هل تجر صراعات آبي أحمد العرقية إثيوبيا إلى التفكّك؟

هل تجر صراعات آبي أحمد العرقية إثيوبيا إلى التفكّك؟


13/10/2020

تعيش إثيوبيا أزمة دستورية بين الحكومة الاتحادية وإقليم تيجراي، عقب إجراء الأخير للانتخابات الإقليمية، في تحدٍّ لقرار الحكومة بتأجيل الانتخابات بسبب تفشّي جائحة كورونا.

ولم تعترف حكومة آبي أحمد بنتائج الانتخابات، وجرى تعليق عمل المؤسسات الفيدرالية في الإقليم، وقطع العلاقات مع المجلس الإقليمي، والهيئات التنفيذية العليا المنبثقة عنه، ووقف التمويل الفيدرالي.

ارتماء رئيس الوزراء آبي أحمد في أحضان الأمهرا، لتعويض نقص الدعم داخل حاضنته الأورومو، يجعله محسوباً على عرقية واحدة، ويزيد من التشاحن الإثني في البلاد

وكانت حكومة آبي احمد هدّدت بحلّ الأزمة عسكرياً، وردّ الإقليم بعرض عسكري لقواته، ما دفع الحكومة لعدم طرح الخيار العسكري مرة أخرى، بل واستبعاده.

ومما يزيد المشهد تعقيداً؛ الاضطرابات العرقية في البلاد، وتنامي المعارضة ضدّ حكم آبي أحمد، خصوصاً بين قوميته الأورومو، ما يجعل آبي أحمد يتمسّك بعدم الاعتراف بانتخابات تيجراي، خوفاً من تشجيع تنامي الروح الانفصالية عند بقية الأقاليم، ويعوّل البعض على الوساطة الدولية لحلّ الأزمة.

الأسباب الخفيّة للأزمة

بدأت الأزمة بين إقليم تيجراي والحكومة الاتحادية، برئاسة آبي أحمد، بسبب طلب الأخير تأجيل الانتخابات عن موعدها، الذي كان مقرراً في نهاية آب (أغسطس) الماضي، لمدة عام، على خلفية أزمة كورونا، وهو ما رفضه الإقليم، وأعلن عدم دستوريته.

لم تعترف حكومة آبي أحمد بنتائج الانتخابات

ووافق المجلس الفيدرالي (الغرفة الثانية للبرلمان) على تأجيل الانتخابات، في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي، ورفض طلب الإقليم بإجراء الانتخابات في موعدها القديم.

وفي تحدٍّ للحكومة؛ استقالت كيريا إبراهيم، عضو المكتب السياسي لجبهة تحرير التيجراي، بصفتها رئيس مجلس النواب، وتمسّك الإقليم بإجراء الانتخابات، على الرغم من تهديدات آبي أحمد، وعُقدت الانتخابات الإقليمية، في 9 أيلول (سبتمبر) الماضي، ولم تعترف الحكومة والهيئات الاتحادية بالانتخابات.

ويثير اعتراض إقليم تيجراي بمفرده على تأجيل الانتخابات تساؤلات عدّة، حول دوافع الإقليم، في تحدي الحكومة المركزية، وما ينتج عن ذلك من عقوبات واحتمالات قد تجرّ البلاد إلى أتون الفوضى.

اقرأ أيضاً: كيف دافع رئيس وزراء إثيوبيا عن سد النهضة أمام الأمم المتحدة؟

وحول الدوافع؛ تقول نائبة مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، فريدة بنداري: "بشكل عام، هناك خلافات بين آبي أحمد وعرقية التيجراي، منذ صعوده إلى السلطة، عقب ثلاثة عقود من حكم التيجراي، تمكّنوا فيها من السيطرة على المناصب العليا، ثم جاء آبي بسياسة إصلاحية اصطدمت مع هيمنة التيجراي، لتكون تلك بداية الخلاف بينهما".

وتتابع فريدة بنداري، لـ "حفريات": "الخلاف الحالي بينهما هو تأجيل الانتخابات، فالتيجراي يرون أنّ أبي أحمد استغلّ جائحة كورونا لتمديد سلطته لمدة عام، يعمل خلاله على استكمال بناء حزبه "الازدهار"، وتقوية حظوظه الانتخابية.

 وإلى جانب ذلك، هناك أسباب أعمق للخلاف، منها؛ اتفاق السلام مع إريتريا، الذي يرفضه التيجراي، الأعداء التاريخيون لإريتريا، وشعور هم بأنّهم يُهمَّشون لصالح عرقيّة الأورومو".

من الانتخابات الإقليمية في تيجراي

ويضيف الباحث الإرتيري في الشؤون الأفريقية، شفاء العفاري، سبباً يتعلّق بسياسة آبي أحمد الإصلاحية، فيقول: "يريد آبي أحمد أن يعيد هيكلة الأقاليم الإثيوبية، بتحوّيلها من تقسيم عرقي إلى تقسيم إداري، وهو ما يعني منح الفرصة للأعراق كبيرة العدد للسيطرة على أراضي الأقاليم الأخرى، خصوصاً قليلة السكان، مثل: إقليم عفر، بني شنقول، هرر، وتيجراي، لكنّ الأخير لديه القوة للتصدي لمخططات الحكومة".

اقرأ أيضاً: لماذا يُتهم السودان بالتنازل لصالح أثيوبيا في أزمة سدّ النهضة؟

ويتابع العفاري، لـ "حفريات": "لذلك أرى أنّ انتخابات تيجراي في أحد أسبابها كانت ضربة استباقية لأيّة محاولة هيكلة إدارية من حكومة العاصمة، ورفضاً لتمديد سلطة آبي أحمد، المدعوم بقوة من إريتريا، الجارة العدوّة للإقليم".

صراع المركز والأقاليم

وجاء رئيس الوزراء، آبي أحمد، برؤية مركزية لأثيوبيا، عابرة للأعراق، في بداية تولّيه الحكم، وبشّر بإصلاحات اقتصادية وسياسية وحقوقية، لكنّ الواقع أثبت إخفاق رؤيته للسياسة الداخلية، وعلاج الأزمة العرقية.

وخلقت نزعة آبي أحمد المركزية مشكلات بين المركز والأقاليم، التي تتخوف من تغوّل سلطة الحكومة الاتحادية عليها، مثل إقليم تيجراي، وإقليم أوروميا، الذي يطالب بالحكم الذاتي، والأقاليم الجنوبية.

اقرأ أيضاً: عقوبات على إثيوبيا.. كيف نفهم الموقف الأمريكي من أزمة سد النهضة؟

وترى نائبة مدير المركز العراقي الأفريقي للدراسات الإستراتيجية، فريدة بنداري؛ أنّ آبي أحمد جاء بإصلاحات اقتصادية في المقام الأول، وسياسياً عقد مؤتمرات مع الأعراق المختلفة، توصّل فيها إلى أنّ مشكلة إثيوبيا في الأزمة العرقية، لكنّه لا يملك الحلّ؛ فلا توجد لديه خطة سياسية - اجتماعية، وانزلق إلى صراع القوميات، فدعم الأورومو محلّ التيجراي، ما أثار عداءهم، ومن المحتمل انتقال الصراع إلى قوميات أخرى.

من مسيرات مناهضة لآبي أحمد في تيجراي

وتردف بنداري، لـ "حفريات": "كلّ إصلاحات آبي أحمد لا تعكس تفاعلات حقيقة على الأرض؛ إذ يعمل على التخلص من التيجراي، بمخالفة القانون والدستور، عبر عمليات الاعتقال والفصل والاغتيالات، وهو ما سيؤدي إلى خلق إحساس بالمظلومية لدى التيجراي، يهدّد وحدة أثيوبيا".

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

وكان آبي أحمد قد استغلّ الاضطرابات في إقليم أوروميا، بعد مقتل المغني الأورومي، هوشالو هونديسا، في حزيران (يونيو) الماضي، واعتقل عدّة آلاف من أبناء الإقليم، على رأسهم قيادات سياسة، منهم جوهر محمد.

الصحفي الإريتري، شفاء العفاري لـ"حفريات": انتخابات تيجراي كانت ضربة استباقية لأيّة محاولة هيكلة إدارية من حكومة العاصمة، ورفضاً لتمديد سلطة آبي أحمد، المدعوم بقوة من إريتريا

وتنشط الحرب الإعلامية بين حكومة آبي أحمد، وقنوات تابعة لإقليمَي تيجراي وأوروميا، على الرغم من القبضة الأمنية لآبي أحمد على الإعلام في البلاد.

فضلاً عن ذلك؛ يخوض الجيش الإثيوبي قتالاً، في غرب أوروميا وجنوبها، لمكافحة تمرّد جيش تحرير أورومو.

التحوّل إلى الديكتاتورية

ويبدو أنّ آبي أحمد ينزلق إلى الديكتاتورية في صراعه مع المعارضة السياسية؛ عبر قمع المعارضين، واعتقال النشطاء، وإغلاق وسائل الإعلام.

وحول ذلك، تقول فريدة بنداري: "مقابل إعلان الحريات، يقوم آبي أحمد بتقييد حرية وسائل الإعلام، واعتقال الآلاف من المعارضين، وتصفية عدد من المعارضين جسدياً، والتضييق على الأحزاب السياسية".

اقرأ أيضاً: هل انتهت "ثورة التغيير" في إثيوبيا وبدأ حكم الفرد؟

وفي أيار (مايو) الماضي، قالت منظمة العفو الدولية: إنّ قوات الأمن الإثيوبية أعدمت 39 شخصاً من أنصار المعارضة، واعتقلت آلافا آخرين؛ بتهمة الانتماء إلى مجموعة مسلحة في منطقة أوروميا. ودانت المنظمة التضييق على الحريات، وقمع السياسيين.

سيناريوهات التفكك

يقول الصحفي الإريتري، شفاء العفاري: "الحكومة لن تهاجم إقليم تيجراي، خوفاً من الاضطرابات في بقية الأقاليم، كما أنّ الإقليم مسلَّح بشكل جيّد".

وترى الباحثة فريدة بنداري؛ أنّ المعارضة السياسية تنظر إلى تأجيل الانتخابات على أنّه فقدان شرعيّة آبي أحمد، مما يطرح سيناريوهات عدّة للفوضى، فلو توحّد الأورومو والتيجراي سيمثّل ذلك ضربة قاصمة لمستقبل آبي السياسي.

إضافة إلى تنامي مشاعر العداء لآبي أحمد داخل عرقية الأورومو، التي وضعت المطالبة برحيله، فوق مطلب الحكم الذاتي.

الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل في إثيوبيا

ويواجه آبي أحمد مشكلات خارجية كبيرة؛ منها أزمة سدّ النهضة، والمشكلات الحدودية مع السودان.

ويزيد من مخاطر الفوضى؛ ارتماء آبي أحمد في أحضان الأمهرا، لتعويض نقص الدعم داخل حاضنته الأورومو، مما يجعله محسوباً على عرقية واحدة، ويزيد من التشاحن الإثني في البلاد، على خلفية العداء التاريخي بين الأمهرا وبقية المكونات العرقية.

اقرأ أيضاً: وزير الريّ المصري الأسبق لـ "حفريات": كارثة إذا أجبرتنا إثيوبيا على شراء المياه

ويعلّق المراقبون آمالاً على الوساطات الدولية لحلّ الخلاف بين الإقليم والحكومة الاتحادية، وفي إطار ذلك؛ زار الممثّل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، البلاد، في الثامن من الشهر الجاري، وقال في تصريحات صحفية حول الأزمة: إنّ "أمن إثيوبيا وازدهارها أمر مهمّ بالنسبة إلى الاتّحاد الأوروبي"، وأكّد أنّ الأزمة الحالية لن تؤدي إلى تفكّك البلاد، مؤكداً على حرص الاتحاد الأوروبي على تقوية علاقاته مع إثيوبيا.

وتعتمد إثيوبيا نظام الحكم الفيدرالي منذ عام 1995، الذي يقوم على تقسيم البلاد بحسب الأعراق، وتتشكّل من 10 أقاليم، بعد إقرار إقليم قومية السيداما، جنوب - غرب البلاد، وتوجد مدينتان لهما طابع خاص، هما العاصمة، أديس أبابا، ومدينة ديره داوا، أكبر مدن البلاد، ويطالب شعب الـ "ولايتا"، جنوب غرب البلاد، بالحكم الذاتي، وتكوين إقليم خاص، يكون الحادي عشر.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية