هل مثلت القضية الفلسطينية غاية الإسلاميين أم وسيلة للوصول إلى السلطة؟

هل مثلت القضية الفلسطينية غاية الإسلاميين أم وسيلة للوصول إلى السلطة؟

هل مثلت القضية الفلسطينية غاية الإسلاميين أم وسيلة للوصول إلى السلطة؟


17/04/2024

صبحي نايل

يقدّم الإسلام السياسي الأزمة الفلسطينية ومسألة تحريرها كهدف أساسي لوجوده وغاية رئيسية لمشروعه، وكثيرا ما شكّلت صيغ المعارضة والتصفية السياسية باتهام خصومهم بالتواطؤ مع إسرائيل، وإهمال القضية الفلسطينية.

علاوة على ذلك، فقد مثّلت هذه القضية مرارا وتكرارا سلاحا رئيسيا في المعركة السياسية لدى تيارات الإسلام السياسي، ومع الأحداث العنيفة التي تدور حاليا حولها وتوجّه الرأي العام العالمي نحوها، وتحرّك الشعوب في العديد من أنحاء العالم لوقف هذا العنف يبرز التساؤل عن دور هذه التيارات الإسلاموية في هذه الحرب، ومدى مصداقيتها في تبنّيها هذه القضية. خاصة أن العديد من هذه التيارات كانت في نشأتها تبنت الأزمة الفلسطينية، وهذا ما يطرح التساؤل حول جدّيتها تجاه ذلك حين وضعت على المحك الواقعي.

القضية كأداة استقطاب ومنبع مالي

نشأت جماعة “الإخوان المسلمين”، وهي أول جماعة إسلامية سياسية، إثر تفكك السلطنة العثمانية عام 1928، ووضعت عودة الخلافة كمشروع رئيسي لها، بيد أنه إثر حرب 1948 بنت جماعة الإخوان لنفسها تيارا مضادا تزعم أنه مواجه للمطامع الغربية في “الدول الإسلامية”، ووضعت مشروعها مقابلا للمؤامرات الغربية.

وتم توظيف القضية الفلسطينية للاستقطاب الجهادي لجماعة الإخوان، وذلك في إعلان مؤسس الجماعة حسن البنا، أن لهم عشرات الآلاف من مجاهدين في أرض فلسطين يسعون إلى تحريرها. وكان للقضية حينها واقع أليم ومذلّ للمجتمعات العربية، مما جعلها تمثل حاضنة للمشروع الإخواني خاصة أنها كانت تشعل الرأي العام العربي؛ لذا سعى حسن البنا إلى بلورة خطابه حولها وجعلها ركيزة أساسية في سجاله السياسي، ووضعها كأولوية ضمن مشروعه السياسي، مستغلا في ذلك البُعد الديني للقضية الذي يجعل انتهاؤها على يد الجماعة المختارة.

ومن علامات الساعة حسب المرويات الدينية الإسلامية والتي يدعمها هذه التيارات بشيء من التنقيح بما يوافق وجهتها، كما يركز على مسألة “العزة والكرامة الإسلامية” في حال عودتها بشيء من العنفوان الذكوري ذات الطابع الإيجابي في السياقات العربية. وكل هذه المسائل حسب المخيلة العربية تمثل أدوات استقطاب وتجييش جيدة، والاتساع الجغرافي والامتداد التاريخي لجماعة الإخوان يشهد بذلك.

يتبدى الاستغلال البراغماتي للقضية الفلسطينية في اتخاذها سببا لنشأة أهم منبع مالي دولي لجماعة الإخوان عام 1984، حيث أسّست هذه الجماعة ما عرف بحركات الإغاثة الإسلامية بمدينة برمينغهام البريطانية على يد قيادات التنظيم، مثل: إبراهيم الزيات، وهاني البنا، وهاني الألفي، لتمثل هذه الحركة وعاء مالي مشروع لهذه الجماعة، وكانت مكاتبها الأساسية في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة وعرقية وإثنية، كالصومال والشيشان والبوسنة والهرسك وأفغانستان وكينيا ومالي.

وكانت الأموال تأتي من خلال تبرعاتٍ وأموالٍ تُجمع في مساجد أوروبا، والجمعيات الأهلية والدينية والبنوك الإسلامية، وبعض المساعدات العينية من الدول التي كانت تعتقد أن هذه المساعدات تذهب لضحايا الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين وغيرها، وكانت القضية الفلسطينية ركيزة أساسية في جمع هذه التبرعات التي تنتهي إلى جيوب الإخوان.

وخلال الأزمة المعاصرة للقضية الفلسطينية والحرب القاتلة في أراضيها يركز تيار الإسلام السياسي على نقد السلطة، والمقارنة بينها وبين حكم الإخوان أو حتى في عهد الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك ومواقفه، وهو سلاحٌ كثيرا ما عرفته جماعة الإخوان في التصفية السياسية.

وكان حضور هذه التيارات الإسلاموية في الميادين المصرية تجاه الأزمة حسب ما وضح الباحث المصري عماد عبد الحافظ لموقع “الحل نت” شبه غائب، في الوقت نفسه نزعة اللوم على الشعب لعزله الرئيس الراحل محمد مرسي حاضرة فيما يطرحه الأشخاص المحسوبين على التيار، وذلك من خلال منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي. ولم ينفِ عبد الحافظ إمكانية وجود المشاركات الفردية، ولكنه شدّد على غياب أي دعوة جماعية من قبل تيارات الإسلام السياسي، وبرّر هذا لرفض المجتمع لهم وغياب أي شعبية جماهيرية، والقيود الأمنية الموضوعة عليهم.

المقاومة المسلحة في لبنان

يمتاز الإسلام السياسي في لبنان عنه في مصر بأنه وليد القضية الفلسطينية، فتشكلت “حركات المقاومة” بلبنان بعد حرب 1948، حيث مثّلت حينها مقاومةً للمدّ الإسرائيلي في أراضيها و”تحرير أرض فلسطين” حسب ما تزعم، كما أنها تتميز عن الإسلام السياسي في مصر بوجودها ضمن إطار الحرب والمقاومة، وهذا ما أكده أستاذ الفلسفة بجامعة لبنان الدكتور خالد كموني خلال حديثه لـ”الحل نت” قائلا: الإسلام السياسي في لبنان يتجسد في حركات إسلامية سنّية وحركات إسلامية شيعية وهذه الحركات لديها فصائل مسلحة؛ “حزب الله، والجماعة الإسلامية”، الذراع السياسية للإخوان بلبنان، و”حركة أمل”، ولعل هذا ما يثبت في العديد من الأحيان جدّيتها تجاه المسألة الفلسطينية.

وكثيرا ما ردّد حسن نصر الله قائد “حزب الله” عبارة “إسرائيل شر محض ويجب أن تباد”. بيد أن الوضع يختلف في ميدان العمل السياسي خاصة أن تيارات الإسلام السياسي بلبنان لها أحزابٌ مشاركة في الحياة السياسية اللبنانية.

وأكد كموني أن تيارات الإسلام السياسي حينما تتفاعل مع حدث يجري في المنطقة، كحدث غزة حاليا فهي تتحدث من الناحية السياسية بما يقتضي دورها في الحكم والمشاركة السياسية بلبنان، ودورها أيضا المرتبط بالخارج، وهنا تكمن المشكلة؛ فحين نتحدث عن الخطاب السياسي لهذه الحركات نجده مرتبط بمصالح دول أخرى؛ إقليمية كإيران مثلا بالنسبة لـ”حزب الله”، أو مصالح دول خارجية، أو مصالح الحركة نفسها في الخارج في دول أخرى، وهذا ما يؤثر على أداء السياسة الخارجية للبنان.

وأردف كموني قائلا: “كما ونعرف جميعا الجبهة الشمالية مع إسرائيل مشتعلة برشقات النيران بين الجانب الإسرائيلي وبين قوات ما تنسب نفسها للمقاومة وحزب الله في لبنان، ويعود أثر هذه المشاركة على الشعب، فهل سيكون لبنان داخل هذه الحرب، أم سيكون ضحية هذه الحرب، وهل سيكون محايدا؟ وهنا يكون الإشكال الكبير؛ فإذا كان لبنان محايدا، يعني هذا انتظار قرار المباحثات الإيرانية الأميركية إذا كانت تستبعد لبنان أو تُشركه في الحرب. وهذا ما يُظهر وضوح مصطلح الإسلام السياسي، ففعلا الإسلام في هذه الحركات إسلام سياسي وليس إسلام ديني”.

بمعنى؛ أن السياسة هنا التي تحكم ومصالح الدول، لذلك أثرُ هذه الحركات أثرٌ خطير جدا في المجتمع، من حيث جرّه إلى مهاون كبرى أو مصائر كبرى، لا يحددها لبنان داخليا بقدر ما تحددها مصالح خارجية على أرضه، وفق ما يضيفه كموني لـ”الحل نت”.

ماذا عن المغرب العربي؟

يختلف وضع تيارات الإسلام السياسي في المغرب العربي عنها في كافة الدول، فقد تم التصديق على الاتفاق الثلاثي الأميركي الإسرائيلي المغربي، من قِبل “حزب العدالة والتنمية” (الذراع السياسية للإخوان) من قبل سعد الدين العثماني، وهو ما يجعل رصيده في هذه النقطة لا يُمَكِنه من استغلالها سياسيا، وهذه ما صرّحت به الباحثة المغربية نزهة بوعزة، لموقع “الحل نت” قائلة: الإسلام السياسي المتمثل في أبرز حركة في السياق المغربي “حزب العدالة والتنمية”، بما هو حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية، يعيش ركودا وانكماشا ناتج عن مسألتين، الفشل الذريع في التجربة السياسية التي امتدت على نحو ثمان سنوات، ثم المراجعات الفكرية التي مثّلها الحزب أو التي اضطر للقيام بها تحت مطلب الاستمرار في المساهمة في السلطة السياسية.

وأبرز هذه المراجعات التوقيع على “معاهدة التطبيع” مع إسرائيل، هذه النقطة جعلت حضوره في الوضع الراهن الفلسطيني يشوبها التشكيك في منطلقاته الأيديولوجية، كما قلّصت نوعا ما حضوره في الدعوات أو المسيرات الحاضنة لدعم الفلسطيني، صحيح أن هناك دعوات للمسيرات وجمع للمساعدات لكنها لا ترقى للتصريح العلني، مادامت السلطة تتكلف بذلك، ولنقُل بالمجمل إن الحركات التي تمثّل الإسلام السياسي بالمغرب تتميز بخصوصية مغايرة لما عليه في باقي الدول العربية، وأبرز هذه الخصوصية انصياعها وامتثالها لطبيعة السلطة بالمغرب وتجنب الخروج أو اتخاذ تدابير خارج الإطار العام لدولة، حسبما توضحه الباحثة المغربية.

وأوضحت الباحثة بمجال علم الاجتماع الديني صابرين الجلاصي لموقع “الحل نت” أن الأمر بالنسبة لقضية فلسطين، هو أن الأحزاب لا تتحرك ولا تدعوا لشيء، فالحراك على الأرض تجاه أحداث غزة “حراك شعبي” بامتياز، ولا أجندات سياسية مطروحة في هذا الحراك.

هذا فضلا عن عدم وجود جهات سياسية تتزعم التجمعات أو جمع التبرعات أو المساعدات. وأكدت الجلاصي بعبارات واضحة وصريحة أنها كباحثة علم اجتماع ديني، أن “الإسلام السياسي انتهى فعليا من الأفق التونسي، على المستوى الشعبي، والسياسي ولم يعد له حضور واقعي”، فأتباعهم ينحصرون داخل الدوائر الأسرية كالعائلات والدوائر الاجتماعية الضيقة كالأصدقاء، وليس لهم وجود شعبي أو جماهري. وبخصوص أزمة غزة فالحِراك من كافة الأطياف، في حالة غياب شبه تام لتيارات الإسلام السياسي لعل مبرراته انتهائه الفعلي كما ذكرت سلفا.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية