب" عبر الحرس الثوري ووكلاء إيران، خاصّة ضدّ المملكة العربية السعودية "عملية أرامكو"، والإعلانات المتوالية للحوثيين "بكسب معارك كبيرة، واحتلال أراضٍ سعودية"، وفي العراق عبر إعلانات للحشد الشعبي بتأكيد ولائه للقيادة الإيرانية، لا للعراق، والمعركة التي دارت بين حزب الله وإسرائيل، التي يتوقَّع أن تزداد حدّتها "وبصور هوليودية"، كلّما اقترب موعد المفاوضات، جميعها ترسل رسائل بـ "انتصارات" إيرانية على "قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر"، تغطي على تنازلات كبرى تستعدّ القيادة الإيرانية لتقديمها، في إطار مقاربات القيادة الإيرانية، بخوض حرب طاحنة مع أمريكا، نتائجها معروفة مسبقاً بـ "تدمير" إيران وسقوط النظام، أو تقديم تنازلات، تبرّرها "انتصارات" هنا وهناك، تضمن بقاء النظام الإيراني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية