هل يبدأ أخيراً موسم التطبيع بين تركيا وأرمينيا؟

هل يبدأ أخيراً موسم التطبيع بين تركيا وأرمينيا؟


31/01/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على الجبهة الدّاخلية يرفع الرّئيس التّركي، رجب طيب أردوغان، نبرة خطابه، بعد صلاة الجمعة، الأسبوع الماضي، مهدّداً بـ "قطع ألسنة" أولئك الذين يتكلّمون بالسّوء عن النّبي آدم، في إشارة إلى أغنية عمرها خمسة أعوام لنجمة البوب ​​التركية، سيزين أكسو.

ومع ذلك، خارج حدود البلاد، يتقصى الزّعيم التّركي الذي يحكم منذ فترة طويلة الانسجام. قال أردوغان الأسبوع الماضي: "إذا كنّا سنمارس السّياسة، فلا يمكن أن يتمّ ذلك من خلال المواجهة"، مشيراً إلى خطط ناشئة للرّئيس الإسرائيلي لزيارة تركيا، للمرة الأولى منذ 15 عاماً. وأضاف: "علينا أن نتبع السّياسة على طول طريق السّلام".

ويقول مسؤولون أتراك؛ إنّ روسيا وأوكرانيا أعربتا عن اهتمامهما بعرض أنقرة استضافة محادثات السّلام؛ إذ يتواجد حوالي 120 ألف جنديّ روسيّ على طول الحدود الأوكرانيّة في انتظار تعليمات من موسكو.

وكانت الإمارات العربيّة المتّحدة قد أنهت صفقة تبادل عملات بقيمة 4.9 مليار دولار مع تركيا، الأسبوع الماضي، ويتوقّع البلدان توقيع المزيد من الاتّفاقيات عندما يزور أردوغان أبوظبي، ربما الشّهر المقبل، ممّا يشير إلى أنّ التّوترات المستمرّة منذ أعوام بين أنقرة ودول الخليج قد هدأت إلى حدّ كبير.

انقسمت أنقرة ويريفان على أساس الدّين وقصص الأصل المتضاربة، واصطدمتا لفترة طويلة حول ما حدث في جنوب شرق الأناضول، قبل وأثناء وبعد الحرب العالميّة الأولى

لكن ربما يكون التّقارب التّركيّ الأكثر أهميّة مع أرمينيا؛ فبالرّغم من تقاسم حدود يبلغ طولها 311 كيلومتراً، ليست هناك علاقات رسميّة بين البلدين. انقسمت أنقرة ويريفان على أساس الدّين وقصص الأصل المتضاربة، واصطدمتا لفترة طويلة حول ما حدث في جنوب شرق الأناضول، قبل وأثناء وبعد الحرب العالميّة الأولى.

أعوام الصّراع الدّموية

الأخيرة مقتنعة بأنّ 1.5 مليون أرمني قُتلوا عمداً على يد القوّات العثمانيّة في إبادة جماعيّة، بينما تقرّ الأولى بأنّ العديد من الأرمن لقوا حتفهم، لكنّها تحاجج بأنّ جميع الأطراف عانت من خسائر كبيرة في الأرواح خلال أعوام الصّراع الدّموية.

 

اقرأ أيضاً: هل إيران هي الخاسر الأكبر من اتفاق أذربيجان وأرمينيا؟

اعتقد العديد من المراقبين أنّ الضّربة المزدوجة المتمثّلة في خسارة أرمينيا في حرب ناغورنو-كاراباخ أمام أذربيجان المدعومة من تركيا في أواخر عام 2020، واعتراف الرّئيس الأمريكي، جو بايدن، رسميّاً بالإبادة الجماعيّة للأرمن، بعد ستة أشهر من ذلك، من شأنه أن يؤدّي إلى مزيد من التباعد بين البلدين. لكن في الأسابيع الأخيرة، وبشكل مفاجئ تقريباً، شرع البلدان في حملة تطبيع، وهي المحاولة الثّالثة من نوعها منذ سقوط الاتّحاد السّوفيتي.

 

اقرأ أيضاً: لماذا يحاول أردوغان أسلمة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟

انهارت المحاولة الأولى، في نيسان (أبريل) 1993، بعد أن احتلّت القوّات الأرمينيّة منطقة كيلبجار الأذربيجانيّة، ممّا أدى إلى اندلاع صراع كاراباخ الأوّل، ثمّ في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2009، وقّع وزيرا خارجيّة البلدين اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسيّة، لكن في العام التّالي، قرّر أردوغان عدم الموافقة عليها؛ بسبب ضغوط العاصمة الأذربيجانيّة، باكو، فيما يتعلّق بأزمة كاراباخ.

جاءت أولى خشخشات هذا الجهد الأخير الشّهر الماضي؛ عندما عيّن الجانبان مبعوثَين خاصَّين للإشراف على المفاوضات، بالرّغم من أنّ سيردار كيليتش، البالغ من العمر 64 عاماً، يتمتع بخبرة أكبر قليلاً من المبعوث الأرمنيّ، روبين روبينيان، البالغ من العمر 31 عاماً. في منتصف كانون الثّاني (يناير)، التقيا لإجراء محادثات "إيجابية وبنّاءة" في موسكو، وهو أوّل اجتماع دبلوماسيّ رفيع المستوى بين الخصمين منذ أكثر من اثني عشر عاماً.

 

اقرأ أيضاً: اتفاق سلام أرمينيا وأذربيجان: ما علاقة فوز بايدن والصفقة بين موسكو وأنقرة؟

من المتوقّع استئناف الرّحلات الجويّة بين تركيا وأرمينيا، وهي الأولى منذ 2019، الأسبوع المقبل. وتتمثّل العلامة الإيجابيّة الأخرى في أنّ أذربيجان امتنعت عن إبداء أيّة اعتراضات؛ حيث أشارت باكو إلى استمرار الودّ تجاه أنقرة من خلال صفقة تبادل عملات متوقّعة بقيمة مليار يورو (1.13 مليار دولار).

إزالة الاعتراضات على التطبيع

أدّت استعادة أذربيجان، في أواخر عام 2020، للأراضي المحتلّة في كاراباخ إلى إزالة الاعتراضات الأذربيجانيّة والتّركيّة الأساسيّة على التّطبيع. ومع ذلك، يُعتقد على نطاق واسع أنّ الرّئيس الأذربيجانيّ، إلهام علييف، يسعى للحصول على مزيد من التّنازلات من أرمينيا. إنّ هدفه المحتمل هو السّيطرة الكاملة على الطّرق والسّكك الحديديّة التي ستُرمّم قريباً عبر أرمينيا إلى معبر ناختشيفان الأذربيجانيّ، وهي القضيّة الّتي تكلّمت فيها كثيراً العاصمة الأرمينيّة ميريفان.

يميل القوميّون الأتراك إلى التّململ من أيّة علامة لطف تجاه الأكراد أو اليونانيّين أو الأرمن. وألغى ناشر تركيّ بارز نشر كتاب مهمّ عن التّاريخ العثمانيّ؛ لذكره عبارة "الإبادة الجماعيّة للأرمن"

تدعم تركيا أيضاً ما يسمّى بممر زانجيزور، وتتصوّر زيادة تجارتها ونفوذ أوسع لها في منطقة القوقاز ومنطقة آسيا الوسطى التي يهيمن عليها الأتراك. قد تكون أرمينيا على استعداد للموافقة؛ لأنّ التّطبيع قد يمنحها إمكانيّة الوصول إلى البحر الأسود والقوقاز وحتّى أسواق الاتّحاد الأوروبيّ.

وأكّد تقرير للبرلمان الأوروبيّ أنّ إعادة فتح حدودها "من شأنه أن يفيد بشكل كبير اقتصاد أرمينيا ومجتمعها... ويفتح الطّريق أمام اندماج البلد بالكامل في المنطقة".

يبدو أنّ روسيا والولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ في تحالف نادر فيما يتعلّق بتركيا وأرمينيا، إنّهم جميعاً يدعمون التّطبيع، معتقدين أنّ لديه القدرة على تقوية البنية التّحتيّة للطّاقة في المنطقة، وتعزيز النّموّ الاقتصاديّ، وزيادة الاستقرار الإقليميّ.

ومن المحتمل الإعلان عن الجولة القادمة من المحادثات قريباً، لكن الطّريق من هنا إلى التّطبيع طويلة ومليئة بالحفر.

 

اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

من ناحية، عدم وجود علاقات دبلوماسيّة بين تركيا وأرمينيا ليس مجرّد شذوذ أوروبيّ عشوائيّ، لكنّه نتيجة لانقسام عميق الجذور. يعارض الشّتات الأرمنيّ على وجه الخصوص بشدّة قرار يريفان باستبعاد الاعتراف بالإبادة الجماعيّة كشرط مسبق. كتب هاروت ساسونيان، المعلّق الأرمينيّ الأمريكيّ والمندوب السّابق للأمم المتّحدة، هذا الشّهر: "لا يمكن أن تكون دولة قامت بإبادة جماعيّة وغير نادمة على ذلك طرفاً موثوقاً يمكن للمرء أن يتفاوض معه بحسن نية".

 

اقرأ أيضاً: تركيا متهمة دولياً بتأجيج الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.. ما الجديد؟

مع استقرار الليرة ارتفعت نسبة التّأييد لأردوغان مؤخّراً، وهذه إحدى المطبّات الإيجابيّة القليلة التي حَظِي بها منذ أن بدأ الوباء، لكن إذا استمرّت المحادثات فقد يخاطر بعزل شريكه البرلمانيّ القوميّ، حزب الحركة القوميّة، مع اقتراب الانتخابات في منتصف عام 2023.

لماذا يتململ القوميون الأتراك؟

يميل القوميّون الأتراك إلى التّململ من أيّة علامة لطف تجاه الأكراد أو اليونانيّين أو الأرمن. وفي الأسبوع الماضي فقط، ألغى ناشر تركيّ بارز نشر كتاب مهمّ عن التّاريخ العثمانيّ؛ لأنّه ذكر عبارة "الإبادة الجماعيّة للأرمن".

 

اقرأ أيضاً: كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

قد يكون التّقرّب من أرمينيا في الوقت الحاليّ مشكلة، وهو ما قد يفسّر سبب انشغال أردوغان بقضايا محافظة وانتقاد تقدميّين مثل نجمة البوب ​​أكسو، وإذا كان يهدف إلى حرب ثقافيّة قديمة الطّراز لتشتيت انتباه الجماهير، فإنّ وسائل التّواصل الاجتماعيّ التّركيّة تشير إلى أنّ رغبته تحقّقت.

قالت الممثّلة التّركيّة المشهورة، موجدي آر، ردّاً على تعليق أردوغان: "هل وصل الأمر الآن إلى قطع ألسنة الفنانين؟"، وأضافت: "هذا تهديد واضح ومخيف، وتحريض للجمهور ضدّ الفنانين. لن نستسلم".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 24 كانون الثّاني (يناير) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/01/24/turkey-has-quietly-sent-armenia-a-friend-request/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية