هل يدرك النظام العربي الرسمي أنّ سوريا أصبحت قضية دولية؟

هل يدرك النظام العربي الرسمي أنّ سوريا أصبحت قضية دولية؟


17/10/2019

اتّخذ العرب في اجتماع وزراء خارجيتهم الطارئ بالقاهرة، السبت الماضي، موقفاً يدين الاجتياح التركي لشمال شرق سوريا، رغم تحفّظ دولة قطر وحكومات طرابلس الليبية ومقديشو الصومالية "منقوصتي" السيادة، وهو ما طرح تساؤلات حول مرجعية الموقف العربي من الاجتياح التركي، فيما إذا كان يعود بالأصل للوقوف إلى جانب الدولة السورية، أم هو في إطار الخصومة والنزاع مع القيادة التركية، خاصة أنّ الحكومات الثلاث التي تحفظت على الإدانة ترتبط بعلاقات تحالفية مع القيادة التركية ومشروعها، فيما غالبية الدول التي طالبت بإدانة الاجتياح التركي على خصومة مع تركيا، وتحديداً؛ القاهرة، الرياض، وأبوظبي.

اقرأ أيضاً: العدوان التركي على سوريا.. ما الذي يريده أردوغان؟!

وعلى أهمية الموقف العربي تجاه الاجتياح التركي، إلا أنّه عكس حقيقة ضعف النظام العربي الرسمي، الذي جمّد عضوية سوريا بالجامعة العربية ومؤسساتها، وغاب عملياً عن سوريا التي تولت "روسيا بالتعاون مع إيران وتركيا" التعامل مع قضيتها، بكافة أبعادها؛ الداخلية والخارجية، من خلال صيغتَي: أستانا وسوتشي، ومناطق خفض التوتر، في مناطق مختلفة من سوريا، فيما تمت عرقلة انفتاح بعض الحكومات العربية على الدولة السورية، بعد التوقف عن رفع شعار "إسقاط النظام السوري" من قبل الفاعلين الدوليين، وليس من قبل النظام الرسمي العربي.

موقف الجامعة العربية جاء كفزعة متأخرة تجاه سوريا متجاوزاً الحقائق والتوافقات الدولية التي أكّدت أنّ الغزو جاء في إطار صفقة

ومن اللافت للنظر؛ أنّ موقف الجامعة العربية جاء في سياقات "الفزعة" العربية، وربما المتأخرة تجاه سوريا، متجاوزاً الحقائق السياسية والتوافقات الدولية، تحديداً بين روسيا والولايات المتحدة، التي أكّدت أنّ هذا الاجتياح جاء في إطار صفقة، عبرت عنها عدة تطورات لاحقة، أبرزها الفيتو الروسي الأمريكي تجاه إدانة تركيا في مجلس الأمن، وانسحاب القوات الأمريكية من مناطق شرق الفرات، والاتفاق بين الأكراد والحكومة السورية على تسلّم الجيش السوري العديد من المناطق، وحتى القتال إلى جانب الجيش السوري لتأمين المناطق الحدودية مع تركيا، ومحاولات ترتيب نقل كوادر داعش من سوريا إلى العراق، بتنسيق بين دول الاتحاد الأوروبي مع الحكومة العراقية، لحرمان أردوغان من استخدام داعش كورقة "ابتزاز" ضدّ الدول الأوروبية، وما يتردد حول وساطة روسية لإطلاق مباحثات مباشرة بين القيادتين؛ السورية والتركية، خاصة أنّ تركيا أعلنت أنّها "أخطرت" قنصلية الجمهورية العربية السورية في إسطنبول بالعملية، وهو ما يفسّر الموقف السوري، الأقلّ حدّة و"صراخاً"، من موقف الجامعة العربية.

اقرأ أيضاً: هذه أبرز ردود الفعل على العدوان التركي على سوريا.. ما موقف قطر؟

على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة؛ تمّ طرح إعادة سوريا الى الجامعة العربية، لتسويغ قرار الوقوف إلى جانب سوريا ضدّ الاجتياح التركي، في الوقت الذي لا تشارك فيه سوريا بالجامعة العربية، وهو ما يطرح تساؤلات حول حاجة سوريا إلى هذا الإطار، بعد أن أصبحت جزءاً من "لعبة" دولية تشترك فيها قوى دولية كبرى كالولايات المتحدة وروسيا، وإقليمية كإيران وتركيا وإسرائيل، وغياب أيّ دور عربي رسمي، باستثناء ما يتردّد في أوساط السلطات السورية عن أنّ هذا الدور كان تخريبياً، وتحديداً في تسهيل مهمة "الإرهابيين" وتقديم الدعم لهم في سوريا.

النظام العربي الرسمي غاب عملياً عن سوريا التي تولت روسيا بالتعاون مع إيران وتركيا التعامل مع قضيتها بأبعادها الداخلية والخارجية

من المرجح أنّ هناك اتفاقاً، على الأقل، بين بوتين وأردوغان، وباطلاع الرئيس ترامب، على حدود عملية "نبع السلام" ومدتها، والتي بدأت تتضح أهدافها بإقامة المنطقة الآمنة بالنسبة إلى تركيا، وإنهاء قضية اللجوء السوري في تركيا، وخفض مستوى تهديد الفصائل الكردية، وبسط سيادة الدولة السورية على أراضيها شرق الفرات، في إطار الفيدرالية التي تطرحها روسيا، والمتوقَّع أن تتم ترجمتها في الدستور الجديد الذي يتوقع أن تنجزه اللجنة الدستورية التي تمّ الاتفاق على تشكيلها بين موسكو وأنقرة وطهران، والمفترض أن تباشر اجتماعاتها في إطار الأمم المتحدة قريباً، وربما بعد الانتهاء من الملف "العسكري" الأخير في سوريا وهو ملف إدلب، والذي ستنفذ فيه تركيا "تعهداتها" بالمساهمة بالقضاء على الفصائل الإرهابية، على غرار ما تمّ في شرق الفرات.

اقرأ أيضاً: من المستفيد من الغزو التركي لسوريا؟

يجب أن نعترف اليوم؛ بأنّ الهامش المتاح للنظام العربي الرسمي ليكون لاعباً فاعلاً في الملف السوري محدود جداً، وأنّ هذا الدور، بأفضل حالاته، لا يمكن أن يتجاوز الانحياز لرؤية روسية أو أمريكية، وأن يعمل من خلالها فقط، خاصة الرؤية الروسية صاحبة القوة والفعل والتأثير الأكبر في كافة ملفات القضية السورية، وأنّ طرح شروط لإعادة سوريا للجامعة العربية والنظام الرسمي العربي، بإخراج إيران من سوريا، أو خروج تركيا، لم تعد مقبولة، خاصّة أنّ النظام العربي الرسمي ليس بموقع من يفرض الشروط؛ فموسكو وطهران وأنقرة، إلى جانب القوى الدولية الأخرى، هي التي تقرر اليوم مستقبل دمشق، وشكل ومضمون نظامها السياسي الجديد، والمرجح أنّه سيفضي لإنتاج سوريا جديدة، تتجاوز "مربعات وخنادق" أوساط في النظام السوري وأوساط بالمعارضة السورية، تعتقد أنّ بإمكان سوريا المضي قدماً، واستئناف الحياة بما كانت عليه الأوضاع  قبل عام 2011.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية