هل قادة طالبان "جواسيس" لأمريكا؟

هل قادة طالبان "جواسيس" لأمريكا؟


25/08/2021

لم تنقطع التحليلات التي ذكرت تصريحاً أو تلميحاً بأنّ ثمة علاقة ما بين سيطرة حركة طالبان على مقاليد السلطة في أفغانستان بدون قطرة دم، وبين الترتيبات الأمريكية التي سهلت الطريق أمام الحركة التي توصف بأنها ذات خطاب متشدّد ينتسب إلى العصور القديمة.

واشنطن مكنت طالبان من القصر الرئاسي في كابول، وأعادت الاعتبار للحركة المتشددة لكي تعلن الإمارة الإسلامية الجديدة، وتبدأ بتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل متطرف يبيح لها قطع الأيدي ورجم النساء وتدمير التماثيل ومنع الفتيات من التعليم ومن الخروج أو الاشتباك بالحياة.

فما هي وجوه التنسيق بين واشنطن وطالبان، وهل قادة طالبان "جواسيس" لأمريكا، وهل ما جرى في الأيام الأخيرة من سقوط دراماتيكي للحكومة الأفغانية هو مجرد صدفة، أم ترتيب متفق عليه بين الطرفين، وما هي الأهداف التي ترغب الولايات المتحدة في تحقيقها عبر انسحابها الذي اُعتبر على نطاق واسع "هزيمة مدوية" تحيل إلى هزيمتها في فيتنام، حيث قالت صحيفة "بوليتيكن" الدنماركية إنّ الولايات المتحدة لم تتعرض لإذلال بهذا الشكل منذ حرب فيتنام. وأوضحت الصحيفة: "أفغانستان هي أكبر هزيمة للولايات المتحدة منذ ذلك الحين (حرب فيتنام) وهي نهاية مُذلةٌ تماماً لأطول حرب خاضتها القوة العظمى في كل العصور".

هل هناك أسرار لم يُكشف عنها بعد؟

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أمس الثلاثاء، أنّ مدير وكالة المخابرات المركزية "CIA" وليام بيرنز، عقد أول من أمس الاثنين 23 الجاري اجتماعاً سرياً مع نائب زعيم حركة طالبان الملا عبدالغني برادار.

الصحيفة الأمريكية أشارت إلى أنّ هذا اللقاء هو الأعلى مستوى بين مسؤول أمريكي، وجهاً لوجه مع مسؤول من الحركة، منذ سيطرة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، وفقاً لما نقلته عن مسؤولين أمريكيين تحدثوا للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هوياتهم.

يأتي قرار الرئيس بايدن بإرسال "كبير جواسيسه"، كما وصفته صحيفة واشنطن بوست، وسط جهود محمومة لإجلاء الأشخاص من مطار كابول الدولي، فيما وصفه الرئيس بأنه "واحد من أكبر وأصعب المطارات وأعقد عمليات النقل الجوي في التاريخ".

امتنعت وكالة المخابرات المركزية عن التعليق على اجتماع طالبان، لكن من المرجح أن تشمل المناقشات الموعد النهائي الوشيك في 31 الجاري للجيش الأمريكي لإنهاء الجسر الجوي للمواطنين الأمريكيين والحلفاء الأفغان.

صحيفة "واشنطن بوست": الرئيس الأمريكي جو بايدن قام بإرسال "كبير جواسيسه"، للقاء سراً ووجهاً لوجه مع نائب زعيم حركة طالبان الملا عبدالغني برادار

ويتعدى اللقاء بين مدير وكالة المخابرات المركزية والزعيم الطالباني البارز، حدود إجلاء المواطنين الأمريكيين والحلفاء الأفغان، إلى تنسيق أمني تجلت ملامحه الأساسية في "اتفاق السلام" بين واشنطن وحركة طالبان الذي رعته العاصمة القطرية الدوحة.

ووافقت الولايات المتحدة على سحب ما تبقى من قواتها من أفغانستان، وزعمت طالبان إنها لن تسمح لـ"القاعدة" أو أي جماعة متطرفة أخرى بالعمل في المناطق التي تسيطر عليها.

كما ذُكر، بحسب الاتفاق، أنه سيتم تبادل 5 آلاف سجين من طالبان مقابل 1000 أسير من قوات الأمن الأفغانية، وسيتم رفع العقوبات ضد الجماعة الإسلامية المتشددة.

وشمل الاتفاق الولايات المتحدة وطالبان فقط، إذ كانت الخطة هي أن تتفاوض طالبان مع الحكومة الأفغانية بعد ذلك لتحديد كيف ومن سيحكم البلاد في المستقبل.

غموض في العلاقة مع جماعة إرهابية

الغموض الذي يحيط بطبيعة العلاقة الأمريكية مع جماعة متشددة كانت موضوعة على قائمة الجماعات الإرهابية بحسب قرار مجلس الأمن الدولي، جعل محللين يتساءلون عن أسرار هذه العلاقة الملتبسة، فهل يمكن أن تهزم أمريكا نفسَها؟

في إطار هذه العلاقة دارت مقالة المحلل السياسي الفلسطيني هاني حبيب، الذي يتساءل: هل هناك مصلحة أمريكية في إعادة إحياء طالبان ومعها كل القوى الأصولية كداعش والقاعدة، واستخدام هذه القوى لتحقيق رؤية إستراتيجية أمريكية للقرن الحادي والعشرين المتعلقة أساساً بالمواجهة مع بكين وموسكو؟

على نطاق واسع، يتابع حبيب، تتخذ السياسة الصينية متعددة التوجهات على مبادرة الحزام والطريق كإستراتيجية تهيئ لها قيادة العالم كبديل لزعامة أمريكا، من خلال ركائز اقتصادية وأمنية كاملة والتي تعتمد بدورها على إحياء طريق الحرير كوسيلة لإنجاز هذه الإستراتيجية التي تضع الصين كمنافس أبرز للولايات المتحدة.

المواجهة الأمريكية للإستراتيجية الصينية

المحلل الفلسطيني يرى في مقالته التي نشرت في موقع "سبق 24" بأنه في سياق المواجهة الأمريكية للإستراتيجية الصينية، فرضت واشنطن سلسلة من العقوبات الشديدة على الصين، غير أنّ ذلك لم يعد كافياً للحد من توجهات الصين نحو زعامة العالم، ما فرض على واشنطن تعديل سياستها بالتوجه نحو الداخل الصيني تحديداً وتهديد الزعامة الصينية داخل البيت الصيني من خلال قلاقل وانهيارات وانشقاقات، ولعل في إثارة مسلمي الصين الأيغور، على سبيل المثال لا الحصر، أحد أهداف هذا الاختراق، إلا أنّ هذا الأمر يتطلب وبالتأكيد الدور الأبرز للمنظمات الجهادية والأصولية مثل طالبان والقاعدة وداعش التي تم إحياؤها من جديد والتي باتت أكثر انتعاشاً بعد الانسحاب الأمريكي وبسببه من أفغانستان وسيطرة طالبان على البلاد، والفكرة هنا، أنّ البديل عن سياسة الاحتواء الفاشلة يتمثّل في اختراق الداخل الصيني والروسي.

وعلى ماذا تستند الإستراتيجية الأمريكية للقرن الحالي؟

كان عبد الغني الملا برادر القائد العسكري لطالبان عندما اعتقل في 2010 بمدينة كراتشي الباكستانية، وقد أطلق سراحه في 2018 تحت ضغط من واشنطن

 الولايات المتحدة، وفق المحلل الفلسطيني، تعمل على عملية تفخيخ لكل من الداخل الصيني والداخل الروسي من خلال الأداة الأكثر تأثيراً في هذا السياق والمتمثلة في القوى الأصولية كطالبان والقاعدة وداعش، خاصة بعد أن نجحت روسيا إلى حدٍ كبير في تحجيم داعش في سورية، وتوقف إلى حدٍ كبير تأثير القوى الإرهابية الأصولية على إدامة التوتر في جمهورية الشيشان.

 لكنّ إحياء دولة طالبان من شأنه أن يعيد هذا الصراع مجدداً وبحيث تجد روسيا نفسها بما يشبه الحرب الأهلية، ما يهيئ للإستراتيجية الأمريكية تكامل مقوماتها في المواجهة لنخر الدب الروسي من الداخل.

الدول السبع ترفض الاعتراف بطالبان

التطورات تتلاحق على الأرض في أفغانستان، وفي المحافل الدولية التي ما زالت تنظر بعين الريبة إلى ممارسات طالبان وتعهداتها، حيث أعلنت مجموعة الدول السبع، أمس الثلاثاء، رفضها الاعتراف "أحادياً" بنظام طالبان في أفغانستان دون التنسيق مع مجلس الأمن.

وأغلق زعماء دول مجموعة السبع (الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وكندا واليابان) الباب مؤقتاً أمام إمكانية إصدار اعتراف رسمي موحد بطالبان قبل الحصول على موافقة مجلس الأمن.

وحتى تنجلي الأحداث، ويتم فك شيفرة الغموض المحيط بحركة طالبان وقادتها، وطبيعة التنسيق الأمني بينهم وبين اولايات المتحدة، يكفي أن يتم استعادة معلومات عن الملا عبد الغني برادر الذي قابله أمس، بشكل سري، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية.

يعد برادر الرجل الثاني في حركة طالبان. ولد في ولاية أرزغان في الجنوب ونشأ في قندهار، وهو أحد مؤسسي حركة طالبان مع الملا عمر الذي توفي عام 2013، لكن لم يكشف موته إلا بعد سنتين.

وأصبح برادر، كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية، مقاتلاً في صفوف الحركة منذ العام 1979، ويعتقد أنه قاتل إلى جانب الملا عمر.

وفي عام 2001، وبعد التدخل الأمريكي وسقوط نظام طالبان، قيل إنه كان جزءاً من مجموعة صغيرة من المتمردين المستعدين لاتفاق يعترفون فيه بإدارة كابول، لكنّ هذه المبادرة باءت بالفشل.

وكان الملا برادر القائد العسكري لطالبان عندما اعتقل في 2010 بمدينة كراتشي الباكستانية، وقد أطلق سراحه في 2018 تحت ضغط من واشنطن خصوصاً.

ويحظى برادر باحترام مختلف فصائل طالبان، إذ تم تعيينه رئيساً لمكتبهم السياسي في الدوحة، ومن هناك، قاد المفاوضات مع الأمريكيين التي أدت إلى انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان ثم محادثات السلام مع الحكومة الأفغانية التي لم تسفر عن شيء.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية