هل تصادق الحكومة الإسرائيلية على شنّ عدوان آخر على غزة؟

هل تصادق الحكومة الإسرائيلية على شنّ عدوان آخر على غزة؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
29/06/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

بعد حملة "حارس الأسوار" على غزة، حدّدت إسرائيل مستوى أعلى كشرط للتسوية مما كان في حملات سابقة؛ إذ وضِع حلّ مسألة الأسرى والمفقودين شرطاً لإعمار غزة، حيث تعمل المعابر مع القطاع بشكل ضيق، وتمّ تغيير آلية نقل أموال المساعدة إلى القطاع من قطر، ومع توسيع استئناف إرهاب البالونات والنار من قبل حماس، تشير تقديرات استخباراتية إلى أنّ الحكومة الجديدة قد تصادق على تفعيل الاغتيالات ضدّ مطلقي البالونات في غزة، وفي ضوء ما يراه الجيش الإسرائيلي انتصاراً واضحاً في الحملة الأخيرة، ووضع إسرائيل مستوى مرتفعاً من الشروط أمام حماس، يصف المصريون، في المقابل، واقعاً آخر تماماً.

يواصل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، التجول بغرور، وكأنّه انتصر على إسرائيل، بسبب قوة صموده، والربط الذي نشأ بين حماس والقدس، والشعبية العالية التي حظي بها في أعقاب الحملة، في شوارع غزة مثلما في الضفة أيضاً. إنّ اختراقاً بقيادة مصرية يبدو بعيداً عن الواقع الآن، إلا إذا تخلّت إسرائيل عن الخطوط والشروط التي وضعتها في نهاية الحملة؛ بدء إعمار غزة بعد حلّ مسألة الأسرى والمفقودين، وتغيير آلية إدخال أموال المساعدة من قطر ودول أخرى عبر دفعات من خلال السلطة الفلسطينية، والرقابة على إدخال البضائع وغيرها من الشروط، لكنّ كلّ طرف لديه فجوة في المفاهيم، بحسب الطريقة التي يرى فيها كلّ طرف نتائج الحملة الأخيرة، وهناك أيضاً عقدة لدى إسرائيل وحماس، على حدّ سواء، فكلّ تنازل أو مرونة في الشروط قد يعدّ هزيمة ويؤدي إلى انتقاد جماهيري، وهدوء الأيام الأخيرة مضلل، وكلّما مرّ الوقت دون توافقات، تزداد الاحتمالات لمواجهة أخرى شرسة في القطاع.

الهدوء مقابل الهدوء

إنّ المشكلة الأكثر إلحاحاً، والتي على جدول أعمال الحكومة الجديدة، بزعامة نفتالي بينيت، هي قطاع غزة، فوقف إطلاق النار الذي توصل إليه الوسطاء المصريون، نصّ فقط على أن يكون الهدوء مقابل الهدوء، وفي هذه الأثناء لم تتم إضافة أيّ مضمون للتفاهمات، قررت الحكومة السابقة أن تبقي جزءاً من القيود على معابر الحدود على حالها، بهدف الدفع قدماً بمعالجة قضية الأسرى والمفقودين الإسرائيليين؛ لذلك ستشعل غزة قريباً إذا لم يتم التوصل إلى تسوية أوسع، من ناحية الجيش الإسرائيلي كانت حماس خلال المعركة الأخيرة هي الهدف المركزي، ووجهت إليها معظم الضربات واستهدفت الحملة المسّ بقدرات منظمة الإرهاب، ومواقع الإنتاج والمعامل والمنشآت العسكرية المهمة، وبالتوازي نزع قدراتها الهجومية في البحر والجو والبر وفي الأنفاق، لكن عدد القتلى المتدني نسبياً في صفوف حماس خلال حملة حارس الأسوار، يعني أنّ الفتك الذي وضعه الجيش الإسرائيلي كشرط للإنجاز في مواجهة عسكرية مع حماس لم يجد تعبيره في الحملة الأخيرة، ويشرح صعوبة الوصول إلى تسوية في المحادثات الجارية مع حماس بوساطة مصرية، في المقابل كان المسّ بنشطاء حماس وكبار مسؤوليها هدفاً مركزياً آخر، لقد حقق الجيش الإسرائيلي في الحملة الأخيرة إنجازات مهمة لا ينبغي الاستخفاف بها، وتعبّر الإنجازات عن تقدم عملياتي تكنولوجي واستخباري جيد، كما أنّ المسّ بشبكة الأنفاق له تأثير في المستقبل على الميدان القتالي مع حماس، لكن إلى جانب ذلك، الجيش الإسرائيلي هو الذي وضع بند الفتك كشرط لانتصار واضح، حتى في معارك محدودة ليست ضمن مهمة هزيمة العدو، والآن، بعد مرور شهر ونصف الشهر على انتهاء الحملة، من الأهمية أن نتوقف عند الوثيقة التي وضعها ونشرها مركز معلومات الاستخبارات والإرهاب، التي تفحص، وبعمق، معطيات القتلى في قطاع غزة أثناء الحملة، هذه وثيقة معلوماتية وأساسية وإن كانت تمتنع عن استخلاص الاستنتاجات والنقد، لكنّ الصورة التي تنشأ عنها واضحة، القتلى الذين يمكن الإشارة إليهم بشكل مؤكد لحماس ومنظمات الإرهاب الأخرى في القطاع، أدنى بكثير مما قدّر الجيش الإسرائيلي في نهاية الحملة.

نتنياهو كشف أسرار إسرائيل

إنّ السلوك الذي انتهجه رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بكشف أحد أكثر أسرارنا حساسية وهي الاغتيالات كان خاطئاً، فسياسة الاغتيالات هي واحدة من أسلحة الحرب في الترسانة الإسرائيلية، ومن الأدوات والقدرات في هذه المنطقة ونستخدمها في الحرب ضدّ أكبر تهديدَين ضدّنا؛ الأسلحة غير التقليدية، والقوى المسلحة الجهادية؛ لذلك فإنّ أسلوب الاغتيالات والتصفيات الجسدية بقي في طور السرّية، واستخدامه نادر، ولا يتم تطبيقه إلا ضدّ الأهداف عالية الجودة، في حين أنّ المنطق الذي يحرك الموساد في سياسة الاغتيالات ينطلق من رغبة إسرائيل بتطوير قدراتها العملياتية؛ حيث لجأت إلى مبدأ الإحباط المستهدف الذي أحاطت به محظورات وقيود كثيرة، في مداولات الكابينت الأخيرة قال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي، إنّ هناك أزمة حقيقية في العلاقات بين السنوار وقائد الذراع العسكري لحماس، محمد الضيف، الذي يسعى إلى اتخاذ خطّ أكثر اعتدالاً يؤدي إلى تسوية، وليس إلى تصعيد آخر، خطّ السنوار في هذه المرحلة هو الخط السائد، وخلال الأيام القادمة سيقرر بشكل أوضح ما إذا كان الاتجاه نحو تصعيد آخر، وليس إلى تسوية، حتى الآن فشلت مساعي الوساطة المصرية؛ لأنّ الطرفين يتمسكان في أعماق مواقفهما، وكلّ طرف واثق بانتصاره ويرغب في أن يجد، هذا تعبيره في إنجاز سياسي واضح، التعمّق في بحث المعطيات التي يمتلكها الجيش تظهر صورة مذهلة، فهناك أكثر من 37 من نشطاء حماس، من أصل 63 قتلوا في الأيام الأولى من القتال، حتى قبل تفعيل خطة الخداع ومهاجمة شبكة الأنفاق، عملياً بعد الهجوم على مترو الأنفاق؛ فإنّ عدد قتلى حماس بالمتوسط اليومي انخفض، وحتى نهاية الحملة، على الأقل بحسب المعطيات، فقد قتل 26 آخرون، أي أقل مما قتل لحماس في يومين ونصف من بداية المعركة.

حماس ستسمح بتهدئة مؤقتة كي تعيد بناء قوة فتاكة تستخدمها وقت الحرب في الجبهة الشمالية، وربما في الضفة، وينبغي أن نفرض عليها تغييراً جذرياً لقواعد اللعب

 وبحسب المعطيات الأخيرة للجيش؛ فإنّ هذا المفهوم لن يجد تعبيره في النتائج على الأرض، والمسألة التي تطرح السؤال إذا كان ممكناً تحقيق هدف كهذا دون تفعيل قوات برية مهما يكن من أمر، فإنّ مقابل الأهداف التي قررها الجيش الإسرائيلي بنفسه، لا يمكن الإمساك بالحبل من طرفيه والتعاطي مع حارس الأسوار كحملة ناجحة، بشكل استثنائي عندما يكون واضحاً أنّ فجوة كبيرة كانت في هذه المعطيات.

فرصة لتغيير قواعد اللعب

لقد خلقت حملة "حارس الأسوار" فرصة لتغيير قواعد اللعب في قطاع غزة، فبعد سنوات اتبعت فيها إسرائيل سياسة فاشلة أتاحت تعزيز حماس والجهاد الإسلامي، باسم الحاجة إلى التركيز على إبعاد التهديد الإيراني. لقد واجهنا إيران في غزة بصواريخها لدى التنظيمات الفلسطينية، فخطأ محمد الضيف ويحيى السنوار إذ قررا إطلاق الصواريخ في يوم القدس، مثله مثل الصدمة التي تجعل الضفدع يموت حين يقفز إلى خارج الماء الساخن، لقد عمل الجيش الإسرائيلي على نحو ممتاز في الحملة، ووجه لحماس ضربة قاسية، وحتى إن كان زعماء حماس يروون لأنفسهم قصة أخرى؛ هم يعرفون الحقيقة، إنّ ردود الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، وقرار ضرب حماس على خروقات لم تكن من قبل تنال ردّاً مناسباً هي ردود صحيحة أيضاً، ومن المهم مواصلة هذا الخط، بل وتصعيده إلى إحباطات مركزة لخلايا إطلاق البالونات، حتى بثمن جولات قتالية أخرى إلى أن تثبت الرسالة بأنّ سكان الجنوب ليسوا رهائن في أيدي منظمات الإرهاب في القطاع، أما الدرجة التالية فإنّ احتلال غزة والسيطرة عليها لتدمير البنى التحتية في القطاع ستكون نواقصه أكبر.

 يقدر سياسيون بأنّ استخدام قوة عسكرية ناجعة وذكية لن يحقق هدوءاً واستقراراً على مدى الزمن، إلا إذا ترافق مع عمل سياسي صحيح، أما إنجاز قليل في تثبيت الهدوء في الجنوب وعدم إعادة جثماني الجنديين لعائلاتهما، حتى لو كان ممن متطلبات ذلك زمن وانفجارات لجولات قتالية أخرى، فسيعدّ ضعفاً إسرائيلياً ويدعو إلى المشكلات على جبهات أخرى، لم يعد يمكن أن تسلم إسرائيل بتعاظم قوة حماس في غزة، فحماس ستسمح بتهدئة مؤقتة كي تعيد بناء قوة فتاكة تستخدمها وقت الحرب في الجبهة الشمالية، وربما في الضفة، وينبغي أن نفرض عليها تغييراً جذرياً لقواعد اللعب التي تمسّ إسرائيل بالتوقيت الذي تختاره باستعداداتها العسكرية وبزعمائها، دون انتظار الاستفزاز، وفي الأثناء ستكون الكلفة عالية، سيصرخ الاتحاد الأوروبي، وستعرب إدارة بايدن عن الاستياء، وربما تسمح بخطوات ضارة في الأمم المتحدة ضدّ إسرائيل.

اقرأ أيضاً: بماذا يشعر فلسطينيو غزة بعد كلّ حرب؟

إسرائيل وحماس، على حدّ سواء، في مأزق؛ ففي اليوم التالي للعملية أدركتا أنّ ليس هناك أيّ تغيير للواقع، كما توقعتا، إسرائيل لم تنجح في ترسيخ هدوء مطلق وردع عميق في مواجهة حماس، التي تواصل تحديها بواسطة البالونات المشتعلة، صحيح أنّ هذه الوسيلة توقفت في الأيام الأخيرة، لكن من الواضح أنّ استخدامها يمكن أن يتجدّد في ضوء التطورات في ساحة القطاع.

يقدر سياسيون إسرائيليون بأنّ استخدام قوة عسكرية ناجعة وذكية لن يحقق هدوءاً واستقراراً على مدى الزمن، إلا إذا ترافق مع عمل سياسي صحيح

 إنّ الإحباط مفهوم، ومن سلّم بأنّ لغزة حلّاً عسكريّاً، هو واهم الآن؛ لأنّ التسوية بعيدة المدى، ومن دونها نحتاج إلى أن نقاتل مراراً من أجل الأمور ذاتها، وظاهراً لم نحقق شيئاً في الجولات السابقة، لكنّ الاستنتاج أننا لم نحقق شيئاً مغلوطاً من أساسه.

يجب أن نعتاد على الإحباط في غزة، ومن الصعب أن نرى في هذه المرحلة توافقات بين منظمة الإرهاب وحكومة إسرائيل الجديدة، وعليه فإذا ما قررت إسرائيل هذه المرة الوقوف عند المبادئ التي قررت أن تبقى المعابر مفتوحة بشكل ضيق، ومجال الصيد لا يتسع، والمال القطري لا ينقل، ولا ينجح المصريون في محاولات الوساطة، وأن يواصل سلاح الجوّ الهجوم على القطاع، فإنّ التصعيد التالي سيكون مسألة وقت فقط.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-847262



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية