هل للسلطان من يُكاتبه: من اليد المخملية إلى القفازات الحديدية

هل للسلطان من يُكاتبه: من اليد المخملية إلى القفازات الحديدية


كاتب ومترجم جزائري
23/02/2022

ترجمة: مدني قصري

هل رجب طيب أردوغان هو الديكتاتور الغاضب الذي وصفته الصحافة الغربية؟ مقالتان مختلفتان للغاية تم نشرهما في فرنسا ينوّعان الصورة؛ الرئيس التركي لا يخرج سالماً ، لكن تركيا الحديثة التي يقودها تظهر في المقالتين بكلّ تعقيداتها بنقاط قوّتها وضعفها.

الحديث عن تركيا لا ينتهي؛ لقد أثار تطوّر هذا البلد المحوري الواقع بين الشرق والغرب اهتمام الخبراء أكثر من اهتمام عامة الناس به، منذ أن فُرِضت على تركيا شخصيةٌ مثيرة للجدل مثل رجب طيب أردوغان في بداية هذا القرن. يقدّم كِتابان ، في مقاربات متباينة للغاية، تأملات مثيرة للاهتمام حول تركيا الحديثة ذات الأهداف الغامضة في بعض الأحيان.

جاء المقال الأول، الذي صدر في أيلول (سبتمبر) 2021، عن دار "Eyrolles"، بقلم ديدييه مليار، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS). يقدّم عنوانُ كتابه ميزة الشفافية: تركيا، شريك أساسي. أراد المؤلف في الواقع أن يضع تحليله في خدمة مناشدة الاتحاد الأوروبي من أجل تعميق ومضاعفة "المبادرات مع تركيا"، معتبراً أنّ "تنفيذ تآزرات حقيقية سيكون بالتأكيد عاملاً مضاعفاً لقوّة نافعة".

تحوّلُ رجل

من ناحية أخرى، سنبحث عبثاً عن مثل هذا الطموح في المقال الآخر "تركيا أردوغان"، والذي نشرته، في كانون الثاني (يناير) 2022، دار "Editions du Rocher"، الصحفية آن أندلاور، التي تُقِيم منذ ما يقرب من اثني عشر عاماً في تركيا، حيث نشأت؛ فهي مراسلة للعديد من وسائل الإعلام الفرنسية والسويسرية والبلجيكية، وفي كتابها تسعى لفكّ رموز "التعقيدات التركية اللامتناهية"، كما تسمّي المجتمع التركي شديد التعقيد.

لقد بنى حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعّمه أردوغان، صورة معيّنة: صورة الحزب الذي أطاح بالوصاية، ووسّع الديمقراطية، ومدّ يده إلى الأكراد، وحقّق التنمية الاقتصادية، وحارب الفساد

يُسند عملَها العديدُ من الآراء أو النكات المسلية التي جمعتها من المواطنين خلال السنوات القليلة الماضية حول تطور بلدهم تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية (AKP)، حزب أردوغان، وذلك في مجالات مختلفة، مثل: تطلعات الشباب المحبَطة، والإغلاق المتزايدة لحرية التعبير، والاستقبال الإشكالي لملايين اللاجئين، أو حتى استحالة ترسيخ البلاد في الاتحاد الأوروبي؛ أي جميع المجالات التي يحوم فوقها الظلّ الوصائي لرجب طيب أردوغان، الذي انتقل، عام 2014، من مسؤوليات رئيس الوزراء إلى مسؤوليات رئيس الجمهورية، مع حرصه على تبني توسيعاً هائلاً في الصلاحيات المخوّلة لمنصبه الحالي.

 عبر الصفحات ترتسم صورة تحوّلات رجل طموح لنفسه ولبلده، ما انفكّ خطابه يعرف تطوّراً تدريجياً، مع قمع احتجاج ساحة غيزي في إسطنبول، عام 2013، والانتخابات الفاشلة، في حزيران (يونيو) 2015 (تم إلغاؤها على الفور ثم فاز بعد بضعة أشهر)، وبالطبع الانقلاب الفاشل، عام 2016، عندما رأى نهاية عهده الوشيكة، إن لم تكن نهاية حياته، وهي تمرّ بين عينيه.

تأليف قصة لحشد الناخبين

لقد بنى حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعّمه أردوغان، صورة معيّنة: صورة الحزب الذي أطاح بالوصاية، ووسّع الديمقراطية، ومدّ يده إلى الأكراد، وحقّق التنمية الاقتصادية، وحارب الفساد. كان أردوغان يمتلك هذه القدرة على تأليف قصة لحشد الناخبين والتي لم تستطع المعارضة أن تجد خطاباً لمواجهتها. لقد كانت هيمنة حقيقية. على العكس من ذلك، صار أردوغان اليوم يوظف كلّ موهبته لتكريس سلطته. لقد فقدَ قدرتَه على خلق قصة جديدة وقد فشل في توسيع قاعدته. ويزداد الأمر خطورة الآن، حيث إنّ شعبيته آخذة في التدهور في المراكز الانتخابية وبين جمهور الناخبين الأكثر ديناميكية في البلاد: المدن الكبرى والشباب. إننا أمام سلطة في وضعٍ دفاعي.

اقرأ أيضاً: أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟

يوضح الملفّ الكردي جيداً تطوّر عهد أردوغان من القبضة المخملية للسنوات الأولى إلى القبضة الحديدية التي لا هوادة فيها في الوقت الحالي، في هذا السياق يخصص ديدييه بليون فصلاً لِما يسمّيه "مركزية الحقيقة الكردية"، ويؤسفه أنّه "لضمان دعم القوميين الأتراك"، أعلن أردوغان، في آذار (مارس) 2015، أي في سنة الانتخابات؛ أنّه "ليس هناك مشكلة كردية في هذا البلد إطلاقاً"، بينما قبل أسابيع قليلة تم التصديق على "مبدأ المفاوضات المباشرة مع حزب العمال الكردستاني".

من جانبها، تتذكر آن أندلاور الكلمات الأكثر تصالحية للشخص الذي كان عام 2005 رئيساً للوزراء: "إذا كان لا بدّ من وضع اسمٍ عليها فإنّ المشكلة الكردية هي مشكلة الجميع، وهي مشكلتي".

إستراتيجية خانقة للحريات

على الرغم من الرؤى المختلفة للغاية بين المؤلفين؛ فإنّنا نجد بعض أوجه التشابه التحليلية بين مقال ديدييه مليار ومقال آن أندلاور. كلاهما، على سبيل المثال، متفقان على رفض الوصف بـ "الديكتاتورية" التي غالباً ما يصف بها الغرب النظام التركي بقيادة أردوغان الجفول الفزع المرتاب. "إنها ليست دكتاتورية"، كما يشرح ديدييه مليار على موقع "IRIS"، لأنه على سبيل المثال، خلال الانتخابات البلدية الأخيرة انتقلت المدينتان الرئيستان في البلاد، أنقرة، العاصمة السياسية وإسطنبول العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلى أيدي المعارضة؛ لذا فليس ذلك ما تسمح به دولة ديكتاتورية". ومع ذلك فهو يعترف، في الوقت نفسه، في كتابه؛ بأنّ "الإستراتيجية الوحشية التي نفّذها رجب طيب أردوغان تعكس تماماً مفهومه المنفرد للديمقراطية".

لعل أردوغان لا يفكر في استعادة السلطنة أو الخلافة أو الأبجدية العربية أو تعدّد الزوجات... إنّ ما يحلم به، هو ترك بصمته والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة

لكن لا، على الرغم من المظاهر، فإنّ أردوغان لا يقرّر كلّ شيء في تركيا، كما تؤكد آن أندلاور، فهذا ما أوضحته لصحيفة "Le Soir"، في 11 كانون الثاني (يناير) 2022، ملوّحة بالمثال الانتخابي نفسه:

الانتخابات البلدية لعام 2019 في إسطنبول، والتي خسرها حزبه على الرغم من بذل الرئيس أردوغان قصارى جهده لإعادة التصويت، خيرٌ مثال على ذلك، وكذلك سحب اتفاقية إسطنبول حول العنف ضدّ المرأة؛ كلّ هذا يثير جدلاً مثيراً، حتى بين أنصاره، ثم حتى لو تبعه بعضهم بشكل أعمى، فإنّ آخرين يشكّكون صراحة في خيارات معيّنة، فيما البعض الآخر ينفصل عن حزبه.

لغز الجهاديين

غير أنّ المقالتين تتجنّبان التعامل بعمق مع غموض أردوغان الملموس: موقفه من الجهاديين المنخرطين في مسرح الحرب السورية منذ عدة سنوات. وبالفعل، غالباً ما اتُهم الرئيس التركي بأنّه غضّ الطرف، على الأقل عن مجيء وخروج هذه الحركة بين بلاده والجارة الجنوبية، في خضم التمزّق، بدعوى أنّ عداء الجهاديين للأكراد يخدم مصالح تركيا.

وبالمثل، يمتنع المؤلفان عن الخوض في الفشل الاقتصادي الواضح للرئيس التركي، والذي صحيح أنّه تفاقم بشكل خاص في السنوات الأخيرة، كما يشهد على ذلك الانخفاض الكبير الأخير في قيمة العملة الذي تعرّضت له مقابل الدولار، ومن عواقبه المحتملة تعرُّض شعبية أردوغان لمزيد من التدهور. وكما تلاحظ آن أندلاور سيجد أردوغان نفسه مضطراً، بالتالي، إلى تجديد الاتصال، في خجل جمّ مع الأوروبيين، ومع الأنظمة في الخليج، أو حتى مع إسرائيل، بل وحتى مع العديد من القوى التي انتهكها وانتقدها دون خجل، ولم يمضِ على ذلك وقت طويل في خطبه الملتهبة.

اقرأ أيضاً: اقتصاديون يجيبون لـ"حفريات": هل ينجح تحدي أردوغان لليد الخفية؟

الصحفية، بهذا المعنى المتميز، بفروقه الدقيقة، تدحض الاختصارات التي تسهب الصحافة الغربية في طرحها؛ لقد كتبت: "مثل معظم الأتراك اليوم، لا يحلم رجب طيب أردوغان بشكل خاص باستعادة الإمبراطورية أو استعادة الأراضي المفقودة، لعله لا يفكر في أيّ من استعادة السلطنة أو الخلافة أو الأبجدية العربية أو تعدّد الزوجات... إنّ ما يحلم به، قبل كلّ شيء، هو ترك بصمته والبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة (...)".

يبقى أن نرى ما سيحتفظ به التاريخ عن أردوغان، والذي يمكن أن يكون قاسياً جداً.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info

https://orientxxi.info/lu-vu-entendu/eplucher-le-millefeuille-de-la-turquie,5327




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية