هل تستطيع نيجيريا كبح جماح بوكو حرام؟

هل تستطيع نيجيريا كبح جماح بوكو حرام؟

هل تستطيع نيجيريا كبح جماح بوكو حرام؟


27/02/2023

جاكوب زين

في عام 2023، أصبح من النادر تصدّر تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا عناوين الصحف الدولية مثلما حدث لفروع الجماعة وأسلافها في السنوات السابقة. كانت الجماعة، التي نشأت في الفترة من 1994 إلى 1995 لكنها شنَّت تمردًا في عام 2009 وتُعرف باسم “بوكو حرام”، من بين أهم القصص الإخبارية في العالم عندما نفّذت في عام 2011 أول تفجير انتحاري في تاريخ نيجيريا في مقر الأمم المتحدة.

في عامي 2013 و2014، استولى التنظيم على أراضٍ كبيرة في شمال شرق البلاد، واختطف حوالي 250 تلميذة، و”استعبدهن” وفقًا لزعيم الجماعة آنذاك أبو بكر شيكاو. والآن بعد قرابة 10 سنوات، عزّز التنظيم سيطرته على الأراضي التي استولى عليها أسلافه في عام 2013 في شمال شرق نيجيريا، وفي بيانات إعلامية، يشارك صورًا عالية الجودة لإنفاذ الشريعة الإسلامية، وفرض الضرائب على المدنيين، والتدريب العسكري، بما في ذلك الأطفال، والاحتفال بالأعياد الإسلامية في تلك المناطق.

خلال عمله لمصلحة التنظيم ضد الجيش النيجيري، انفصل مقاتلون في عام 2016 عن شيكاو، الذي كان يُنظر إليه على نطاقٍ واسع بين الجهاديين، وبالتأكيد بين المدنيين في نيجيريا وخارجها، على أنه وحشي وسريع التقلّب على نحوٍ مفرط لدرجة أن أمير تنظيم داعش أمر بقتل شيكاو في عام 2021.

عندما وصل مقاتلو تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا إلى مخبأ شيكاو، فجّر شيكاو قنبلة انتحارية لإنهاء حياته. بعد أن تم تخلصهم من مواجهة خطر غضب شيكاو، ومع عدم إيذاء تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا للمدنيين بشكلٍ عام ما لم يعارضوا المجموعة بنشاط، انضم العديد من مقاتلي شيكاو بعد ذلك إلى تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا، وتسامح المدنيون مع حكم تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا الأكثر اعتدالًا. وقد أدّى ذلك إلى تقوية شوكة التنظيم في شمال شرق نيجيريا.

نقطة تحوّل

تمر نيجيريا حاليا بنقطة تحوّل. من المقرر أن يترك رئيس الدولة، محمد بخاري، منصبه بعد عقد الانتخابات المقبلة في 25 فبراير 2023، وذلك بعد أن أمضى ثماني سنواتٍ في الرئاسة. وعلى الرغم من خبرة بخاري العسكرية التي امتدت لعقود قبل توليه منصبه هذا، ومثل سلفه جودلاك جوناثان، بعد أن ادّعى أن “بوكو حرام هُزمت فنيًا” في وقتٍ مبكر من رئاسته، فإن نيجيريا لا تستطيع أن تدّعي إحراز تقدم يُذكر ضد “بوكو حرام” خلال فترة ولاية بخاري.

من المؤكد أن الجيش النيجيري استطاع قتل العديد من قادة التنظيم، ونجح برنامج مكافحة التطرف في الدولة في إرغام عددٍ من المقاتلين على الاستسلام، وإقناع البعض بالتخلي عن التمرد. ومع ذلك، فلا يزال التنظيم في غرب الدولة يحرم نيجيريا السيادةَ على مساحاتٍ شاسعة من شمال شرق البلاد، خاصة ولاية بورنو، بينما يشن أحيانًا هجماتٍ عبر الحدود إلى النيجر وتشاد والكاميرون، ومؤخرًا إلى وسط وجنوب نيجيريا.

يبدو أن لدى نيجيريا ثلاثة خياراتٍ للمضي قدمًا: أولًا: السعي إلى “الانتصار” من خلال دحر تنظيم داعش عسكريًا، وإجباره على الخروج من الأراضي التي يسيطر عليها. ثانيًا: قبول “الجمود” الحالي باعتباره نتيجة “أقل سوءًا”. ثالثًا: ترك الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم الآن بشكلٍ دائم. تؤكد هذه المقالة أن الخيار الثاني هو الأكثر احتمالًا -والأكثر عملية- وتناقش ما سيؤول إليه التمرد، إذا كان هذا هو الحال.

أسباب استمرار حالة الجمود

في حين أن لدى الجيش النيجيري ما يقارب 225,000 جندي، ومن غير الواضح بالضبط عدد الجنود المتمركزين في مركز الصراع في ولاية بورنو، فإن الأمر المؤكد هو أن عدد القوات في مركز الصراع يكفي فقط للدفاع عن المراكز السكانية الرئيسة. وصرّح حاكم ولاية بورنو، باباجانا زولوم، العام الماضي أن هناك حاجة إلى 100 ألف جندي إضافي على الأقل “لسحق بوكو حرام”.

ونظرًا للعجز في القوات، تمحورت استراتيجية مكافحة التمرد النيجيرية حول الجيش منذ عام 2019 لإنشاء مدن محصّنة، تُعرف باسم “المعسكرات الفائقة“.

في هذه “المعسكرات الفائقة”، بنى الجيش خنادق حول جميع البلدات الرئيسة تقريبًا في ولاية بورنو، التي أصبحت موطنًا للقواعد العسكرية وكذلك النازحين داخليًا، والمنظمات الإنسانية الدولية والنيجيرية، وسكان البلدات الأصليين، الذين غالبًا ما يكونون محرومين ولم يتمكنوا أو يرغبوا في الفرار من العنف للذهاب إلى أجزاء أخرى من البلاد أو إلى الخارج.

وفي حين أن تنظيم داعش في غرب إفريقيا، وبدرجةٍ أقل، فصيل شيكاو الراحل، قد اجتاح باستمرار الثكنات والقواعد ونقاط التفتيش العسكرية بعد عام 2013، فإن هذا أصبح نادرًا منذ عام 2019.

بعبارةٍ أخرى، نجحت “المعسكرات الفائقة” في تحقيق هدفها الرئيس، المتمثل في منع التنظيم من دخول المراكز السكانيةالبلدات الرئيسة.

ضعف استراتيجية المعسكرات الفائقة

ومع ذلك، أدّت “استراتيجية المعسكرات الفائقة” إلى ترك الجيش مساحاتٍ شاسعة من ولاية بورنو وأراضيها الحدودية دون دفاع. نتيجة لذلك، يتمتع تنظيم داعش في غرب إفريقيا بمستوى عالٍ من القدرة على المناورة في المناطق الريفية، بما في ذلك إقامة نقاط تفتيش لجمع الضرائب، والإشراف على المحاكم الشرعية، ودوريات الحِسْبَة، وتدريب المقاتلين، وإنشاء مجتمعات يحكمها التنظيم بحكم الأمر الواقع.

في السنوات الأخيرة، حاول الجيش نشر قوافل من “المعسكرات الفائقة” في المناطق الريفية، حيث يسيطر التنظيم، لكن شبكة تجسس التنظيم، ومعرفته العميقة بالتضاريس المحلية، وامتلاكها للأسلحة الثقيلة أتاحت له نصب كمائن فتاكة. وقد منع هذا الجيش إلى حدٍّ كبير من مواصلة إرسال هذه القوافل إلى الأدغال. في أحد الكمائن، في جونيري، ولاية بورنو في مايو 2020، قتل أكثر من 70 جنديًا.

وبالتالي، ما لم تكن نيجيريا على استعدادٍ لنشر المزيد من الجنود لمحاربة التنظيم في شمال شرق نيجيريا، وهو أمر ليس صعبًا من الناحية اللوجستية فحسب، بل يمثل تحديًا أيضًا بسبب انخفاض معنويات الجنود وخطر الانشقاقات، فسوف تبقى المناطق النائية في شمال شرق نيجيريا إلى حدٍّ كبير تحت سيطرة التنظيم.

هذا الوضع يشبه حركة الشباب في الصومال، التي عزّزت سيطرتها لسنواتٍ على مساحاتٍ شاسعة من جنوب ووسط الصومال، بينما لا تزال تواصل شنَّ هجماتٍ إرهابية غير متماثلة في مقديشو.

الجدير بالذكر أن القوات الإقليمية فقط، تحت رعاية بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) -المعروفة الآن باسم البعثة الانتقالية الإفريقية في الصومال (ATMIS)- ومؤخرًا، القوات الخاصة الصومالية التي درّبتها تركيا، ودربتها الولايات المتحدة مع الجيش الوطني، هي التي أجبرت حركة الشباب على التراجع.

ومع ذلك، فإن الوضع الأمني المتدهور في غرب إفريقيا، بالإضافة إلى تركيز الغرب على الحرب الروسية في أوكرانيا، إن لم يكن أيضًا الحكم الذاتي التاريخي لنيجيريا في الشؤون الدولية، يجعل من غير المرجح أن يتلقى الجيش النيجيري دعمًا دوليًا أو إقليميًا كافيًا، إن وجد، لتحويل المد ضد “بوكو حرام”.

من ناحيةٍ أخرى، يستحيل أن تتنازل الحكومة النيجيرية رسميًا أو بشكلٍ غير رسمي عن تلك المناطق النائية للتنظيم، لأنه يرفض التفاوض مع الحكومة النيجيرية باعتبارها “كافرة”. بعبارةٍ أخرى، تفتقر نيجيريا إلى القدرة على استعادة المناطق النائية الشمالية الشرقية من تنظيم داعش و”الانتصار” عليه، ولكنها أيضًا غير مستعدة “لخسارة” تلك الأراضي والتخلي عنها.

وهذا يؤدي إلى استمرار حالة “الجمود”، حيث تسيطر الحكومة والجيش على المناطق الحضرية على شمال شرق نيجيريا، ويسيطر التنظيم على شمال شرق نيجيريا -بحكم الأمر الواقع- على جزءٍ كبير من الريف.

لماذا يصب الجمود في مصلحة تنظيم داعش؟

تكمن مشكلة الحفاظ على الوضع الراهن مع داعش في أن التنظيم سيواصل، على المدى الطويل، العمل على تجنيد المزيد من السكان في المناطق الريفية في ولاية بورنو، ومن ثم زيادة أعداد مقاتليه، بما في ذلك من أطفال المقاتلين وغيرهم من الشباب المولودين في تلك الأراضي.

وهذا يعني أنه بمرور الوقت، سيتحول ميزان القوى لمصلحة تنظيم داعش -على افتراض أن نيجيريا لا تزيد من أعداد مجندي الجيش- حتى لو كان الجيش النيجيري سيظل لديه أكثر بكثير من المقاتلين من داعش في المجموع. بالإضافة إلى أنه كلما طالت فترة سيطرة داعش على الأراضي، زادت صعوبة إعادة دمج الشباب الأكثر تلقينًا وغيرهم من المدنيين في المجتمع النيجيري، هذا إن استعيدت تلك الأراضي من الأساس.

علاوة على ذلك، عندما بدأ أسلاف تنظيم داعش القتال في عام 2009، لم يتمكنوا من صنع قنابل متطورة، ناهيك عن السترات الانتحارية، أو نصب كمائن معقدة أو شن غارات على الثكنات، أو استخدام أسلحة متطورة، من تلك التي سُرقت في ذلك الوقت من مستودعات الجيش النيجيري، أو التي حصلوا عليها من تنظيم داعش المركزي.

ومن المهم ملاحظة أن مستوى التعلُّم القتالي لدى داعش أسرع من الجيش النيجيري. ومع قضاء مزيدٍ من الوقت في “الملاذات الآمنة” في شمال شرق نيجيريا، من المتوقع أن يواصل التنظيم تحسين تكتيكاته وتدريبه، ما سيجعل أي مواجهاتٍ مستقبلية معه أكثر صعوبة بمرور الوقت. علاوة على ذلك، يمكن للتنظيم الاستفادة من “الملاذات الآمنة” للتخطيط لعمليات التوسّع، بما في ذلك وسط وجنوب نيجيريا، التي هاجمها التنظيم هذا العام لأول مرة منذ عام 2015.

حتى لو كان “الجمود” الحالي هو الخيار “الأقل سوءًا” بالنسبة لنيجيريا، فلا تزال هناك بعض الخطوات الاستباقية التي يمكن للجيش اتخاذها لتحويل المدّ لمصلحته. على سبيل المثال، أدّت الاشتباكات بين التنظيم، وفصيل شيكاو الراحل، إلى إضعاف معنويات المقاتلين من كلا الفصيلين، وقادت إلى انشقاق المقاتلين عن كلتا المجموعتين واستسلامهم للجيش وانضمامهم إلى برنامج مكافحة التطرف في الدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظروف الصعبة عمومًا -للعيش والقتال في الأدغال- دفعت المقاتلين لتسليم أنفسهم للجيش. لذلك، يتعيّن على الجيش الاستمرار في دعم برنامج “الممر الآمن“، حيث يوجد برنامج مكافحة التطرف.

إضافة إلى ذلك، بإمكان الجيش أيضًا أن يستغل فترة الجمود هذه لإعادة النظر في استراتيجية مكافحة التمرد، الأوسع والأطول أمدًا، ضد داعش. ذلك أن الجيش النيجيري قد شُكِّل بالأساس للمواجهات بين الدول، وهي التي عفا عليها الزمن إلى حدٍّ ما في سياق غرب إفريقيا الحالي، أو عمليات حفظ السلام مثل تلك التي قادتها نيجيريا في سيراليون وليبيريا، في فترة التسعينيات.

لذا، فإن الجيش ليس مصممًا بالضرورة لمواجهة المتمردين المتنقلين في الصحراء، ومناطق الغابات في ولاية بورنو، والمستنقعات حول بحيرة تشاد. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن الجيش التشادي مصممٌ لمحاربة المتمردين المتنقلين المتمركزين في الصحراء.

وبالتالي، ربما ينبغي لنيجيريا التفكير في تصميم جيشها -على غرار تشاد- لمحاربة مجموعة مثل داعش، التي كانت التهديد الرئيس للدولة منذ قرابة 15 عامًا حتى الآن.

الخلاصة

ختامًا، قد يتصوّر المتفائلون أن بمقدور الجيش النيجيري تحقيق النصر على داعش بطريقةٍ ما خلال فترة ولاية خليفة الرئيس بخاري. ومع ذلك، فلا تشير الأدلة والاتجاهات الحالية إلى أن هذا سيحدث في أي وقتٍ قريب، وإذا كان هناك أي شيء سيحدث، فإن الوضع الأمني المتدهور في أماكن أخرى في غرب إفريقيا، مثل مالي وبوركينا فاسو، لن يزيد التنظيم إلا جرأةً ويجعل من الصعب على الدول الأخرى في المنطقة دعم نيجيريا.

يبدو أن “الجمود” يوفر مزايا لتنظيم داعش، ولكن، كما أشار هذا المقال، هناك خطوات يمكن لنيجيريا اتخاذها للحد من توسُّع التنظيم، وإعطاء نيجيريا فرصة أفضل لتحقيق بعض النجاح ضد التنظيم.

عن "عين على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية