هل تنقذ الدبلوماسية أوكرانيا من غزو روسي محتمل؟

هل تنقذ الدبلوماسية أوكرانيا من غزو روسي محتمل؟


21/02/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على الرّغم من عدم وجود ضمانات بأنّ الموجة الحالية من النّشاط الدبلوماسيّ المكثّف حول أوكرانيا ستجنّبنا الصّراع العسكريّ، فإنّه ثمّة مؤشّرات مشجّعة على أنّها قد تنجح في نزع فتيل التّوترات.

مع اقتراب روسيا من الشّروع في أكبر تدريب عسكريّ يُجرى في دولة بيلاروسيا المجاورة منذ نهاية الحرب الباردة، لا يمكن استبعاد احتمال اندلاع صراع واسع النّطاق حول أوكرانيا.

تستمرّ موسكو في إنكار وجود أيّة نيّة لديها لشنّ غزوٍ ضدّ أوكرانيا، لكنّ التدريبات العسكريّة الروسيّة، التي من المقرّر أن تستمرّ لعشرة أيّام والموشِكة على الدّخول حيّز التّنفيذ في بيلاروسيا، والتي ستُجرى على خلفيّة مجموعة قتالية قوامها 100 ألف فرد منتشرة على الحدود الجنوبيّة لروسيا مع أوكرانيا، تعني عدم تواني موسكو في الضّغط على كييف.

تستمرّ موسكو في إنكار وجود أيّة نيّة لديها لشنّ غزوٍ ضدّ أوكرانيا

تنعكس أهميّة التّدريبات البيلاروسيّة في حقيقة أنّ موسكو أرسلت العديد من كبار قادتها العسكريّين للإشراف على 30 ألف جنديّ روسيّ يشاركون في هذه التّدريبات. بالإضافة إلى ذلك، نقلت روسيا كتيبتين من أنظمة الصّواريخ المتطوّرة المضادّة للطائرات من طراز "إس-400"، إضافة إلى العديد من الطّائرات المقاتلة، إلى داخل البلاد.

اقرأ أيضاً: هل سيسمح بوتين لأردوغان بالعبث في أوكرانيا؟

 وسيشرف على المناورات الجنرال فاليري جيراسيموف، قائد الأركان العامّة للقوات المسّلحة الرّوسيّة، ومن ناحية أخرى؛ تمّ نشر ستّ سفن حربيّة روسيّة في البحر الأسود لإجراء مناورات متزامنة.

هل غزو أوكرانيا "وشيك"؟

لقد أدّى الوجود المشترك للعديد من القوّات القتاليّة القريبة جدّاً من الحدود الأوكرانيّة إلى استمرار قادة "النّاتو" في التّعبير عن قلقهم بشأن طموحات موسكو القصوى، مع ادّعاء المسؤولين في واشنطن أنّ غزو أوكرانيا "وشيك".

وحذّر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، في مقابلةٍ خلال العطلة الأسبوعيّة، من أنّ روسيا قد تقوم بعمل عسكريّ ضدّ أوكرانيا "في أيّ يوم الآن"، بينما يتوقّع مسؤولو المخابرات الأمريكيّة أن تتمكّن روسيا من الاستيلاء على كييف في غضون يومين، ويقولون إنّ مثل هذه الخطوة قد تؤدّي إلى مقتل ما يصل إلى 50 ألف مدنيّ.

تنخرط الحكومة الأوكرانيّة المنتخبة ديمقراطيّاً في صراع طويل الأمد مع الانفصاليّين المدعومين من روسيا، الذين يعارضون محاولات كييف لإقامة علاقات أوثق مع الغرب

أدّى حجم التّهديد الذي قد تشكّله روسيا على أوكرانيا إلى استجابة قويّة مماثلة من "النّاتو"، ممّا زاد من تأجيج نيران الصّراع المحتمل. وهكذا، نشرت واشنطن قوّات إضافيّة في وسط أوروبا ودول البلطيق لردع أيّ أعمال روسيّة محتملة، بينما نشر حلفاء آخرون في "النّاتو"، مثل بريطانيا، قوّاتهم أيضاً.

في ظلّ هذه الخلفيّة من النّشاط العسكريّ المحموم، هناك، على الرّغم من ذلك، إدراك متزايد من كلا الجانبين بأنّ الدّبلوماسيّة ما تزال تقدّم أفضل أمل لحلّ الأزمة، ومن أجل هذا، ينخرط قادة "النّاتو" في جهود دبلوماسيّة عالية المخاطر للتّوصّل إلى حلّ سلميّ.

مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان: روسيا قد تقوم بعمل عسكريّ ضدّ أوكرانيا في أيّ يوم الآن

عندما سافر رئيس الوزراء البريطانيّ، بوريس جونسون، إلى بروكسل للقاء رئيس "النّاتو"، ينس ستولتنبرغ، دعا الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين، لإظهار "دبلوماسيّة حقيقيّة" بشأن الأزمة الأوكرانيّة. في الوقت نفسه، سافرت وزيرة الخارجيّة البريطانيّة، ليز تروس، إلى موسكو لإجراء محادثات مع نظيرها الرّوسيّ، سيرغي لافروف.

المستشار الألمانيّ ينخرط في إيجاد حل

كما انخرط المستشار الألمانيّ المُعيّن حديثاً، أولاف شولتز، بشكل مكثّف في الجهود الّدبلوماسيّة لحلّ الأزمة، وتوجّه إلى واشنطن لحضور أوّل لقاء له مع الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن، في وقت سابق من الأسبوع الماضي. كان الزّعيم الألمانيّ حريصاً على طمأنة البيت الأبيض بأنّ ألمانيا لا تتسامح مع قضيّة أوكرانيا بسبب اعتماد برلين على موسكو لاحتياجاتها من الطّاقة.

 

اقرأ أيضاً: محلل سياسي روسي لـ"حفريات": هذه خيارات موسكو إذا اندلعت الحرب

لكن ذروة محاولات الغرب لنزع فتيل التّوترات كانت بلا شكّ زيارة الرّئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، إلى موسكو في وقت سابق من هذا الأسبوع، حيث عقد اجتماعاً لخمس ساعات مع بوتين لمناقشة سبل حلّ الأزمة. من المؤكّد أنّ ماكرون قدّم تقييماً متفائلاً لاجتماعه، مدّعياً ​​أنّه حصل على تأكيد من بوتين بأنّه "لن يكون هناك تدهور أو تصعيد".

تنعكس أهميّة التّدريبات البيلاروسيّة في حقيقة أنّ موسكو أرسلت العديد من كبار قادتها العسكريّين للإشراف على 30 ألف جنديّ روسيّ يشاركون في هذه التّدريبات

على الرّغم من أنّ الكرملين عارض لاحقاً الشّروط المحدّدة للتّعهدات التي تلقاها ماكرون، فقد أكّد بوتين أنّ بعض مقترحات ماكرون "يمكن أن تُشكّل أساساً لمزيد من الخطوات المشتركة"، على الرّغم من أنّه "ربما ما يزال من السّابق لأوانه الحديث عنها".

كما عبّر المسؤولون الأوكرانيّون عن أصوات مشجّعة بشأن القمّة، حيث أشار وزير الخارجيّة، دميترو كوليبا، إلى أنّ "الدبلوماسيّة مستمرّة في خفض التّوترات".

ومع ذلك، من الواضح أنّ ماكرون، على أقلّ تقدير، قد وضع معايير الحلّ الدّبلوماسيّ المحتمل للأزمة، حلٌّ تخفّف فيه موسكو من موقفها العسكريّ العدوانيّ تجاه أوكرانيا مقابل موافقة كييف على تنفيذ بعض المقترحات المنصوص عليها في "اتّفاقيّة مينسك" التي تمّ التّفاوض عليها في عامي 2014 و2015 لإقرار وقف إطلاق النّار في الصّراع الأوكرانيّ.

انخرط المستشار الألمانيّ المُعيّن حديثاً، أولاف شولتز، بشكل مكثّف في الجهود الّدبلوماسيّة لحلّ الأزمة

 وتنخرط الحكومة الأوكرانيّة المنتخبة ديمقراطيّاً في صراع طويل الأمد مع الانفصاليّين المدعومين من روسيا، الذين يعارضون محاولات كييف لإقامة علاقات أوثق مع الغرب.

الاعتراف بالانفصاليّين الموالين لموسكو

يعتقد الكرملين أنّه بموجب شروط "اتّفاقيّة مينسك"، تحتاج كييف إلى الاعتراف بالانفصاليّين الموالين لموسكو في المناطق الشّرقية من دونيتسك ولوهانسك.

تصرّ كييف على أنّ الانفصاليين في حاجة إلى نزع سلاحهم قبل إيجاد أيّ حلّ سياسيّ، ويعتقد المسؤولون أنّ تنفيذ الاتّفاقيّة قد يؤدّي إلى انهيار الدّولة الأوكرانيّة؛ لأنّ السّماح للأراضي المدعومة من روسيا بدور في الدّستور سوف يمنح موسكو رأياً مباشراً في شؤون البلاد، ممّا سيقوّض سيادتها.

 

اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا: روسيا تراقب بقلق وأمريكا تتأهب.. ما أبرز التطورات؟

إنّ ما يسمّى بـ "إضفاء النموذج الفنلندي" على أوكرانيا، حيث يتمّ التّحكم في مصير البلاد من قِبل موسكو (كما كان الحال في فنلندا خلال الحرب الباردة) وليس الشّعب الأوكراني، ليس مفهوماً يجتذب الكثير من الدّعم في أوكرانيا نفسها. في الواقع، هذا هو السّبب في أنّ الرّئيس الأوكرانيّ، فولوديمير زيلينسكي، لم يقدّم سوى دعم فاتر لمبادرة ماكرون.

قال زيلينسكي: "إنّني لا أثق حقّاً في الكلمات، أعتقد أنّ كلّ سياسيّ يمكن أن يكون شفّافاً من خلال اتّخاذ خطوات ملموسة".

على الرّغم من تحفّظات كييف المفهومة تماماً بشأن السّماح لموسكو بالتّعبير عن رأيها في كيفيّة إدارتها لشؤونها، فمن الواضح أنّ ماكرون قد حدّد حلّاً دبلوماسيّاً محتملاً للأزمة، لا سيما إذا التزم الكرملين، كما يؤكّد، بسحب قوّاته من بيلاروسيا بمجرّد انتهاء الجولة الحالية من التّدريبات العسكرية. إنّ أيّة إشارة إلى تقليص موسكو لوجودها العسكريّ بالقرب من الحدود الأوكرانيّة ستشكّل، بلا شكّ، خطوة رئيسة نحو نزع فتيل التّوترات في المنطقة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كون كوغلين، "ذي ناشونال"، 10 شباط (فبراير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/02/10/despite-troops-on-the-russia-ukraine-border-a-shot-at-diplomacy/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية