هل لزيارة مدير المخابرات المصري لليبيا علاقة بوقف إطلاق النار؟

هل لزيارة مدير المخابرات المصري لليبيا علاقة بوقف إطلاق النار؟


22/08/2020

بعدما أمعنت في رفض التهدئة، وأدارت ظهرها لها أكثر من مرة، وكان آخرها في أواخر شهر تموز (يوليو) الماضي عندما اشترطت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج في طرابلس، إعادة تموضع قوات الجيش الوطني كشرط لإبرام هدنة دائمة في سرت، عادت هذه الحكومة التي تدير مفاصلها الميليشيات والمرتزقة، لتعلن أول من أمس، الجمعة، وقفاً لإطلاق النار في كل الأراضي الليبية، مرتبطاً بدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية في آذار (مارس).

اقرأ أيضاً: استقالات بالجملة في صفوف إخوان ليبيا: الشعب ضاق ذرعاً بالجماعة

هذا الإعلان المفاجئ، دفع مراقبين سياسيين،، وفقاً لصحيفة "عكاظ"، إلى التساؤل: هل هذه المبادرة مجرد مناورة لكسب الوقت تقف وراءها أنقرة والدوحة، أم أنها رضوخ من "الوفاق" بعدما بدأت المشاكل والخلافات تنخر بين ميليشياتها ومرتزقتها على تقاسم الأدوار؟

هناك من ربط بين إعلان وقف النار وزيارة مدير المخابرات الحربية المصري، اللواء خالد مجاور، إلى ليبيا، حيث التقى المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي

وهناك من ربط بين إعلان وقف النار، الجمعة، وزيارة مدير المخابرات الحربية المصري، اللواء خالد مجاور، إلى ليبيا، حيث التقى المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في توقيت له دلالة مباشرة ولافتة، وذلك غداة زيارة وزير الدفاع القطري، خالد العطية، والتركي، خلوصي أكار، إلى طرابلس، ولقائهما رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج؛ الأمر الذي بعث برسائل واضحة وصريحة، تتصل بأهمية الملف الليبي، من الناحية السياسية والإقليمية والإستراتيجية لدى الإدارة المصرية، من جهة، ومتابعتها عن كثب للتحركات الخارجية المحمومة من الجانبين القطري والتركي في ليبيا، من جهة أخرى.

ولم تصدر تصريحات رسمية تربط زيارة اللواء عباس، بما جرى التوافق عليه من إقرار للهدنة. لكنّ الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا ستيفاني وليامز عبّرت عن ترحيبها بقراري وقف إطلاق النار الصادرين في بيانين عن رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب شرقي ليبيا عقيلة صالح.

وجاء في البيان الصادر عن السراج: "انطلاقاً من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذي تمر به البلاد والمنطقة وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية".

اقرأ أيضاً: هذه أبرز ردود الفعل العربية والدولية على وقف إطلاق النار في ليبيا

كما أكد عقيله صالح في بيانه أنّ الاتفاق على الوقف الفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا "يقطع الطريق على أي تدخلات عسكرية أجنبية وصولاً إلى إخراج المرتزقة".

وأضاف صالح: "نسعى لتجاوز وطي صفحة الصراع والاقتتال، وسيتم استئناف إنتاج النفط وتجميد إيراداته في حساب خارجي للمصرف الليبي".

ورحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالاتفاق، وقال في تدوينة على صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي: "أرحب بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية، باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها".

اقرأ أيضاً: الأطماع الأردوغانية أبعد من مصراتة الليبية

كما رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بإعلان وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية وفق ما صدر عن مجلس النواب الليبي.

وجددت وزارة الخارجية والتعاون الدولي، في بيان لها، تأكيدها على أنّ الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الصراع في ليبيا، وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة.

وجاء في البيان أنّ دولة الإمارات تعتبر هذا القرار "خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي الشقيق في بناء مستقبل يلبي تطلعاته في الاستقرار والسلام والازدهار، بما يتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين، وإعلان القاهرة واتفاق الصخيرات".

وجاء الاتفاق ليقطع مساعي تركيا وقطر إلى مواصلة التصعيد العسكري، والحشد الميداني في ليبيا، بواسطة دعم الميليشيات المسلحة التابعة لأنقرة، بالمال والسلاح؛ حيث كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، قبل أيام قليلة، وجود نحو 400 عنصر من المرتزقة السوريين في الدوحة، بهدف تدريبهم في إحدى القواعد العسكرية، قبل نقلهم إلى جبهات القتال في ليبيا.

اقرأ أيضاً: أنقرة والدوحة تسعيان إلى "صوملة ليبيا" بتشكيل قوات موالية لهما

وبحسب المرصد السوري؛ فإنّها ليست المرة الأولى التي تستقبل فيها الدوحة مسلحين، سواء لإيوائهم أو تدريبهم؛ حيث جرى في فترات متفاوتة استقبال عناصر قادمة من تركيا للأسباب والأغراض نفسها، بيد أنّ ثمة دفعة جديدة، مؤخراً، تنتمي للفصائل السورية، المدعومة من أنقرة، تتمّ تهيئتها للانتقال إلى ليبيا، والقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

كما جرى رفع وتيرة الحشد العسكري لميليشيات حكومة الوفاق، غرب سرت، وشرق مصراتة، عبر نقل دفعات جديدة من العناصر المسلحة، خلال الأسبوع الماضي، كما يذكر المرصد، فيما أوضح العميد خالد المحجوب بالجيش الليبي، مدير إدارة التوجيه المعنوي، أنّ الجيش "على استعداد كامل لمواجهة كافة السيناريوهات، وعلى جاهزية لصدّ أيّ هجوم محتمل من جانب الميليشيات المدعومة من تركيا، وكذا من المرتزقة السوريين على سرت والجفرة".

مستعدّون لكافة السيناريوهات

تأتي زيارة مدير المخابرات الحربية المصري إلى ليبيا، في ظلّ تصاعد التوتر بين الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق، على خلفية سيطرة الميليشيات المدعومة من أنقرة على موانئ طرابلس ومصراتة والخمس، فضلاً عن الاتفاق الثلاثي الأخير الذي جمع الدوحة وأنقرة والوفاق، ويقضي بتحويل ميناء مصراتة لقاعدة بحرية تركية، ما يعزز وجودهما العسكري والتجاري، في منطقتي شمال أفريقيا، وجنوب البحر المتوسط، إضافة إلى تحقيق أطماعهما، خاصة تركيا، في التنقيب عن ثروات شرق المتوسط.

وعليه، هدّدت الوفاق بالهجوم على مدينتي سرت والجفرة، بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الليبي إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية، بينما رأت غرفة عمليات "بركان الغضب"، التابعة لحكومة الوفاق، التي تنتشر قواتها في محيط مدينة سرت، أنّ إعادة فتح الموانئ والحقول النفطية خطوة غير كافية، وينبغي أن يترتب عليها خروج الجيش الليبي من سرت والجفرة؛ إذ ذكرت، على منصتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنّها ستمنح "مهلة قليلة" للجيش الليبي، حتى يقوم بتسليم سرت والجفرة.

وكتبت": "رسالتنا بالأمس كانت واضحة؛ إما فتح الموانئ والحقول النفطية فوراً والخروج من سرت والجفرة، أو أن قوات البركان ستبدأ في التقدم.. حفتر فتح اليوم الموانئ والحقول النفطية، الآن ستكون له مهلة قليلة لتسليم سرت والجفرة للقوات الشرعية، وإلا فإنّ حمم البركان ستبدأ تمطر على ميليشياته ومرتزقته، حتى يفنوا ويتحرر تراب الوطن".

الإدارة المصرية للأزمة الليبيبة

وفي غضون ذلك؛ جددت القبائل الليبية دعوتها لمصر بالتدخل العسكري الكامل، إبان زيارة مدير المخابرات الحربية لليبيا، في حال تنفيذ حكومة الوفاق وميلشياتها تهديداتها باقتحام سرت؛ إذ قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل في ليبيا، صالح الفندي: "أعطينا الجيش المصري الضوء الأخضر من جانبنا ومن البرلمان ليضرب فوراً إذا حركت الميليشيات ساكناً في مدينة سرت"، وتابع: "طالبنا الرئيس المصري، في وقت سابق، تقديم الدعم العسكري، الجوي والبري، إذا تجاوز الأتراك الخطّ الأحمر في سرت".

رحبت الإمارات بإعلان وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية وجددت تأكيدها على أنّ الحل السياسي هو الطريق الوحيد لإنهاء الصراع تحت إشراف الأمم المتحدة

وقال عبد السلام بوحراقة الجراري، من عشيرة الأشراف، والمرابطون، في ترهونة، جنوب طرابلس: إنّ "مصر تقدم طوق النجاة لزعماء القبائل الليبية"، مضيفاً: "القبائل تعطي الشرعية للقوات المصرية لحماية الأمن القومي الليبي، والذي بدوره يعدّ تأميناً لمصالح مصر"؛ حيث رأى أنّ "الدعم المصري هو السبيل الوحيد لإنهاء حرب أهلية طاحنة، ومحورها السيطرة على حقول النفط الثمينة".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يرى الباحث المصري في العلوم السياسية، مصطفى صلاح، أنّ ثمة دوراً مصرياً فاعلاً في الأزمة الليبية، يختلف، بصورة كبيرة، عن محددات الأدوار الأخرى لبعض الدول المنخرطة، بصورة مباشرة، في الصراع الإقليمي الدائر؛ إذ يمكن توضيح محددات الدور المصري من خلال بعض الأهداف الرئيسة، والتي من أهمها دعم وحدة ليبيا واستقرارها، ومواجهة التدخلات الأجنبية، فضلاً عن مواجهة الجماعات المتطرفة.

ويردف صلاح: "ظهرت بعض الممارسات من جانب القاهرة تدلّ على أهمية الملف الليبي في السياسة الخارجية المصرية، وذلك من خلال استضافة القاهرة لممثلي القبائل الليبية، وكذا دعم الجيش الوطني في مواجهة الجماعات المسلحة، المدعومة من حكومة الوفاق، وبالتبعية، فإنّ زيارة مدير المخابرات الحربية المصرية إلى ليبيا، تمثل امتداداً لذلك، خاصة أنّ أهميتها تزايدت بعد زيارة وزيري الدفاع القطري والتركي، في محاولة لتقديم الدعم العسكري للجماعات التابعة لها، للسيطرة على بعض المناطق الإستراتيجية".

كما يمكن تفسير زيارة مدير المخابرات المصرية، باعتبارها محاولة من جانب القاهرة لإظهار مدى العمق الإستراتيجي لتطورات الأوضاع الليبية بالنسبة إليها، وتدشين عمليات تنسيق أكبر وأوسع مع الجيش الوطني الليبي، لحصار تقدّم الجماعات المتطرفة تجاه المواقع الاقتصادية والعسكرية، مع الوضع في الاعتبار أنّ النفوذ التركي القطري إنّما يمثل عرقلة للجهود السياسية التي تقودها مصر، من خلال مبادرة إعلان القاهرة، الهادفة إلى تسوية الأزمة الليبية، وفق المبادئ العامة للسياسة المصرية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية