هل ستكون الانتخابات المقبلة في تركيا زلزالاً لأردوغان؟

هل ستكون الانتخابات المقبلة في تركيا زلزالاً لأردوغان؟

هل ستكون الانتخابات المقبلة في تركيا زلزالاً لأردوغان؟


26/02/2023

تورغوت أوغلو

بعد مرور الأيام التي أعقبت كارثة الزلزال في تركيا تفاقمت الأزمة، وبدأت للتو تقييمات الآثار والعواقب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحتملة لها.

إنها لحقيقة أن هذا الألم سيزداد أضعافاً مضاعفة، وبخاصة لمواطنينا المتضررين بشكل مباشر من الزلزال. وعلى رغم صعوبة تقييم الآثار والأبعاد المتعددة للكارثة اليوم بضمير مرتاح، فإنها بالطبع مسؤولية تقع على عاتقنا نحن الصحافيين.

أما بالنسبة إلى التقييمات التي تم إجراؤها حول الآثار والعواقب السياسية المحتملة للزلزال، والتي تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي حتى الآن، فإنها تتركز في الغالب حول ما إذا كان هذا الزلزال سيؤثر في توجهات الناخبين في التصويت، وما إذا كانت الكتل المعارضة ستستقطب الأصوات على حساب الحزب الحاكم أم لا.

صحيح أن الجروح لا تزال ساخنة والمشاعر غير مستقرة، بالتالي فإنه من السابق لأوانه التكهن بمجريات الأحداث بشكل دقيق، لكنني سأتعامل مع الموضوع اعتماداً على بعض البيانات التي أتيحت لي حتى الآن.

في الواقع، يجب تقييم العواقب السياسية للكوارث الطبيعية من منظور واسع ومتعدد الأبعاد، وفي إطار دراسات العلوم السياسية مع الأخذ في الاعتبار الأمثلة النظرية والعالمية.

سأحاول أن أسهم بقدر ما أستطيع بتقييم الآثار والعواقب السياسية المحتملة لهذه الكارثة الطبيعية على الحكومة في هذا الإطار.

تؤكد الدراسات الأكاديمية حول الآثار والعواقب الاجتماعية والسياسية للكوارث الطبيعية أن الكوارث، مثل الزلازل والفيضانات والحرائق، وما إلى ذلك، لها تأثير في رأس المال الاجتماعي والثقة السياسية والرضا عن الحكومات، مما يؤثر بدوره في سلوك الناخبين بشكل أو بآخر في البعد السياسي.

في هذه الكارثة، أبدى المتضررون بالذات ردود فعلهم تجاه أداء الحكومة وتباطئها في التعامل مع الحادثة، كما تداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الاحتجاجات التي شارك فيها أيضاً السياسيون المعارضون، وبدورها قامت الحكومة، بسبب أولئك الذين شاركوا الكارثة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الثلاثة الأولى، بحملة اعتقالات من خلال وحدة خاصة تم تشكليها لهذا الغرض.

وإدراكاً منها أن هذا الزلزال قد تحول إلى مأساة تراجعت الحكومة خطوة إلى الوراء لتصف الزلزال المدمر بـ"كارثة القرن". وبالفعل لقي هذا الموقف المتناقض لحكومة حزب "العدالة والتنمية" رد فعل جاداً من المجتمع، لذلك فإن الأشخاص الذين أرادوا تقديم المساعدات لم يحولوها إلى المؤسسات الإغاثية التابعة للدولة، بل إلى منصات وحسابات أنشأها أشخاص عاديون واعتباريون، حتى إن النجمة الأميركية المشهورة عالمياً مادونا أعلنت عبر حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي أنها لن تساعد مؤسسة الدولة، ولكن جمعية "الأحباب" التي أسسها الفنان هالوك لفنت.

ويمكن اعتبار الأمر مؤشراً مهماً إلى أن المؤسسات التي يديرها حزب "العدالة والتنمية" فقدت صدقيتها، ليس في الداخل فحسب، ولكن أيضاً في الخارج، بالتالي فإن تصور المواطنين لقدرة الحكومة على التعامل مع الكارثة يؤثر حتماً في تقييمهم لها، لأن آثار الكوارث تعد جزءاً من المسؤولية السياسية للحكومة.

والآن، دعونا نُلقِ نظرة على كيفية تقييم المجتمع لهذه الكارثة في فترة أسبوعين. واسمحوا لي أيضاً أن أشير إلى أن المسوحات والأبحاث التي يتم إجراؤها في خضم الكوارث أو الأزمات لا ينبغي أن تؤخذ على أنها قياسات دقيقة، بل علينا أن ننتظر البيانات التي ستصدر بعد شهرين على الأقل لنحصل على معلومات أكثر دقة وموضوعية، لكن البيانات الحالية أيضاً مهمة لالتقاط صورة للوضع الراهن. ففي الاستطلاع الذي أجرته شركة أبحاث "أوراسيا" في 10 فبراير (شباط) وما بعده، ذكر أنه لأول مرة انخفض معدل التصويت لحزب "العدالة والتنمية" إلى أقل من 30 في المئة. وإضافة إلى ذلك، وفقاً للاستطلاع، فقد تقهقر الحزب الحاكم إلى موقع الحزب الثاني بعد حزب "الشعب الجمهوري" للمرة الأولى.

من ناحية أخرى، يختلف مدى تأثير منصات التواصل الاجتماعي سياسياً من دولة لأخرى. فعلى سبيل المثال، بينما كان "فيسبوك" المنصة الأكثر تأثيراً في مصر لفترة، كانت مشاركات "تيك توك" هي الأكثر تأثيراً في إنجلترا والصين. وبالنسبة إلى تركيا، فإن "تويتر" يحتل الصدارة كمنصة وسائط اجتماعية، بخاصة في مجال التغريدات السياسية.

لهذا السبب أمر أردوغان رئاسة المعلومات والتكنولوجيا في الأيام الأولى للزلزال بإبطاء موقع "تويتر"، لكنه في وقت لاحق تراجع عن ذلك بسبب ردات الفعل القاسية من الشارع التركي، حيث كان هناك كثير ممن هم تحت الأنقاض يستنجدون عن طريق "تويتر".

نعلم أن الرئيس أردوغان حاول قبل مدة طويلة إغلاق المنصة بالقول إن "تويتر يفسد مجتمعنا"، وذلك لأن حزب "العدالة والتنمية" يعرف جيداً أنه الأكثر تضرراً في الفترة الماضية من مستخدمي "تويتر"، وقد زاد هذا الوضع أضعافاً مضاعفة بشكل كبير بعد الزلزال الأخير.

من الأمثلة المثيرة للاهتمام حول انزعاج الحزب الحاكم من "تويتر" أن زعيم حزب "الشعب الجمهوري" كمال كليجدار أوغلو، الذي يتابعه نحو 10 ملايين شخص، نشر منشوراً في 22 فبراير شاهده 2.4 مليون شخص، بينما حصل الرئيس أردوغان، الذي لديه نحو 20 مليون متابع على 1.5 مليون مشاهدة.

وفي 14 فبراير أيضاً، حصل كليجدار أوغلو على 12.7 مليون مشاهدة، بينما تلقى أردوغان 5.8 مليون متابعة على بيانه خلال اليوم نفسه. وهذا يعنى أن تصريحات زعيم المعارضة كليجدار أوغلو تجذب اهتماماً أكبر من أردوغان. وهو مؤشر أيضاً على أن الجماهير سرعان ما تلقي باللائمة على السلطة الحاكمة أثناء فشلها في التعامل مع الأزمة في حالات الطوارئ.

بطبيعة الحال، لن نحصل على المعلومات النهائية إلا بعد أن نكون مطلعين على النتائج في صناديق الاقتراع. ولا أدري ما إذا كان المعدل المرتفع لجمهور كمال كليجدار أوغلو على وسائل التواصل الاجتماعي سينعكس على صناديق الاقتراع أيضاً، ولكن إذا لم يتمكن من تحويل هذا الغضب وردات الفعل إلى تصويت لصالح "تحالف الأمة" الذي يقوده، فلن يفوز بالأصوات من الآن فصاعداً.

ونعلم أيضاً أن حزب "العدالة والتنمية" لن يقف بدوره مكتوف الأيدي، بل سيضغط على كل زر لجعل الناس ينسون أخطاءه وتعبيراته الغاضبة والمغفلة. وقد سألت صديقاً لي مقرباً من حزب "العدالة والتنمية"، "ماذا ستكون الخطوة التالية للحزب؟" فأجاب، "سيعطي شقة لجميع ضحايا الزلزال من أجل الفوز في الانتخابات"، بمعنى آخر فإنه سيوزع سندات الملكية التي تكفلها الدولة حتى لو تأخر بناء المساكن.

بهذه الطريقة سيحاول أردوغان أن يجلب الأصوات من خلال تخفيف الألم قدر استطاعته، وأيضاً لإزالة هذا الاستياء والغضب المتفشي بين الناس تجاه حكومته. وأنصاره يعتقدون أنه سينجح في ذلك. ولهذا السبب طلب الرئيس رجب طيب أردوغان من الجمهور إمهاله مدة عام واحد، لأن القوة الوحيدة المصرح بها والفعالة التي ستدعم الناس الذين فقدوا كل شيء في منطقة الكارثة هي الدولة، لكن أردوغان يحاول الآن أن يجعل الأمر يبدو كما لو أن حزب "العدالة والتنمية" هو من يقوم بهذه الانتفاضة وليس الدولة. ومهما كان الأمر فإن المعارضة إذا استطاعت استغلال هذه الأوضاع المضطربة، واستفادت من رياحها فإن الزلزال الحقيقي سيكون بالنسبة إلى أردوغان هو الانتخابات التي ربما تجرى في 14 مايو (أيار).

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية